“قمة البؤس” في النقب
صحيفة الوفاق الإيرانية-
ايهاب زكي:
في إحدى الإذاعات”الإسرائيلية”، قرأت مذيعة الأخبار خبر القمة في النقب على الشكل التالي “قمة في النقب لمواجهة إيران”، وفي التفاصيل سألت المراسل عن وصول المؤتمرين، ثم سألته: هل تم تقديم طعام شرقي أم غربي للضيوف؟ وبعد إجابته شكرته وانتقلت لأحد ضيوف النشرة للتعليق.
ولا زلت حدّ اللحظة، غير قادرٍ على معرفة علاقة نوع الطعام بمواجهة إيران، ولكن يبدو أنّ الاستنتاج الوحيد، الذي يمكن الركون إليه، هو أنّ تلك المذيعة كانت تدرك سخافة النتائج سلفاً، فآثرت استخدام الدعابة.
لا يمكن أن تكون هذه القمة سوى الإعلان الرسمي لانتقال التبعية العربية من الولايات المتحدة إلى “إسرائيل”، فهذه القمة في أحد أوجهها هي قمة عربية مصغرة، وإذا اعتبرنا أنّ السعودية موجودة في هذه القمة حُكماً، نستطيع اعتبارها قمة عربية مكتملة النصاب.
إذا عدنا بالذاكرة قليلاً، نجد أنّ هذه القمة صُنعت لتكون مرادفاً لقمة شرم الشيخ، وذلك قبل ما يناهز العقدين من الزمن، وكان الاستهداف في القمتين للمقاومة، وكان الكيان المؤقت في قمة شرم الشيخ هو الغائب الحاضر، بعكس قمة النقب، وليس هذا هو الفرق الوحيد بين القمتين، باعتباره فرقا شكليا، إنّما اختلاف المضمون هو الأهم، حيث إنّ قمة شرم الشيخ، عُقدت في عالمٍ أحادّي القطب، بينما قمة النقب تُعقد في عالمِ ما بعد عصر الأحادية.
كما أنّ المؤتمرين في شرم الشيخ كانوا يمتلكون أدوات القوة، ويمتلكون الرغبة والقدرة على استخدامها، كذلك كان المحور المستهدف، أي محور المقاومة، مقارنة باليوم في حالة بناءٍ وتطوير، وكان يُنظر إليه باعتباره لقمة جافة، لكن بالإمكان كسرها وابتلاعها. بينما هؤلاء في النقب، لا يمتلكون القدرة على استخدام القوة، كما لا يمتلكون جرأة استخدامها، في المقابل فإنّ محور المقاومة، يمتلك القوة والقدرة والجرأة، ومهما كانت نتائج قمة البؤس، لن تعدو كونها محاولة أمريكية لاستدراك هزائم ما يُسمى “الربيع العربي”، حيث كان المخطط الأمريكي يستهدف التقسيم والتفتيت للجغرافيا العربية، لتتناسب مع حجم الكيان المؤقت، ثم لتستطيع أمريكا مغادرة المنطقة والالتفات لأخطارٍ استراتيجية، تأتي من الصين وروسيا، وتترك المنطقة بشعوبها بحكوماتها بجغرافيتها الممزقة في اليد “الإسرائيلية”.
ولكن بما أنّ المشروع الأمريكي مُني بهزائم متلاحقة، خصوصاً في سوريا ولبنان، فإنّ ما يحدث هو محاولة للتصرف على أساس أنّ ما لم يحدث قد حدث، وأنّ الربيع قد أثمر وآتى أُكله.
بينما الحقيقة أنّ المؤتمرين، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، يعيشون حالةً من البؤس الشديد، حيث تدرك أنّ الأحادية أصبحت من التاريخ، دون القدرة على امتلاك زمام المبادرة، أمّا الكيان المؤقت، فهو في حالة بؤسٍ متعدد الجبهات، بؤس عن مواجهة غزة، وبؤس أشدّ عن مواجهة المقاومة في لبنان، وأشدّ درجات بؤسه تتجلى في مواجهة إيران، وبؤس قديم متجدد في مواجهة فلسطينيي الداخل المحتل.
وقد جاءت عملية الخضيرة في التوقيت الأنسب، ليصبح البؤس الخفيّ مُعلناً، وليعرف المؤتمرون المأمورون في النقب، أنّ هذا الكيان مؤقت فعلاً، ولا مكان له تحت شمس فلسطين، وأنّ قمة البؤس هذه لن تزيد في عمر هذا الكيان يوماً واحداً، وأنّ كل ما سيجلبونه هو العار لأنفسهم.
إنّ عملية الخضيرة، هي رسالة أمّة بأكملها، مفادها أنّ الكيان المؤقت لن ينعم بالأمن، ولن ينعم بطول بقاء، ولو جاء بقحطان وعدنان ويعرب أحياءً إلى قمته.
ولنا أن نتخيل هذه القمة وقد سقطت سوريا في القبضة الأمريكية، وأنّ محور المقاومة هُزم في سوريا، حينها كان من اليقين أن تكون قمة خطرة، حيث قد نتحدث بعدها العبرية ونفكر بالعبرية ونصلي بالعبرية، وقد نسمي أبناءنا بالعبرية.
ولكن بما أنّ سوريا باقية ومحورها منتصر، وطالما حلفها يتجه ليكون قطباً أو أقطاباً عالمية، فإنّ قمة البؤس ستدخل كتاب غينيس كأكبر القمم بؤساً.