لا نخاف على العراق وسوريا
صحيفة الوطن العمانية ـ
زهير ماجد:
إذا نظرنا حقيقة إلى العراق من باب القراءة الصحيحة، فنكاد نجمع ان قسمته قائمة، والجزء الذي خرج عن شكله التاريخي، يأبى ان يظل حيث ما صار. تكامل الأوطان سر عميق في قوتها، والأمر كذلك ينطبق على سوريا العربية التي نفترض انها لا تبوح بسرها اذا ما اعترفت بأشد آلامها عبر كل تواريخها، ليس لأن حربها طالت ودمرت وقتلت واغتالت، بل لأن جزءا عزيزا عليها صار خارجها في وقت تمدد أزمتها إلى الحد الذي لا يسمح لها بأن تعيده، وهي ستيعده.
العالم لا يفهم الإحساس الوطني للآخر، او لصاحب الارض .. بمقاييس المصلحة والربح والخسارة يفهمها .. ليس كصاحب الألم سوى من يشعر به، المتفرج على المتألم مشارك بالعين التي لا تغمض، احساسه مثلج وتحت الصفر دائما.
لكن العراق لن يخرج من دائرة عروبته، كل جزء فيه ينده عليها سواء كان بالجملة أو بالمفرق. وحال سوريا انها تقاتل الإرهاب كي تفتح الطريق إلى لملمة وطن تبعثر، لكنه يظل أقل مما تم تصوره. الشعبان السوري والعراقي يضيئان الشموع كلما تفقدهما الألم، صابران على الأذية وهما يعلمان ان مدرسة العروبة قد خرجت ما قبل الجيل الحالي فهي بالتالي قادرة على إرواء ظمئه اذا ما اشتد عليه عطش الانطواء على الذات.
لا أقبل فكرة تقسيم العراق بكل صورها المباحة إذا ما ظن المجتمعون في واشنطن انهم قادرون على اللعبة .. عندما فرط جيش العراق ولم تعد لديه مؤسسات امنية وشرطة وكل اشكال الحفاظ على الوطن، ظل واقفا على رجليه، وليس السبب ان المحتل الاميركي امسك بمفتاح التفتت فمنعه.
اما سوريا فلا نفكر أصلا في قسمتها .. ستظل الأجزاء تنده على بعضها، وكلما جاء الرد مصحوبا بالصدى، عرف الواقع على حقيقته. في سوريا قداسة اسمها الوطن الواحد، في معنى الشعب الواحد والجيش الواحد الذي يلتف كله حول الرئيس الوحيد الذي لا قبله ولا بعده.
لست بعيدا عن العراق، عندما فكر احد ملوك العباسيين بحماية بغداد أرسل جندا إلى لبنان .. كان تفكيره الاستراتيجي هكذا، في حين تصبح العاصمة العراقية اليوم في قلب اللهب، فينبغي الانتباه إلى معنى الحرب المخاضة وليس الحساب بالكيلومترات. وعندما فكر صلاح الدين الأيوبي بحماية مصره العزيزة جاء إلى الشام وحرص على وحدة المكانين اللذين توحدا يوما، ثم انفصلا لكنهما ظلا وحدة مكتوبة في اشتهاء التاريخ، وعندما حاربا كانا سويا، وفي الوقت الذي كان فيه شهداء مصر يسقطون على ارض سيناء، كان الجندي السوري يسقط هو الآخر على ثرى الجولان.
لا نحتار، هو الخيار الذي نؤمل ان نعيشه ولو انه كامن في المصاعب التي تتكرر، أو تكرر نفسها كل كذا عام لتعطينا الإحساس بأن المرض أحيانا ضرورة كي يشعر المريض بأنه على قيد الحياة كما يقول المثل الفرنسي. اجل وضعنا العربي مريض من باب هذا الإحساس، لكنه مرشح دائما لأن ينتصر على مرضه، عافيته تعود ليعود بعدها الرهان على ان الأمة لا تخسر أجزاءها بل لها راحة في تاريخ هو لحظة عابرة، وستعبر ليظل الأصل، ليعود كما كان، لننبهر من جديد بتلك الأوطان التي ستظل تشكل أمة مهما كره المنافقون.