قصّة إعتقال «الشبح» نعيم عباس… والقلق الغربي
صحيفة الجمهورية اللبنانية –
جوني منيّر:
تردّد صدى اعتقال الإرهابي نعيم عباس والاعترافات السريعة التي أدلى بها بقوّة في المحافل الدولية لأسبابٍ عدّة، أبرزها أوّلاً أنّ النظرة إلى القدرات الأمنية اللبنانية بقيت متواضعة على الرغم من حصول إنجازات سابقة، وثانياً أنّ الانقسام السياسي العميق الذي يشطر البلاد لا بدّ من أن ينعكس على فاعلية الأجهزة الأمنية على ما تعتقد هذه الجهات، ما جعل هذا الإنجاز مدوّياً، وثالثاً لافتقار مديرية المخابرات في الجيش اللبناني إلى تقنيات حديثة ضرورية لتعقّب الشبكات الإرهابية المتمرّسة والمحترفة، ورابعاً للقلق الكبير الذي تعيشه العواصم الغربية جرّاء ظهور حالات متطرّفة من أولاد مجتمعها كشفَتها وقائع الحرب الدائرة في سوريا.
الانطباع الأوّلي الذي سادَ الأوساط الغربية غلبَ عليه الاعتقاد بأنّ ما حصل إنّما جاء نتيجة جهود الجهاز الأمني لـ”حزب الله” الذي وضع معلوماته في تصرّف الجيش اللبناني. لكنّ المفاجأة لدى الديبلوماسيين الغربيين جاءت أكبر مع اطّلاعهم على التفاصيل التي أحاطت باعتقال عباس، والتي أظهرت أنّ الجيش اللبناني كان يلاحقه منذ فترة حتى تمكّن من الإيقاع به.
وحسب المعلومات الموثّقة التي اطّلع عليها أكثر من طرف دولي، انسجاماً مع اتفاقات التعاون الامني الموقّعة بين لبنان وهذه الدول، ظهر بوضوح أنّ إسم نعيم عباس ظهر في اكثر من استقصاء أمني يتعلق بالتفجيرات التي كانت قد بدأت تهزّ لبنان.
وحسب وثائق خطّية موثّقة لدى قيادة الجيش، تقاطعت معلومات بعض المخبرين حول نيّة عباس تنفيذ ضربة كبيرة في مرحلة ليست ببعيدة. وقد رصدت الطريق الممتدة من مستديرة عاليه حتى مستديرة الصياد، حيث أشارت معلومات دقيقة الى أنّ عباس سيتسلّم سيارات مفخّخة في هذه المنطقة تمهيداً لتفجير إرهابيّ جديد كانت تدور الشبهات بأنّه سيحصل في العاشر من شباط.
وفيما أبلِغ كبار المسؤولين بالمعلومات الأمنية الخطيرة، إضافةً الى الأطراف السياسية في الضاحية الجنوبية، بعدما أشارت المعلومات الى أنّها ستكون مستهدفة، نُشرت مجموعات أمنية بثياب مدنية على طول الطريق لإحباط العملية واعتقال عبّاس حيّاً “أيّاً” يكن الثمن.
وتقاطعت هذه المعلومات مع معلومات أخرى من داخل مخيّم عين الحلوة أشارت الى تواري عبّاس مع احتمال كبير بأن يكون قد انتقل الى خارج المخيّم لتنفيذ عملياته الجديدة.
لكن في مرحلة لاحقة من يوم الاثنين 10 شباط، وردت معلومات إضافية أشارت الى تأجيل العملية 24 ساعة بسبب صعوبات طرأت مع إدخال تعديل جديد يقضي بالاستعانة بنساء لنقل السيارة المفخخة ضماناً لتأمين تسليم آمن. وهناك من يعتقد بأنّ الحرب الأمنية الدائرة بين الجيش والمجموعات الإرهابية دفعت بهذه المجموعات الى التحوّط أكثر بعد الشعور بحال الاستنفار التي كان يعيشها الجيش.
لكنّ الخطأ الذي ارتكبه “الشبح” نعيم عباس كان توجّهه الى منزل استأجرَه سابقاً تحت اسم مستعار في كورنيش المزرعة، ذلك أنّ هذا المخبأ كان يخضع لمراقبة الجيش السرّية بسبب الشكوك حوله.
وعند العاشرة ليلاً ظهر “الشبح” وهو يدخل البناية، ما يعني أنّه آتٍ للإشراف على العملية الضخمة التي خطَّط لها.
وعلى الفور انتشرت مجموعات أمنية تابعة للجيش بثياب مدنية في محيط البناية، ولأنّ عباس متمرّس وخطير، ولأنّ مدخل البناية مكوّن من بوّابة حديد تغلق ليلاً، بدا لقيادة الجيش أنّه من الأفضل انتظار خروجه للقبض عليه، بدل تفجير البوّابة، ما سيخلق مضاعفات كثيرة وجعل العملية محفوفة بالمخاطر.
وليلاً، استقدمت قوّة عسكرية خاصة من بعض المناطق لمواكبة الاعتقال عند حصوله.
وعند الساعة السادسة صباحاً ظهر نعيم عباس وهو يخرج من البناية حاملاً في يده حقيبة، كانَت تحوي 16 ألف دولار أميركي وبضعة آلاف من عملة اليورو. وعلى الفور أطبقت عليه العناصر الأمنية ونقلته سريعاً إلى وزارة الدفاع، وكان واضحاً أنّ هناك سباقاً مع الوقت من أجل الحصول على المعلومات قبل شيوع الخبر عبر وسائل الإعلام.
وجاءت المفاجأة التي أذهلت المحقّقين. ففيما كان الاستجواب ما يزال في دقائقه الأولى، انهار عبّاس وقال للمحقّقين: “أرجوكم لا تضربوني سأتكلّم عن كلّ شيء”.
وكان السؤال الأوّل عن مكان وجود السيارة المفخّخة استناداً للمعلومات التي كانت متوافرة لدى الجيش. ومن دون عناء أرشدهم عبّاس إلى مكان السيّارة.
وفي السؤال الثاني عن النساء اللواتي سيتولّين نقل سيارة مفخّخة أخرى، قال عبّاس إنّه لا يعرف أين اصبحت. ولكنّه قادر على إرشاد الأجهزة إلى مكانها إذا سُمح له بالاتصال برئيس المجموعة الموجود في يبرود من خلال جهازه الخلوي. وبالفعل، اتّصل عبّاس سائلاً أين أصبحت السيارة، فجاءَه الجواب أنّها اجتازت الحدود، وهي في طريقها إليه. عندها طلب عباس من محدّثه إعطاءَه إشارة عبر “الواتس أب” عندما تجتاز السيارة منطقة عرسال، وهو ما حصل، حيث نفّذت مجموعة من الجيش اللبناني كميناً أدّى إلى ضبط السيارة واعتقال من في داخلها.
وتوالت اعترافات عبّاس حول مخزن المتفجّرات والصواريخ. وبذلك بدت الصورة واضحة: كان من المفترض أن يكون يوم الاعتقال، أي يوم الاربعاء 12 شباط، يوماً دمويّاً مرعباً مع تفجير سيارتين من خلال انتحاريين، إضافةً إلى انتحاريّ ثالث مسلّح بحزام ناسف، وإطلاق صواريخ في اتّجاه الضاحية الجنوبية.
وفي مخزن المتفجّرات، ضُبِطت عشرون هويّة مزوّرة تحمل صوَر عباس، بعضها لبنانيّة وأخرى سوريّة، إضافةً إلى أكثر من 12 خط هاتفيّ خلوي.
وفي التحقيق اعترف عباس أيضاً بأنّه وضع شخصياً السيارة المفخخة في بئر العبد وضبط ساعة التفجير بعد 55 دقيقة من تركه السيارة، وهي المدّة الكافية له لينتقل خارج المنطقة بواسطة سيارة أجرة، ثمّ استقلّ أخرى قبل أن يعود أدراجه إلى مخيّم عين الحلوة.
والواضح أنّ مشوار نعيم عباس مع المحقّقين سيكون طويلاً ومرهقاً.
صحيح أنّ “شريكه” في يبرود كان يؤمّن السيارات المفخخة والانتحاريّين، إلّا أنّ لعباس دراية كاملة بالشبكات الإرهابية وطريقة عملها والبيوت الآمنة التي تستخدمها ومختلف أساليبها التقنية.
وصحيح أيضاً أنّ معاونَين اثنين لعباس تمكّنا من الفرار، لكنّ ذلك لا يبدّد حقيقة أنّ نعيم عباس كان العقل المدبّر والمخطط لهذه الخلايا الارهابية، وبالتالي فهو على دراية بكامل تركيبة هذه الخلايا وخريطة حركتها.
وما من شك في أنّ العواصم الغربية التي باتت قلقة جدّاً من احتمال التعرّض لمصالحها، وربّما مجتمعاتها، بدت مهتمّة جداً بالاطّلاع على تفصيل التحقيقات لجهة احتمال وجود إشارات تتعلق ربّما بأمنها.
إنّه إنجاز كبير للجيش بـ”اللحم الحي”، كما يقال في العامّية، وربّما لهذا السبب بدت العواصم الكبرى مهتمّة للمساعدة في تطوير تقنيات مديرية المخابرات، وتوجيه النصائح الى كلّ الفرقاء السياسيين، لتأمين الحماية السياسية للجيش، بدلاً من استهدافه، وبالتالي تأمين الحماية للجماعات الإرهابية من حيث لا ندري أو ربّما ندري.