قراءة في خطاب أوباما الاخير: أمريكا تحاول وقف انهيار الامبراطورية.. وعوامل تؤهلها لقيادة العالم
موقع إنباء الإخباري ـ
د. لينة بلاغي:
طرح خطاب الرئيس الامريكي الاخير لحالة الاتحاد ، وما حمله من مفاهيم ورسائل الكثير من علامات الاستفهام ، بعضها وصفه بالمتناقض والبعض الآخر قلل من شأنه باعتباره الخطاب الاخير لولاية باراك اوباما ، فيما راي فيه البعض دفعا معنويا للسياسات الامريكية في العالم واخرون اعتبروا ان خطابه موجه للداخل الامريكي .
لا بد من الاتفاق في البداية على ان صاحب الافكار اللامعه ما هو الا استاذه ومستشاره في الظل برجنسكي ، وفي محاولة اثبات ذلك يكفى وضع النقاط الاساسية الاربعة لخطاب حالة الاتحاد في خطاب اوباما ، بالمقارنة مع النقاط الاربعة التي حددها برجنسكي في كتابه الفوضى(ص: 75 ) تحت عنوان ” القوة الكونية الفريدة ” حيث يؤكد على فرادة امريكا اولا – بالوصول العسكري العالمي ، وثانيا بالدور الاقتصادي وثالثا بكون امريكا هي العضلة السياسية للعالم ورابعا الجذب الثقافي والفكري العالمي .
وهو الامر عينه الذي ميز خطاب اوباما حيث اكد في الجانب المتعلق بالقوة العسكرية على مستوى العالم ، ان امريكا تتربع على عرش القدرات العسكرية ، وانه ” لا يوجد دولة تقترب حتى من مناظرة الولايات المتحدة الامريكية ، وان اجتمعت جهود اكبر ثمانية فيها ” ، في مجال الانفاق على القدرات العسكرية وعلى القدرات القتالية للجيش الامريكي في العالم ، بحيث ” لا تجرؤ اي دولة على مهاجمتنا او مهاجمة حلفائنا ، لانهم يعلمون بان ذلك سيكون وبالا عليهم ” ، وخطاب اوباما هنا موجه للجميع بدءا من روسيا التي وضعت حلف الناتو من بين اولوياتها الاستراتيجية باعتباره خطرا على روسيا وليس اخرها الصين التي لمح الى تحولات في اقتصادها ( من المرجح هنا التحول السلبي ) ، وعدم قدرتها على ترجمة انجازاتها الاقتصادية سياسيا وعسكريا ، وصولا الى اوروبا المتعسرة في ولادتها لكيان سياسي وعسكري واكثر من ذلك المتخبطة في اقتصادات مازومة ، وطبعا في هذا الجانب لا يمكن اغفال القواعد العسكرية الامريكية المنتشرة في انحاء العالم .
الدور الاقتصادي العالمي : هذا البعد العسكري يعززه وضع اقتصادي قوى كما يؤكد اوباما ” كل من يتحدث عن انهيار الاقتصاد الامريكي فهو واهم ، امريكا هي اقوى امة ودولة على وجه الارض ” وقد ابرز اوباما هذا الجانب من خلال ابراز القوة الامريكية العسكرية وفي التخطيط لمزيد من الدعم على مستوى المناهج التعليمية ، والاجتماعية ، والتكنولوجية ، التي من شانها اعادة تعزيز صورة امريكا واستمرارها في زعامة العالم في المجال التكنولوجي .
وفي الجانب الثالث المتعلق بكون امريكا عضلة السياسات الدولية او ” الامة والدولة الاقوى على وجه الارض ” يظهر التأثير في الجملة التي اطلقها حول ” ان الشعوب لا تتطلع الى بكين وموسكو لانقاذها بل تتطلع لنا ” وهو اشارة خطيرة على ان السياسات الامريكية الحالية مستعدة للدخول في مواجهة اوسع واشرس مع الجانب الروسي تحديدا والصيني تباعا بعدما اثبتت المتغيرات في اوكرانيا وسوريا عدم قدرة امريكا الحالية على جر روسيا والصين الى الحظيرة الامريكية .
اوباما حذر مما بعد القاعدة وداعش ، من امبراطورية الشر والدول الفاشله ، في اشارة واضحة الى روسيا ، واصفا الوضع بالخطير محذرا من” تجرؤ احد على مهاجمتها او مهاجمة حلفائها ” وهو ما يشير الى قراءة امريكية لامكانية مواجهة على المستوى التركي – الروسي في الشرق الاوسط ،وصولا الى حلفائها في اسيا الوسطى ، معادلة تلعب فيها تركيا ايضا دورا حيويا ، خصوصا اذا ما استدركنا وصفه للموقف الروسي من اوكرانيا وسوريا حيث اعتبر ان ” الشرق الاوسط يمر في عملية تحول ستستمر اجيال قادمة ، وتعود اصولها الى الفية كاملة ، والاقتصاد الصيني في مرحلة تحول ، وحتى روسيا عندما ينكمش اقتصادها فانها تضخ طاقة ( عسكرية ) في اوكرانيا وسوريا ، دول تخرج من سيطرتها ” (والمقصود السيطرة الروسية )، ويؤكد ” ان النظام الدولي الذي بني بعد الحرب العالمية الثانية يعاني ولسنا السبب ، وبامكان امريكا المساعدة في اعادة بناء هذا النظام الدولي ، ضمن اولويات “.وعلى الرغم من دعوة اوباما الكونغرس الى الاعتراف ” بانتهاء الحرب الباردة ” الا ان جل منطلقات سياسته الخارجية والياتها تحمل الكثير من موروثات هذا الفكر .ما هي الاولويات الامريكية لبناء النظام الدولي من وجهة نظر الولايات المتحدة :
1- حماية الشعب الامريكي
2- ومطاردة الارهاب و” استئصال ايديولوجيتهم الشريرة ” في الاشارة الى داعش .
3- عدم الانطلاق في معادلة مواجهة الارهاب كوجه من وجوه محاربة الاسلام ،من المرجح ان نشهد ما يسمى بمواجهات ، ليس على خلفيات دمقرطة المنطقة كنموذج بوش الابن ، وانما على اساس مجتمعات على طريق الديمقراطية ، مقاييس شرعيتها سيتحدد بناء على مكونات ما يعرف بالمجتمع المدني !
واللافت هو المصطلحات التي استخدمها اوباما ” امبراطورية ، الشر ، الشريرة ، الحسد … ” في خطابه حيث يستعيد مفردات من خطاب بوش الابن ابان التمهيد لحربه في المنطقة مطلع القرن الحالي ، مطالبا الكونغرس بالموافقة على السماح باستخدام القوة العسكرية تحت مسمى ” استخدام حكيم للقوة العسكرية” .
4- لا تكرار لتجربة العراق وفيتنام العسكرية ” ان القضاء على داعش لا يعني استقرار العالم ،وانما عدم الاستقرار سيستمر لعقود في المنطقة ، بعض هذه الاماكن سيتحول الى ملاذ امن لهكذا جماعات جديدة ( غير داعش ) ، بعض هذه المناطق سيعاني صراعات عرقية وبعضها مجاعات مما سيضيف امواج من اللاجئين ، والعالم سيتطلع الينا ، والجواب انه علينا ان نقوم بعمل يتخطى الكلام وقصف اماكن تواجدهم ، لكن في الوقت عينه لا يعني ان نحاول الدخول الى كل دولة واعادة بنائها ، مما يؤدي الى استنزاف دماء الامريكيين وثرواتهم ” .
لكن ما هي السياسة الامريكية العتيدة ؟
انها سياسة تجمع ما بين السياسات التي ارستها حكومة بوش الابن ، في ” الذهاب الى الحرب وحيدة اذا اقتضى الامر” للدفاع عن امريكا وحلفائها ، وحتى تلك اللحظة فانها ستعمد الى ” استراتيجية الصبر والانضباط ” او ” استخداما حكيما للقوة العسكرية ” وهذه الاستراتيجية تعني تعبئة دول العالم” التحالفات الدولية ” للعمل معها وضمان مشاركة هذه الدول بثقلها لحل القضايا الدولية ، سياسية او بيئية من مكافحة الارهاب حتى مكافحة الاوبئة ، انه جمع المجتمع الدولي وراء ” القضايا الصائبة ” او بشكل اوضح تحت ” القيادة الامريكية ” ، ايران وملفها النووي واوكرانيا نموذجا . اذا من وجهة نظره القيادة تعني ادارة العالم عبر سياسة توزيع الادوار وعدم التدخل الا في حالات الضرورة التي تمس بالامن القومي الامريكي مباشرة .
بعد الاشارات السريعة للجوانب الثلاث السابقة يبقى الاشارة الى الجانب الرابع الذي ميز خطاب اوباما ، وهو على قدر من الاهمية بالنسبة لامريكا ، اي الجانب الفكري الثقافي ، وفي هذا الاطار سلط اوباما الضوء على امرين ، الامر الاول ، يتعلق بالسياسات الحكومية : كعودة الاعتبار للضمان الاجتماعي والصحي ، وتعزيز ودعم المؤسسات العلمية الاكاديمية ومراكز الابحاث على مختلف مستوياتها بغية الاستمرار في التربع على سلم الابداع التقني .
وكان الاهتمام في هذا الاطار قد انحسر بعد انهيار الاتحاد السوفياتي سابقا ، ولاسيما على مستوى الخدمات الاجتماعية وما شابهها ، في ظل تنامي وحصرية ثروات هائلة في ايدي اشخاص ومؤسسات قليلة ضمن اطر النظام الراسمالي ، مع الانكشاف الاقتصادي لهذا النظام عام 2008 ، والتململ المجتمعي الامريكي ، وهو ما دفع بالرئيس الامريكي الى سياسات تمهد لفرض ضرائب خاصة تطال هؤلاء الاثرياء لصالح المجتمع ، بغية تقوية الوضع الداخلي المرشح للانفجار لاحقا في حال عدم تدخل الدولة على المستوى الداخلي من جهة ،وتلافيا لاضعاف الدور الامريكي كقيادة عالمية على المستوى الدولي لجهة اخرى .
وثانيهما حث المجتمع الامريكي على الحراك والتفاعل مع الحياة السياسية لتحقيق اكبر قدر من التفاعل لابراز مكانتها عالميا من خلال الثقة والدفاع عن الحق الذاتي ، والاخلاقيات ، وهو ما اختصره برجنسكي في كتابه الفوضى : ” يخبرنا التاريخ ان اية قوى عظمى لا يمكنها البقاء مهيمنة الا اذا قدمت رسالة كفاءتها عالميا، من خلال مسالة الثقة بالحق الذاتي . كانت هذه تجربة روما وفرنسا وبريطانيا العظمى ، ولكن هذه الرسالة اذا لم تنهل من دستور اخلاقي داخلي وضعته هذه الدولة ويعرف سلوكا قياسيا كانموذج ، فان مسالة الحق القومي ستتحول الى غرور قومي وتتجرد من فتنتها الاكبر . وسيرفضها الاخرون في النهاية ، كما حصل مع الامبراطورية السوفيتيه ، وهذه العلة التي تجعل الديناميات الداخلية – لا الاقتصادية فحسب بل الثقافية تحديدا – لامريكا المعاصرة مرتبطة على نحو مباشر بقدرة هذه الدولة على التاثير بشكل بناء في ثقل التغيير العالمي” .
اخيرا ، ومن بين العناوين المطروحه ، يلاحظ انه الخطاب ربما اليتيم الاول ، الذي لم يتطرق في حديثه عن الشرق الاوسط الى معضلة الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي ، او امن اسرائيل وما شابه ، الامر الذي يحمل الكثير من المضامين التي توضع برسم دول المنطقة عربيا – واسلاميا !! في ظل تصاعد حدة الخطابات الفتنوية الطائفية فيهما ، فهل انتهت هذه الازمة ! وعلى اي وجه ! وهل فعلا تمكنت ادراة اوباما الضعيفة ! كما يحلو للبعض وصفها ، بادخال اعقد ملفات المنطقة واكثرها ايلاما في ادراج النسيان !؟
تحليل عميق وجميل، وإشارتك إلى عدم ورود لفتة عن ما يسمّى “عملية السلام” في الشرق الأوسط وحل للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي تعبّر عن انحدار متسارع للقضية في مجاهل النسيان، ومن جهة أخرى، قد يفسر الامر أنّه مراعاة أمريكية للكيان الصهيوني وموافقة مطلقة على تهويد القدس وبناء المستوطنات وغير ذلك من سياسات إسرائيلية قد يكون هدم الأقصى أو إحراقه أحد أهدافها تبعاً للتراخي الأمريكي الحاصل ووضع المنطقة وعربانها البائس …