قمة “منظمة شنغهاي” دعم لدور روسيا
صحيفة الخليج الإماراتية ـ
محمد السعيد ادريس:
في الوقت الذي كان فيه وزيرا خارجية روسيا سيرغي لافروف ونظيره الأمريكي جون كيري منهمكين في جنيف للانتهاء من إعداد وثيقة “الاتفاق الروسي – الأمريكي” حول التخلص من ترسانة الأسلحة الكيماوية السورية خلال اجتماعات دامت ثلاثة أيام في جنيف كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد وصل إلى العاصمة القرغيزية بشكيك لحضور أعمال قمة دول “منظمة شنغهاي للتعاون”، وهي المنظمة التي باتت تمثل ثقلاً دولياً متزايداً والتي تضم أكبر وأهم ثلاث قوى دولية مؤسسة لما يعرف ب”مجموعة بريكس” وهي روسيا والصين والهند .
فمنظمة شنغهاي تضم روسيا والصين وكازاخستان وقرغيزيا وأوزبكستان وطاجيكستان، وتتمتع كل من الهند وإيران وباكستان وأفغانستان ومنغوليا بالعضوية المراقبة، في حين تضم مجموعة “دول بريكس” روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، ما يعني أن هناك كتلة دولية جديدة تتشكل نواتها من روسيا والصين والهند، مدعومة من إيران والبرازيل وجنوب إفريقيا وباكستان، ومن جمهوريات وسط آسيا: كازاخستان وقريغيزيا وأوزبكستان وطاجيكستان .
قبل أن يذهب بوتين إلى العاصمة القرغيزية كان قد استضاف “قمة دول العشرين” في مدينة سان بطرسبورغ الروسية، وهناك أخذ يصول ويجول مدعوماً من حلفائه في مجموعة “بريكس” أعضاء قمة العشرين: الصين وجنوب إفريقيا والبرازيل إلى جانب اندونيسيا التي انحازت إلى روسيا وحلفائها في دعم الموقف الروسي الرافض لشن حرب أمريكية على سوريا، والإصرار على الحل السياسي، وانتهى الأمر بتوافق روسي – أمريكي حول مقترح روسي للتخلص من ترسانة الأسلحة الكيماوية السورية، وهو ما كان محور اهتمام اجتماع وزير الخارجية الروسي بوزير الخارجية الأمريكي في جنيف .
كانت سوريا حاضرة، وبقوة في الدبلوماسية الروسية في اجتماعات قمة العشرين في سان بطرسبورغ وفي الاجتماعات الثنائية بين وزيري خارجية روسيا والولايات المتحدة بحضور الأخضر الإبراهيمي المبعوث الدولي – العربي الخاص بالأزمة السورية، ولم تغب عن قمة بشكيك لدول منظمة شنغهاي للتعاون، وكان الدور الروسي أساسياً في المناسبات الدولية الثلاث لدرجة أنه يمكن القول إنه إذا كانت روسيا في طريقها إلى استعادة دورها كلاعب دولي أساسي، وأنها تسعى بالفعل إلى تأسيس نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب بدلاً من نظام الأحادية القطبية الذي فرضته الولايات المتحدة، أو حرصت على أن تفرضه منذ انهيار الاتحاد السوفييتي وسقوط نظام القطبية الثنائية، فإن سوريا باتت عنواناً لهذا الدور الروسي العالمي الجديد، وأن هناك تلازماً بين نجاح روسيا في أن تفرض نفسها كقوة عالمية فاعلة ومشاركة بجدارة وقوة في صنع القرار الدولي وبين نجاحها في إيجاد حل سلمي للأزمة السورية وفقاً للثوابت التي تسعى موسكو إلى جعلها ثوابت دولية في إدارة الأزمات .
هذه الثوابت تضم: التمسك بالحلول السياسية للمشكلات، وتأسيس شراكة دولية تعددية واسعة لإدارة النظام الدولي، والتمسك بالشرعية الدولية القائمة على احترام ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، وإعلاء شأن المؤسسات الدولية خاصة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، مع الالتزام بتطبيق القانون في كل الظروف .
جاءت قمة شنغهاي الأخيرة مناسبة لتجدد روسيا هذه الثوابت ولتنطلق منها نحو فرض المنظمة كقوة عالمية مؤثرة محكومة بتلك الثوابت الروسية، وكان حضور الدول المتمتعة بحق “العضو المراقب” وخاصة الهند وإيران، إضافة إلى الأمين العام لما يعرف ب”المجموعة الاقتصادية الأوراسية”، والأمين العام لمنظمة “معاهدة الأمن الجماعي”، والسكرتير التنفيذي لرابطة الدول المستقلة (عن الاتحاد السوفييتي السابق) ونائب الأمين العام للأمم المتحدة ليزيد من تأكيد وجود البعدين الاقتصادي والأمني حقاً كمكونين أساسيين لهذه المنظمة الدولية (منظمة شنغهاي للتعاون) من دون إخلال بالثالث الذي قامت عليه هذه المنظمة في عام 2001 وهو محاربة الإرهاب والتطرف والتحركات الانفصالية، وهذا ما دفع المراقبين إلى الاستنتاج بأن “منظمة شنغهاي” أضحت أكثر نجاحاً كمنتدى يحمل هموماً أمنية مشتركة من دون إخلال بكونه تكتلاً اقتصادياً موحداً .
يبدو أن منظمة شنغهاي للتعاون أدركت هذه الحقيقة مبكراً وتسعى خطوة خطوة للربط بين ما هو اقتصادي بما هو أمني وما هو سياسي، وهذا كله يصب في مصلحة روسيا باعتبارها قوة عسكرية عالمية فائقة وكقوة اقتصادية صاعدة جنباً إلى جنب مع الصين كقوة اقتصادية هائلة وقوة عسكرية لها اعتبارها، كما تأخذ الهند مكاناً مرموقاً متزايداً، لذلك فإنها أعطت أهمية كبرى في قمة بشكيك لضرورات التعاون الاقتصادي وتوسيع رقعته بين كل من الصين وروسيا مع باقي دول المنظمة كسبيل نحو الاستقرار الاجتماعي، جنباً إلى جنب مع توسيع أطر التعاون السياسي وخاصة في القضايا ذات الأولوية لدول المنظمة: محاربة الإرهاب والتطرف والحركات الانفصالية كسبيل نحو الاستقرار السياسي .
وإذا كان الانسحاب الأمريكي المتوقع من أفغانستان مع نهاية عام 2014 المقبل قد حظي بأولوية المباحثات، نظراً لحرص دول المنظمة وخاصة روسيا على إبعاد شبح تسلل تجار المخدرات إلى أراضيها، وتنامي نشاط “المتطرفين الإسلاميين” في منطقة آسيا الوسطى عموماً، وإذا كانت الصين قد أعطت أولوية خاصة لمحاربة الميول الانفصالية، لأنها تعاني في اقليم شينجيانغ (تركستان الشرقية)، فإن الأزمة السورية، وكما طرحت في هذه القمة جمعت كل المخاوف التي تشغل اهتمامات الدول الأعضاء، ما أعطى للرئيس الروسي فلاديمير بوتين فرصة مواتية للحصول على دعم القمة لمشروعه السياسي ومبادرته الخاصة بسوريا، فقد أكدت القمة في بيانها الختامي تبني هذه المبادرة بإعلانها الوقوف إلى جانب السوريين أنفسهم بالتغلب على الأزمة في أقرب وقت في ظل الحفاظ على سيادة الجمهورية السورية، ووقف العنف في البلاد، وإطلاق حوار سياسي واسع بين السلطة والمعارضة من دون شروط مسبقة وعلى أساس “بيان جنيف” . كما أكدت القمة دعمها للجهود من أجل عقد مؤتمر دولي “سيكون من شأنه تهيئة أساس للمصالحة وتطبيع الوضع في سوريا، واتخاذ خطوات تهدف إلى عدم تكريس الأزمة الداخلية في سوريا” وأعربت عن تأييدها للمبادرة الروسية حول وضع الأسلحة الكيماوية السورية تحت الرقابة الدولية والتخلص منها لاحقاً، وانضمام سوريا إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة الكيماوية .
أسباب موضوعية خاصة بمنظمة شنغهاي أملت عليها التركيز على الأزمة السورية، لأنها تحوي المحظورات الثلاث للمنظمة الإرهاب والتطرف والتوجهات الانفصالية، لكن السبب الذاتي (الروسي) دخل ليدعم ذلك الموضوعي في جعل أزمة سوريا أولوية للمنظمة وتأمين ظهر الرئيس الروسي في التحرك بقوة لفرض ثوابته في إدارة الأزمات مع الولايات المتحدة .