لبنان.. ثقافة الحياة تعني رعب العدو
موقع العهد الإخباري-
إيهاب زكي:
لا يعترف الكيان المؤقت بالدبلوماسية كأحد سبُل التعايش، بل إنّ العقيدة الصهيونية قائمة على امتلاك ما يكفي من القوة لاحتكار الجشع، وما الدبلوماسية في عرفه سوى عملية تقنين للجشع والعدوانية، وكلما قدم الطرف الآخر تنازلاً طالبه بالمزيد، والمزيد يستجرّ المزيد والمزيد، وحتى لو تنازلت عن ملابسك على طاولة التفاوض، سيطالبون بجلدك ثم لحمك ثم عظمك، فالعربي الجيد في عقيدتهم هو العربي الميت.
في المقابل، لا رادع لكل هذا الشر المطلق سوى القوّة، ولولا وجود المقاومة في لبنان، لما سمع أحدٌ بمبعوثٍ أمريكي، ولو ملأت الدبلوماسية أرجاء الأرض صخباً وتظلماً. هل هذه البديهيات بحاجة إلى شروحات؟ وهل الشرح سيأتي بنتائج؟ ولكن الأرجح كما قال الإمام علي بن أبي طالب (ع) “.. وكيف يراعي النبأة من أصمَّته الصيحة؟”. كيف يفهم العمق من غابت عن فهمه البديهيات؟
قال الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله “عيوننا على كاريش، وصواريخنا على كاريش”. هذا هو العطل التقني الوحيد، الذي تذرع به الكيان المؤقت لتأجيل بدء الاستخراج من حقل كاريش شهراً، بينما استسلاميو النهج ضيقو الأفق، الداعون لثقافة موت لبنان ليحيا الكيان، وتحيا عروشٌ تسوّره بالانبطاح والهزائم، يريدون من لبنان التخلي عن ورقة قوته الوحيدة، في مواجهة عتو بني صهيون.
هؤلاء اعتبروا أن أحدا سواهم لا يستحق الحياة، وألّا سبيل لحياتهم سوى بموت الآخرين، فارتكبوا أبشع المجازر وأقذع السلوكات، وكما قال السيد نصر الله، قد تكون مجزرة صبرا وشاتيلا من أبشع المجازر في تاريخ الصراع العربي ـ الإسرائيلي، هؤلاء يدّعون أنّهم يحملون ثقافة الحياة، ولكنها الحياة الأخس على وجه البسيطة، حيث لا تستقيم إلّا بقتل كل مختلف ديناً ومذهباً وطائفة، إنّها النسخة القديمة من “داعش”، الذين يدّعون بالمناسبة أنّهم يحملون ثقافة الحياة، حياة الأمة وإحيائها.
وبالمناسبة أيضاً فهذه ثقافة “ربّتهم الأولى” الولايات المتحدة التي تصنع من المجرمين أبطالاً، تضع صورهم على دولارها، كالرئيس السابع للولايات المتحدة، أندرو جاكسون، والذي تُطبع صورته على العملة فئة العشرين دولار، كان يحمل كذلك ثقافة الحياة، لكنها الحياة على حساب موت الآخرين، حيث قال “اقتلوا جميع (الهنود الحُمر)، فالقمل لا يأتي إلّا من بيض القمل”، فلا حصانة لطفولةٍ أو أنوثةٍ أو شيخوخة، وسجل التاريخ أنّه جمع أكثر من ثمانين شخصاً من السكان الأصليين في غرفةٍ من خشب، أطفالاً ونساءً وكبار سنٍ ورجالًا، ثم أشعل فيهم النار، وقام بشيّ البطاطا على هذه النار، وانتشى بأكلها على صراخهم.
على الكيان المؤقت أن يدرك أنّ الشمس لن تشرق من الآن فصاعداً على لبنان الضعيف، الذي يستعطف ما يُسمى بالمجتمع الدولي أو القانون الدولي، أو لبنان الذي يسكت على العدوان، أو لبنان الذي كان يتندر على احتلاله بفرقةٍ موسيقية، لبنان الذي تشرق عليه شمس كل يوم، هو لبنان القوي المقتدر بمقاومته.
نقلت القناة “12” عن اللواء احتياط في جيش الكيان المؤقت “إسرائيل زيف” قوله إن (السيد) “نصر الله يشكّل للجيش والمؤسسة الأمنية أهم تهديد منذ انهيار الجيوش النظامية في محيطنا”، وأردف “إنّه يفي بوعوده، ويجب أخذ تهديداته بجدية”. هذا السيد اللبناني والذي يعيش في لبنان، هو لبنان الوحيد الذي سيعرفه الكيان، وهو لبنان الوحيد الذي إذا قُدِّر للكيان مزيد من الوقت، أن يتعلم كيف يتعايش معه، بغض النظر إن كان تعايشاً على “رجل ونص”، أو تعايش الخضوع له.
إنّ ثقافة الحياة تعني رعب عدوك من مدّ سلاحه إلى حياتك، وليست تعني أن الحياة مِنْحته لك، متى أراد استأصلها، وثقافة الحياة تعني أن يتعلم عدوك التعايش مع رعب سلاحك، بينما ثقافة الموت هي منح عدوك صلاحية قتلك متى أراد، ومنح نفسك صلاحية الاستجداء.