كيري فاقد للشرعية
موقع إنباء الإخباري ـ
مروان سوداح*:
لم يكن تصريح جون كيري يوم الخميس الماضي، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره السعودي سعود الفيصل، الذي قال فيه أن الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد “فقد كل شرعية له في سوريا”، تصريحاً مُفَاجِأً أو هو الأول من نوعه خلال حرب التدخل الأجنبي في الشأن السوري الداخلي، وبقي مذ لحظة إطلاقه بدون بريق.
المتابع للتصريحات الرسمية الامريكية المتلاحقة حول سوريا، وحول غيرها من الدول الوطنية وزعمائها المقاومين، يُلاحظ أن الولايات المتحدة الامريكية تسعى بكل ما أُوتيها من جنون العَظمَةِ المفقودة، الى الحلول محل الامم المتحدة في إدارة شؤون العالم، ومحاولة ممارستها السيطرة على دفّة تطورات السياسة الدولية، ورغبة بمزيد من إلحاق الدول بنهجها ورؤيتها، التي باتت ـ حتى بنظر عدد غير قليل من المُنظّرين الامريكيين والغربيين ـ “ماضوية بامتياز”، هَرِمة، وغير قابلة للانبعاث والتطبيق.
كيري أطلق تصريحاته بهدف طمأنة حلفائه في السعودية وفي غيرها من الدول، إلى أن واشنطن ما تزال معادية للرئيس السوري بشار الأسد، وساعية إلى قلب النظام في سوريا، وهو بالطبع ما يُسعد أولئك الحلفاء والأصدقاء، ويدخلهم من جديد في دائرة الطمأنينة للسياسة الأمريكية واستراتيجياتها في الشرق الأوسط، وبأن واشنطن لم تتغير ولم تَحنث لأحد منهم بعهودها.
صحيح أن الولايات المتحدة تَحلم ليل نهار بالإطاحة بالدولة السورية ومؤسساتها، ويُخيل إليها أن الإطاحة غدت قريبة، وتعتقد خلال هلوساتها أن سيناريوهاتها السورية قَرُبت، وستكون مشابهة لسُبل الأطاحة السابقة بعددٍ من الدول العربية ومؤسساتها، وتحويل سوريا والعراق إلى كانتونات وشرائط أمنية لربيبتها الإسرائيلية للصهيونية العالمية، تعيش ولا تحيا، بأسماء دولٍ وجمهورياتٍ، تنصّبُ عليها قادة وزعماء لا حول ولا قوة لديهم لاتخاذهم بأنفسهم مجرد قرار إداري، فما بالكم بقرار سياسي وإستراتيجي.
كيري لم يُطلق تصريحه جزافاً، فهو الوزير والدبلوماسي الذي يَعني ما يقول وما يريد وما يَحلم به سوياً مع رئيسه اوباما، ويَستند فيه إلى ما دأب الإعلام الامريكي والغربي والارهابي مؤخراً على ترديده طبعاً بأوامر مباشرة من الشريحة السياسية الأولى الأمريكية والغربية، وجُلّها إدعاءات على شاكلة “انتهاء حكم الاسد”، وبأن ما يُسمّونه بـ “المعارضة السورية”، “باتت على أبوب دمشق و.. مَعقل الاسد”. تصريح كيري يَهدف فيما يَهدف، إلى رفع معنويات الإرهابيين الدوليين وهي مُنهَارة ومُحَطَّمَة (بفتح وتشديد الحاء). فالارهابيون الأجانب هم الأكثرية الساحقة المقاتلة على الأرض السورية قياساً إلى حَملة الجنسية السورية المناهضين لدولتهم السورية، سيّما وأن هبوط المعنويات يتعمّق بتسارع جرّاء الانتصارات المتلاحقة التي يُسجّلها الجيش العربي السوري البطل عليهم بتكتيكاته المستحدثة والغير المتوقعة، التي تعمل على إدخالهم إلى عرين الاسد لتفتيتهم فتشتيت قِواهم، والقضاء عليهم تدرُّجيّاً جُزءاً جُزءاً والالتحام حتى بالسلاح الأبيض، وهي تكتيكات عسكرية سورية متقدمة وناجحة درجت القيادة السورية على توظيفها المُبدع في سوح المعارك، وتُسقط من خلالها أعداداً كبيرة من الارهابيين بين قتيل وجريح ومُعتقل..، وأقول هنا مُعتقل وليس أسيراً إرهابياً، لكون القوانين الدولية والانسانية لا تنطبق على الارهابيين في الحرب الدائرة على الأرض السورية، لكونهم مجموعات فاقدة للشرعية، لصوصية، جنائية وذات تبعية خارجية مباشرة، لذا فأُولئك ليسوا أسرى.
وفي مَعنى آخر لتصريحات كيري، أن الولايات المتحدة صارت منذ تيقّنها بصمود الدولة السورية ومؤسساتها استناداً الى حلفائها الدوليين، ومنهم إيران والصين وروسيا ودول بريكس، تضيق ذرعاً و”تتفلت” من القوانين الدولية والانسانية والدينية، وتعمل على إضعاف تلك القوانين وتجميدها في سوريا وفي مناطق النزاعات والمواجهات في بقاع العالم المختلفة.
أضف الى ذلك، أن واشنطن وحليفاتها الغربيات، يعملون اليوم بنشاط وتصميم على ملف استراتيجي آخر، هو بذل كامل الجهد لتحويل الامم المتحدة إلى مكان تنطلق منه الدعاية السياسية الامريكية والغربية إلى أرجاء العالم، وبوق لهم لترديد الأكاذيب مِن على منصّته، وليتم في إطاره كما يَحلمون، محاصرة السياسات الروسية والصينية المناهضة لأحلامهم التوسعية، رغبة بجعل المنظمة الدولية واحة لهم وحدهم فقط، يقطفون من خلالها ما يشاؤون من ثمار الدول المختلفة وخنق الحياة فيها، وتحصيل موافقات على إرسال قنابل وصواريخ وطائرات الموت لشعوبها بموجب قرارات أممية، كما كانت الأمور في ليبيا، واليوم في اليمن، وفي غيرهما من البلدان.
يَقيناً، أن تصريحات كيري حول “شرعية” هذا أو ذاك من الأنظمة السياسية في العالم، وعدم شرعية هذا الرئيس أو ذاك، والتي دأب على توزيعها هو ومَن سبقه من الوزراء، يُمنةً ويُسرى، وخلال الحروب الامريكية الكثيرة المُباشرة والمُستترة، ومنذ حرب فيتنام وللآن وفي سوريا والعراق، دلالة على أن واشنطن التي كانت إلى عهد قريب العاصمة التي تؤدي إليها طرق عديدة في العالم، صار بريقها يخبو، وتتحول الطرق عنها إلى موسكو وبكين. وما تلك التصريحات “الكيرية” سوى تأكيد على الطبيعية الواحدية غير الشرعية للنظام السياسي والإيديولوجي الأمريكي، التي لا تحتمل وجود كل ألوان قوس قزح في سماء الكون الفسيح، ورغبتها بفرض لون واحد فقط على كل العالم، وهو حُلم صار من مخلفات الماضي، وما النطق به أمريكياً من جديد سوى دلالة واضحة على جرح غائر ونازف تخلّفه الحرب الامريكية والغربية المَشنونة على سوريا على الجسد الامريكي الهَرم نفسه، وعلى أجساد غيره مِن حلفاء كيري الغربيين والعالميين.
* صحفي وكاتب ومحلل سياسي اردني