قراءةٌ مغايرة لتفجير دمشق : الإرهاب ورحلة اللفظ والوأد
موقع إنباء الإخباري ـ
حسن شقير:
مجدداً يضرب الإرهاب البيئة الحاضنة للمقاومة، وبالأمس في قلب دمشق. للوهلة الأولى يخال البعض أن هذه التفجيرات تأتي ضمن سياقها “الطبيعي”، والذي دأبت عليه هذه الجماعات، وذلك منذ أن تغلغلت في الجسد الممانع، إن في العراق، أو في سوريا، وصولا ً إلى لبنلن… حيث أن هذه العملية الإرهابية الأخيرة بحق الزوار اللبنانيين، لهي استكمال لمسلسل الغدر الذي يتربص بالمقاومة وأهلها، وذلك عندما يتوفر لهؤلاء الإرهابيين أي منفذ، يتسنى لهم من خلاله الوصول إلى أي من أهدافهم…
ولكن السؤال الذي أطرحه: هل هذه العملية الإرهابية بالأمس هي فعلا ً في نفس السياق للعمليات الإرهابية التي سبقتها؟ أم أن لها طابعاً ومدلولاً آخر ، له بُعدٌ استراتيجي مختلف؟
سنحاول البحث عن الإجابة لهذا السؤال بدايةً من خلال التوقيت الذي وقعت فيه هذه العملية، وذلك بأنها حصلت بعد تطورين استراتيجيين كبيرين، وهما: غارة القنيطرة الصهيونية الغادرة على قادة ومجاهدي المقاومة، والرد المباغت عليها، والذي صُعق به الكيان الصهيوني، إن في كمّه ونوعه أو في زمانه ومكانه أيضاً.. يضاف إلى ذلك بأن هذا الرد وتلك الغارة، أعقبهما كلام للسيد نصرالله، وما تضمنه من قواعد جديدة، أبرز ما فيها أنها لا ترتكز على أية قواعد سابقة…
قد يتساءل البعض: ما علاقة هذه الأحداث الثلاثة بتفجير دمشق الإرهابي؟
لكي نستطيع أن نوضح الفكرة أكثر، علينا أن نعود بالذاكرة إلى معركة الغوطة الشرقية الفاشلة في خريف العام ٢٠١٣، ومعركة ريف اللاذقية الأولى، واللتين كانتا تحت إشراف بعض الدول العربية المركزية في تحالف العدوان على سوريا، وتحت العين الصهيونية بشكل مكشوف…
إلا ّ أن المفاجأة التي تمخضت عنها كلتا الغزوتين، أنهما منيتا بفشلٍ ذريع، ما جعل الأهداف الأستراتيجية لكلتيهما بعيدة كل البعد عن التحقق، مما جعل من “منظّر” هاتين الغزوتين، ومن يقف وراءه، يُصاب بإحباطٍ شديد، بحيث أن ذلك عجّل بانتقال الملف من جناح تحالف أمريكا المعادي لسوريا إلى جناحها الآخر بشكل تلقائي، وصولا ً إلى أن ما توقعاناه سابقاً حول تعليق أمريكا للمشانق السياسية لهؤلاء الفاشلين، والذي بدأت رؤوسهم تتدحرج بسرعةٍ كبيرة، وذلك تجلى من نقل الملف السوري من جانبٍ إلى آخر، وصولا ً إلى استقالات سياسية طوعية – مكرهة لدى قادة بعض هذه الدول، وصولا ً حتى العزل السياسي التام لآخرين، والتي شهدنا بالأمس بعضاً من فصولها.
بالعودة إلى تفجير دمشق بالأمس، قد يتساءل البعض عن علاقة هذا بذاك.
لا بد لنا بداية أن نستذكر أن الإرهاب الذي بُثَّ في سوريا منذ ما يقرب الأربع من السنين، ونُثر على الحدود مع لبنان منذ ما يقرب من العام، كانت له وظائف محددة، تتراوح ما بين استنزاف الجيش السوري والدولة السورية برمّتها، وذلك إلى حد إصابة هذه الأخيرة بالعجز التام عن مواجهته، هذا من جهة، ومن ناحية أخرى كانت مهمة الإرهاب المنتشر على الحدود مع لبنان إنهاك وإشغال الثلاثية الذهبية فيه، إلى الحد الذي يجعل من هذه الأخيرة غير قادرة على منع الجماعات الإرهابية من الإنغماس واختراق الداخل اللبناني، وذلك بهدف إعاقة عمل المقاومة، وإيقاف حركتها بالمطلق كما كان يأمل الصهاينة..
المفاجأة كانت أنه لا هذا ولا ذاك حدث، إن في الجغرافيا السورية، أو في نظيرتها اللبنانية، لا بل أن الجماعات الإرهابية قد فشلت – على الرغم من كل ما فعلت – استراتيجياً في الساحتين، ونجحت فقط دموياً… وبالتالي فإن هذه الجماعات لم تستطع لغاية الآن تحقيق ما كانت تصبو إلى تحقيقه من أوهام رعاتها ومموليها وحاميها على حد سواء… لا بل أن العكس تماماً هو الذي حصل، فهذه الجماعات تراها اليوم تُلفظ من الجغرافيا والديموغرافيا السورية على حد سواء، وهي أيضاً فشلت فشلاً ذريعاً في تحقيق ما كان رعاتها يرسمون لها من أهداف في اختراق الساحة اللبنانية، والتأثير الفعلي على الثلاثية …
إنطلاقاً من كل ذلك، يمكن القول إن عملية المقاومة في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة، قد فضحت الفشل الذي أصاب هذه الجماعات، بحيث أنها ما فتئت تقدم نفسها للكيان الصهيوني، بأن لها سبق الفضل في تكبيل اليد المقاومة وإفقادها الدافعية والجاهزية، وبالتالي هي الضامن الفعلي للأمن الصهيوني… ولكن العملية في المزارع عرّت هذه الوعود الإرهابية الزائفة، والمقدمة على مذبح الكيان الصهيوني، لا بل أنها أصابت محلليه وسياسيه الإستراتيجيين أيضاً بالعمى في تقدير الموقف، فكانت الصدمة، بأن انقلب السحر الصهيوني على ساحره…
وفقاً للمنطق، فإن هذه الجماعات لا بد لها – بعد حدوث عملية المزارع ، وحديث السيد نصرالله الإستراتيجي ، والذي كانت القواعد التي تحكمه ، بأنه قد فك قيود المقاومة من أي قواعد تُذكر – من أن تبدأ بتحسس رقابها، بحيث أن الصهاينة ليسوا بالأغبياء، ليبقوا على توفير الدعم والحماية لإرهابيين افترضوا بأنهم سيشكلون لهم خطوط صدٍ وحماية لكيانهم… ولكنهم سرعان ما وجدوا أنفسهم – بعد عملية شبعا وخطاب السيد – بأنهم أمام صفقة خاسرة بكل تأكيد.
في خطاب السيد نصرالله مؤخراً نقطتان جوهريتان تفيدان البحث هنا، الأولى توصيفه المبرم لهذه الجماعات على تخوم الجولان المحتل بأنها جيش لحد سوري، والثانية أنه نفض يد المقاومة – بالفعل لا بالكلام – من أية قواعد اشتباك تذكر مع الكيان الصهيوني، لا مكانياً ولا زمانياً، وبالتالي ، فإننا إذا عطفنا هذه على تلك، فإننا نخلص إلى نتيجة مهمة جداً – كنت قد ناديت بها في مقالة نشرتها بتاريخ 31-03-2014، وعنونتها ب ” تيئيس الإستنزاف في الخيارات والفرضيات ” – مفادها بأن المقاومة قد تأتي للكيان من خلف هذه الجماعات – إن استطاعت – أو حتى تأتيه من أي مكان آخر، وذلك وفقاً لقاعدة دفن القواعد، هذا فضلاً عن قضية جداً مهمة، تتعلق بتوصيف السيد لهذه الجماعات بأنها جيش لحد السوري ، وهذا يعني أنه أطلق صفارة البدء بوأد هذه الجماعات على تخوم الجولان المحتل ، وذلك بفعل المقاومة الشعبية، والتي لا نشك أبداً أن عجلاتها ستدور قريباً..
الفارقٍ الجوهري هنا، أن هذا الكيان قد سيشعر بأنه بدأ يفقد الدافع لحمايتها، كما كان يفعل سابقاً في زمن قواعد الإشتباك، وذلك لأنها لم تعد تؤدي دورها المنشود، كون العمل المقاوم قد يتخطاها إلى ساحة أخرى، وليس بالضرورة من خلالها، إضافة إلى عدم الدافعية الصهيونية تلك ، فإن اللاقواعد للإشتباك اليوم، ستكبل الأيدي الصهيونية التي قد تحاول المس بالمقاومة الشعبية، والتي ستحارب هذه الجماعات هناك …
لا نستطيع النظر إلى تفجير دمشق الإرهابي بالأمس إلا ّ أنه محاولةٌ يائسة لإثبات الوجود والإنتقام من أناسٍ عُزّل، ذنبهم الوحيد أنهم يؤمنون بثقافة أولئك المقاومين من المجاهدين، والذين عملوا بحنكة وصبر على إفقاد هؤلاء التكفيريين جاذبيتهم لدى مُشغليهم من صهاينةٍ وعُربٍ على حد سواء. لأجل ذلك، فلقد أحس هؤلاء أن رحلة لفظهم من قبل رعاتهم، ووأدهم من قبل المقاومة، قد بدأت بالفعل، لا بل أن بركات الدماء التي سالت في غارة القنيطرة، وبالأمس في دمشق، ستكون وبالا ً عليهم في القادم من الأيام.
لم يتعلم هؤلاء القتلة ممن سبقوهم، وخصوصاً من أولئك الذين لاقوا حتوفهم الفعلية والسياسية، من عبيد أسيادهم، وذلك حتى الأمس القريب.
باحث وكاتب سياسي