كميل شمعون: من معارضة قيام الكيان المؤقت إلى التطبيع!
موقع الخنادق:
كميل نمر شمعون، ثاني رئيس للجمهورية اللبنانية بعد الاستقلال، انتخب سنة 1952 وحتى عام 1958. عرف عنه علاقاته التطبيعية مع الكيان المؤقت. فقد اتخذ من الظروف السياسية الصعبة والأزمات التي لحقت بلبنان في آخر سنة من ولايته حجّة لتبديل مواقفه حيث كان شمعون معارضًا لإنشاء “دولة إسرائيل” لما لها من تداعيات على حقوق العرب في فلسطين والوحدة العربية بناءً على مجموعة شواهد، وطالب بـ “إيقاف كل هجرة يهودية يمكن أن تؤثر في صبغة البلاد القومية وآمالها”.
عبّر شمعون عن هذه المواقف في خطابه بمؤتمر لندن 1946–1947 الذي دعت إليه حكومة كليمنت أتلي البريطانية في بين أيلول/ سبتمبر 1946 وشباط/ فبراير 1947 لحلّ الحكم المستقبلي لفلسطين والتفاوض على إنهاء الانتداب.
وفي الآتي نص الخطاب:
صاحب السمو، أصحاب المعالي والسعادة، سادتي:
إنّ بياني سيتضمن دراسة الوفد اللبنانيّ لمشروع المستر هربرت موريسون وكذلك بحثًا لتاريخ المسألة الفلسطينية والوثائق المتعلقة بها.
إنّ الوفد اللبنانيّ قد درس بدقةٍ مشروع الحكومة البريطانية لإنشاء نظامٍ اتحاديٍّ في فلسطين، وهو يشعر بضرورة معارضة هذا المشروع، الذي يناقض في رأيه، حقوق سكان فلسطين العرب في بلادهم مناقضةً صريحةً.
إذ يهمّ الوفد اللبنانيّ في المفاوضات الحالية نقطتين رئيسيتين:
_ الأولى المحافظة على حقوق العرب في فلسطين وجلّ ما يصبو إليه هو تحقيق استقلالهم وتقدم حياتهم القومية والتي تشكّل حقوقًا مشروعةً.
_ الثانية، المحافظة على الصداقة التقليدية التي تربط الأمم العربيّة والشعب البريطانيّ والزيادة في تدعيم هذه الصداقة.
وبالنسبة لهذه النقطة الأخيرة، يرى أن موقف اللبنانيين سيكون تنكّرًا لهذه الصداقة إذا لم يؤكدوا أن السياسة التي اتبعتها الحكومات البريطانية المتعاقبة في فلسطين قد أثارت – للأسف – بين الشعوب العربية، شعورًا من المرارة العميقة، لم تستطع هذه المقترحات الأخيرة أن تزيلها.
وإنّ الوفد اللبناني ليشعر بأن عليه أن يؤكد الحقائق الآتية:
_ إنّ مطالب سكان فلسطين العرب يبررها تراثهم التقليدي والأخلاقي وحقوقهم الثابتة كسكان البلاد الأصليين منذ بداية التاريخ.
إنّ ما حدث عندما سكن اليهود جزءًا من هذه الأرض سنين متقطعة لقرون قليلة لا يبرر بأي شكل من الأشكال ادعاءاتهم الحالية، ولا بما يقومون به من هجرات ضخمة إلى هذه البلاد.
وبالرغم من أنّ فلسطين كانت مهد الدين اليهودي، فإنّ هذا لا يعطي اليهودية العالمية أي حقوق سياسية. وكذلك لا يمكن القول إنّها تجعل للمسيحيين والمسلمين حقوقاً سياسية خاصة، رغم أن الروابط الدينية التي تربطها بهذا البلد لا تقل دعامةً وقوةً عن تلك التي لليهود.
لقد كانت فلسطين ويجب أنّ تظل، وحدة قومية مستقلة عن كل الاعتبارات الدينية. إنّ مستقبل تكوينها وعلاقتها مع بريطانيا العظمى والولايات المتحدة، يضمن لها الحرية الدينية المطلقة، بما في ذلك حرية التعبد في الأماكن المقدسة والمحافظة على سلامتها.
_ إنّ الوفد اللبنانيّ لا يوافق بأيّ شكلٍ على التفسيرات التي تقول إنّ فلسطين لم يتم ضمانها في المراسلات المتبادلة في 1915 و1916 بين السير هنري ماكماهون وشريف مكة. بل هم يرون على النقيض من ذلك أنّ هذه المراسلات؛ تتضمن بالضرورة أن جنوب سوريا وبألفاظ أخرى فلسطين داخلة في نطاق البلاد العربية التي وعدت بالاستقلال. وخاصةً العبارات التي تشير إلى الأراضي التي تقع على الغرب من دمشق (خطاب 24 أكتوبر سنة 1915) بإخراجها هذه الأراضي نفسها من التقسيمات المستقلة.
_ إنّ الوفد يرى نفسه مرغماً على التذكير بالوثائق والتصريحات التي لا عداد لها، والتي قطعت فيها الحكومة البريطانية على نفسها المواثيق والعهود، وعلى ألّا تتخذ قرارات خاصة بمستقبل فلسطين دون رضا سكان هذه البلاد وبشكل يتفق مع مصالحهم الاقتصادية والسياسية.
فيقول تصريح 7 يونيو حزيران سنة 1918
“إن حكومة صاحب الجلالة ترغب وتود أن ترى الحكومات المستقبلة لهذه المناطق قائمة على مبدأ رضا المحكومين، وتعلن أن هذه السياسة نالت وتنال تأييد حكومة صاحب الجلالة”.
في حديث بين الجنرال السير ادموند اللنبي والأمير فيصل في أكتوبر 1918 جاء:
“ولقد ذكرت للأمير فيصل أن الحلفاء ارتبطوا بوعود الشرف، بأن يسعوا ليصلوا إلى تسوية تتفق مع رغبات الشعوب التي يعنيها الأمر، وسألته بإلحاح أن يضع كل ثقته في نياتهم الطيبة”.
التصريح الانجليزي الفرنسي في نوفمبر 1918:
“إن الغاية التي تسعى إليها فرنسا وبريطانيا العظمى في مقاومتهم في الشرق الأدنى للحرب التي أشعلت نيرانها المطامع الألمانية، هي تحرير الشعوب التي حكمها الأتراك على المدى الطويل، تحريرا شاملاً كاملاً. وإقامة حكومات قومية تستمد سلطتها من سكانها الأصليين وحريتهم في الاختيار والسبق في العمل”.
لقد أمعنت اللجنة البريطانية العربية التي أقيمت أثناء مؤتمر فلسطين في – 1939 النظر في الوثائق. وجاء في تقرير اللجنة:
“في رأي اللجنة إنه من الواضح من هذه التصريحات أن حكومة صاحب الجلالة لم يكن لها حرية التصرف بفلسطين دون الأخذ بعين الاعتبار رغبات سكان فلسطين ومصالحهم. وأنه يجب أن يعمل حساب كل هذه التصريحات في أية محاولة لتقدير المسؤوليات التي حملتها حكومة صاحب الجلالة نفسها – وذلك عند تفسير هذه المراسلات أمام سكان هذه البلاد كنتيجة لهذه المراسلات”.
_ إن الانتداب المفروض على فلسطين يقر حق سكان هذه البلاد في الاستقلال ويؤكد أن الهجرة اليهودية وإقامة وطن قومي يهودي لن يؤثر بشكل ما على حقوق عناصر السكان الأخرى أو مركزهم.
المادة 22 من ميثاق جامعة الأمم تقول:
“إن بعض الطوائف التي كانت تنتسب سابقا للإمبراطورية العثمانية قد بلغت درجة من التقدم تجعل قيامها كأمم مستقلة مما يجوز الاعتراف به اعترافاً مقيدا بشرط، هو أن توجه السلطة المنتدبة إدارتها بالمساعدة والنصيحة حتى يحين الوقت الذي تستطيع فيه أن تتولى حكم نفسها بنفسها”.
المادة 6 من الانتداب الخاصة بنمو الوطن القومي اليهودي تفصح عن احترام مماثل لحقوق السكان العرب فتقول:
“وبينما يعمل على تسهيل الهجرة اليهودية واستقرار اليهود يجب ضمان عناصر السكان الأخرى ومركزهم وعدم إحداث ما يؤثر فيها”.
وإن الوفد اللبناني ليدرك تمام الإدراك أنه ليس ثمة ما يمكن عمله الآن لإقامة نظام الحكم القومي في فلسطين، أو البلوغ بهذا الاستقلال المستوى الذي بلغته البلاد العربية الأخرى التي تربطها بها روابط الدم والتقاليد الثقافية واللغوية المشتركة، والوفد يعلم أن ما حدث من أن فلسطين لم تحقق حريتها لا يرجع على أي تأخر يتصف به سكانها، أو نقص في مستواهم العقلي أو الاجتماعي إذا ما قورنوا بالبلاد المستقلة الأخرى. بل لهذا السيل المنظم الذي لا ينقطع من المهاجرين الذين صمموا على إحالة فلسطين دولة يهودية ويهددون بوجودهم بعدد ضخم دائم التزايد آمال فلسطين ووحدتها القومية.
والوفد يلاحظ بأسف مماثل أن الحكومة البريطانية لم تنفذ من كتابها الأبيض الذي نشرته في مايو سنة 1939 وحددت به سياستها في فلسطين إلا هذا الجانب الذي يساعد الهجرة اليهودية. وأهملت الالتزامات التي أخذتها على نفسها للسكان العرب. والاقتراحات الحالية من الناحية الأخرى التي تقسم فلسطين تقسيماً مبتسرًا إلى مناطق أربع والتي تسمح بدخول أعداداً كبيرة من اليهود. وجواز استمرار الهجرة في المستقبل هي بمثابة إنكار لكل هذه الالتزامات، ونقض للانتداب الذي تقوم الحكومة البريطانية بمزاولة سلطتها في ظله.
_ من الواضح من مقترحات الحكومة البريطانية وكذلك من توصيات لجنة التحقيق الانجليزية الأمريكية، أن الحجة التي استخدمت لاستمرار الهجرة اليهودية هي مقدرة فلسطين على الاستيعاب الاقتصادي.
ونحن لا نرى في هذا وجهة نظر غاية في الضيق فقط بالنسبة للمسألة الفلسطينية. وإنما عجز فاضح عن تفهم حقوق السكان العرب وآمالهم من الناحيتين الوطنية والاقتصادية على السواء. فإن عرب فلسطين ينظرون للمحافظة على حقوق بلادهم، وتحقيق حريتهم، وإقرار حياة قومية مشيدة الأركان كهدفهم الأسمى وهم في هذا مثل دول أوروبا التي ضحت بشبابها وثروتها ومنابع ثروتها الاقتصادية للمحافظة على استقلالها.
إن الحديث عن مقدرة فلسطين الاستيعابية في رأينا محض وهم، يستخدمه الصهيونيون لتبرير الهجرة على نطاق واسع فيحققون بهذا غرضهم الحقيقي وهو ليس اقتصادياً بل سياسياً أي تحويل فلسطين إلى دولة يهودية.
وليس علينا إلا الإشارة إلى الوثائق التي لا عداد لها والتصريحات التي سبق أن أوردناها حتى تدركوا أن العامل القومي هو العامل الأساسي الذي يجب أن نأخذه بعين الاعتبار حين نسعى لحل مشكلة فلسطين حلاً عادلاً.
إن كل الاتفاقيات التي وقعت قبل إعلان الانتداب تعلن أن العامل الموجه لسياسة الحكومة البريطانية يقوم على رضا سكان فلسطين واحترام حقوقهم المدنية والسياسية. والنظام الانتدابي نفسه في مادته السادسة يحبذ قيام وطن يهودي قومي بشرط ألا يتعارض هذا مع حقوق السكان المحليين ومركزهم.
ويتناول الكتاب الأبيض الذي نشر في سنة ،1939 والذي يرسم السياسة البريطانية في فلسطين هذه المسألة بالعبارات الآتية:
“إذا أثرت الهجرة في مركز البلاد الاقتصادي تأثيرا مضادًا حينذاك يجب فرض القيود عليها فرضاً واضحًا. وكذلك إذا أفسدت موقف البلاد السياسي بشكل خطير حينذاك تصبح عاملاً لا يمكن تجاهله. ورغم أنه ليس من العسير القول بأن عدد المهاجرين اليهود الكبير الذين سمح لهم بالدخول حتى الآن قد تم استيعابه اقتصاديًا، فإن مخاوف العرب من أن هذه الهجرة ستستمر دون توقف، حتى يبلغ السكان اليهود مركزاً يسيطرون به عليهم، قد ينتج آثارا خطيرة للغاية لليهود والعرب على السواء، وهي خطيرة كذلك بالنسبة لسلم فلسطين ورفاهيتها.
فإذا سمح في هذه الظروف باتصال الهجرة حتى تبلغ مقدرة البلاد على الاستيعاب الاقتصادي نهايتها بدون النظر إلى كل الاعتبارات الأخرى، فإن عداءً خطيرًا سيشتعل أواره بين الشعبين. وقد يبلغ الموقف في فلسطين مبلغاً يصبح به مصدرًا دائماً للانقسام بين شعوب الشرقين الأوسط والأدنى، وإن حكومة صاحب الجلالة لا يمكن أن تقبل الرأي القائل بأن التزاماتها التي يفرضها النظام الانتدابي، أو اعتبارات المنطق السليم والعدالة، تتطلب منها أن تغفل هذه الظروف في رسم سياسة الهجرة”.
إن في رأي اللجنة الملكية أن ارتباط سياسة تصريح بلفور بالنظام الانتدابي، يتضمن الاعتقاد أن عداء العرب لسياسة التصريح سيمكن التغلب عليها عاجلاً أو آجلا. ولقد كانت الحكومات البريطانية المتعاقبة منذ إصدار تصريح بلفور ترجو أن السكان العرب بعد أن يتبينوا الفوائد التي سيجنونها من استقرار اليهود في فلسطين، سيروضون أنفسهم على اضطراد نمو هذا الوطن اليهودي. والاحتمالات التي أمام حكومة صاحب الجلالة هي:
_ السعي في توسيع الوطن القومي اليهودي توسيعاً لا رابط له ضد إرادة شعوب البلاد العربية التي أفصح عنها بالقوة.
_ السماح باضطراد التوسع في الوطن القومي اليهودي في حالة ما، إذا قبل العرب أن يندمجوا فيه.
ومعنى السياسة الأولى للحكم بالقوة. التي تبدو لحكومة صاحب الجلالة، بغض النظر عن الاعتبارات الأخرى، مناقضة لروح المادة 22 لميثاق عصبة الأمم، ولالتزاماتها المعينة نحو العرب في الانتداب الفلسطيني، ثم أن العلاقات بين العرب واليهود في فلسطين يجب أن تقوم إن آجلاً أو عاجلاً على التسامح المتبادل وحسن النية.
إن سلم الوطن القومي اليهودي وأمنه وتقدمه يتطلب هذا، ولهذا صممت حكومة صاحب الجلالة – بعد إعمالها الرأي وأخذها بعين الاعتبار المدى الذي سهل به نمو الوطن القومي اليهودي في العشرين سنة الماضية – على أن الوقت قد حان لاتخاذ مبدأ السياسة الثانية التي أشرنا إليها قبلاً، وقد قررت الحكومة البريطانية استجابة لمنطق حججها، أن لا تسمح بأية هجرة جديدة دون إذن سابق من السكان العرب.
ويرى الوفد اللبناني أن ليس ثمة عامل جديد يحبذ قيام المشروع الاتحادي أو فرض هجرة يهودية جديدة. وإن الاضطهاد الذي تعرض له اليهود في أوروبا لا يخلق مشكلة فلسطينية ولكن مشكلة إنسانية يجب أن تتعاون جميع الأمم المشتركة على حلها.
إن سياسة الهجرة التي انتُهجت في الخمسة والعشرين عاماً الماضية قد غيرت تغييراً كبيراً توزيع العنصرين العربي واليهودي في فلسطين وجعلت مركز السكان العرب في البلاد مركزاً شاذاً. فبعد أن كان اليهود في عام 1919 لا يتجاوزون 60.000 بلغوا الآن .600.000 وإن الموافقة على الاقتراحات البريطانية ستؤدي حتماً إلى إنقاص نسبة العرب إنقاصًا جديداً حتى يبلغ الصهيونيون أغلبية يستطيعون بها أن يسيطروا على فلسطين.
والصهيونيون في الواقع لا يسرون هذا الأمر فإن دعايتهم وأعمال الإرهاب التي يقومون بها بشكل منتظم، قد أفصحت عن سياستهم وأغراضهم. ثم إننا أدركنا أن المشروع الذي يضعه زعماء الصهيونية، يحتّم لتنفيذه السيطرة المطلقة على كل وادي الأردن، ومنابع نهر الأردن، وهذه المنابع توجد في أراضي سوريا ولبنان. ولذلك نجد أن في المشروعات الصهيونية تهديداً قوياً للبلاد المجاورة.
والوفد اللبناني على غير استعداد لأن يقبل الرأي القائل بأن الحكومة البريطانية ستستخدم في وقت ما كأداة لتنفيذ هذه المشروعات التي ترمي إلى السيطرة والقضاء على حقوق العرب.
إن مسألة مقدرة البلاد الاقتصادية على الاستيعاب، حتى ولو أمكن وضعها موضع النظر لا يجب أن تستخدم لمصلحة اليهود وحدهم فيجب أولاً أن تستخدم لاضطراد تقدم سكان فلسطين العرب، ويتضح من الإحصاءات الرسمية لحكومة فلسطين أن هؤلاء السكان العرب يزدادون بنسبة 2/1 2 في المائة في العالم.
_ إن المشروع الاتحادي الذي تقترحه الحكومة البريطانية لم يعرض في تفاصيله الفنية على الحكومات الممثلة في المؤتمر بعد. وإني أذكر أني سألت إذا كانت قد وضعت أي خرائط بعد تصور هذا المشروع ولكن لم يعط بعد شيء منها للوفود. على أنه يتبين من النصوص التي رسلت للوفود النقاط التالية:
1. إن المشروع يعمل على تقسيم فلسطين إلى وحدات إدارية في مناطق أربع هي المنطقة العربية، والمنطقة اليهودية، والنقب وهي عبارة عن أرض حرام، ومنطقة القدس وهي مركز الحكومة الفلسطينية المركزية.
2. ستتولى الحكومة المركزية مسؤولية الهجرة التي تجري بعد إتمام هذا التقسيم ولكن المنطقة اليهودية تستطيع أن توصي بقبول أي عدد من المهاجرين يمكن هذه المنطقة أن تتقبلهم.
3. تحكم كلا من المنطقتين العربية واليهودية إدارة مسؤولة عن تيسير الشؤون المحلية.
4. حالما تتم موافقة الجهات صاحبة الشأن على هذا المشروع سيرخص بهجرة 100000 يهودي إلى فلسطين.
والوفد اللبناني لا يمكن أن يساهم في هذا المشروع الذي لا يصلح غلا في بلاد بكر لم يسكنها أحد بعد وليس في بلاد أقام فيها العرب طوال التاريخ ولهم فيها حقوق لا يمكن إغفالها أو التغاضي عنها.
وبينما النظام الانتدابي والتشريعات الأخرى التي سبقت هذا النظام وجاءت بعده تعترف بحق العرب في فلسطين اعترافاً شاملاً فإن المشروع القائم للحكومة البريطانية يقصر حقوق العرب على المنطقة “العربية” وهذا المشروع في إخضاعه المنطقة العربية للحكومة المركزية يجعل الآمال القومية مسائل وهمية تماماً.
هذا بينما “النقب” وهي أراض لم يمش فيها غير العرب منذ آماد بعيدة قد انتزعت من المنطقة المخصصة للعرب.
وتضم المنطقة اليهودية أكثر الأراضي خصوبة وتشمل هذا الجزء الأعظم من مزارع الموالح العربية، وكذلك الموانئ البحرية الرئيسية. وهي تحتوي كذلك – بجانب مساحات الأرض الشاسعة التي يملكها العرب الآن فعلاً – على أقلية عربية لا تقل عدداً عن سكان هذه المنطقة من اليهود وستتعرض هذه الأقلية المهمة والأرض التي تمتلكها للضغط وانتزاع الأراضي من جانب المؤسسات اليهودية والإدارة.
ويكفينا لكي نتصور المعاملة التي سيلقاها العرب، أن نشير إلى نصوص الاكتتاب القومي اليهودي التي تشترط عدم رجوع الأراضي اليهودية إلى غير اليهود، وإلى عدم استخدام غير اليهود في هذه الأراضي بحال من الأحوال.
وحسبنا أن نلقي نظرة على الخرائط التي رسمتها لجنة التحقيق الانجليزية الأمريكية، لندرك أن تنفيذ خطة من هذا النوع كافية لأن تقضي القضاء المبرم على آمال العرب القومية عامة، بل إنها تتعارض تعارضاً شاملاً مع مصالح العرب وحقوقهم.
ولا نستطيع كذلك أن نساهم بالموافقة على دخول مائة ألف مهاجر يهودي جديد ولا جواز هجرات تالية أخرى. إننا ندرك تمام الادراك أن الصهيونيين سيستغلون بمساعدة الهيئات التي تناصرهم في كل العالم التعاسة التي يعانيها إخوانهم في الدين في البلاد الأوروبية، فيملأون منطقتهم بأعداد هائلة من المهاجرين حتى يستطيعوا أن يدعوا بعد هذا أنهم أغلبية، فيفرضون بهذا وجهة نظرهم على الحكومة المركزية ويبسطون سيطرتهم على كل فلسطين.
ولقد ذكر المستر بيفن في التصريحات التي أدلى بها في جلسة أمس العبارة الآتية:
“إني لا أرى من الخير اقتراح أية تسوية لا يرضى عنها اليهود فإن هذا كفيل بأن يقضي عليها”.
فإذا كان هذا الحال فليس من الممكن وضع حل للمسألة الفلسطينية قبل أن يحظى برضا الأقلية اليهودية وبهذا يتوقف مستقبل هذه البلاد ووحدتها على رغبات هذه الأقلية.
وفي هذا تعارض صريح مع المبادئ التي قبلها العالم والتي أعلنتها الحكومة البريطانية نفسها على رؤوس الأشهاد، قبل المشاورات الخاصة بإقامة دستور الهند، وقالت فيها إنه لا يمكن فرض رغبات الأقلية الهندية على رغبات الأكثرية.
ونحن نستطيع إذا أن نتساءل فيما إذا كان ما يعتبر عادلاً وحقاً بالنسبة للهند ينطبق على فلسطين؟
إن الوفد اللبناني ليرغب رغبة جدية في إيجاد حل للمشكلة الفلسطينية، وهو كثير الأمل في أن يحقق هذا الحل بالاتفاق التام بين الوفود والحكومة البريطانية، والوفد لا يقبل بشكل من الأشكال أي حل لا يتفق مع المبادئ التي دأبت الجامعة العربية على إعلانها وهي:
_ الإبقاء على صبغة البلاد العربية القومية ووحدة أراضيها.
_ استقلال هذه البلاد ودخولها في الجامعة العربية.
_ إيقاف كل هجرة يهودية يمكن أن تؤثر في صبغة البلاد القومية وآمالها.