قادرٌ على فعلها مجدداً: هذا هو اليمن الذي تخشاه “إسرائيل”!
موقع الخنادق:
خلال حرب أكتوبر عام 1973، كانت السواحل اليمنية تشهد أول عملية اغلاق بحري أمام السفن الإسرائيلية وتلك الداعمة لها في باب المندب. ليتعرض كيان الاحتلال لأول حصار بحري في تاريخه، الأمر الذي دفع برئيسة الوزراء الإسرائيلية، حينها، غولدا مائير للقيام بجولة “استغاثة” مكوكية إلى الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة والتي لبّتها الأخيرة بتهديد اليمن ومصر بأنها “ستحرّك أسطولها الرابع -الأسطول البحري العسكري- لرفع الحظر والحصار عن تل أبيب”.
دون أن يتم الإعلان عن ذلك، وبعملية استخباراتية مصرية-يمنية مشتركة، توجهت المدمرات المصرية “سكورى” من ميناء بور سعيد إلى المحيط الهندي بذريعة حاجتهم لإعادة ترميم وضرورة التوجه إلى باكستان لإجراء الإصلاحات اللازمة. إلا ان هذا السرب توقف في ميناء عدن بناء على تنسيق مسبق مع رئيس اليمن الجنوبي سالم ربيع، الذي أكد وقتها انه سيقدم كل ما يلزم لتستطيع هذه المدمرات البقاء أكثر من 7 أشهر في حالة جهوزية تامة لتنفيذ عملية الاغلاق التام لباب المندب، ومنع الامدادات النفطية الإيرانية التي كان يرسلها الشاه إلى كيان الاحتلال، إضافة للسفن التجارية من وإلى افريقيا وأوروبا من الوصول إلى ميناء إيلات. وبغطاء استخباراتي ضخم، تمت العملية بنجاح.
أكثر من نصف مليون كيلومتر ما بين البحر الأحمر والبحر الأبيض كانت ضمن الغطاء العملياتي في تلك الفترة، حيث تم اعتراض وتفتيش أكثر من 200 سفينة من بينها سفن حربية أميركية (Charles Adams) ما بين جزيرتي “بريم” و “جبل الطير”.
48 عاماً مرّت على هذه العملية، والخريطة الجيوسياسية في المنطقة والعالم قد تغيّرت، لكن الأكيد أنها تغيّرت لصالح دعم وتكثيف كل العوامل التي قد تؤدي لتكرار هذا السيناريو، والذي لم تسهم الحرب على اليمن التي شنها التحالف بقيادة السعودية، إلا بجعل هذه العملية قابلة للتكرار والتطبيق أكثر من أي وقت مضى، وبإدخال باب المندب مجدداً ضمن دائرة العمليات العسكرية، وبالتالي جعل قناة السويس بكل ما تحمله من أهمية بالنسبة للحركة الملاحية الدولية، خارج الخدمة.
ليست القدرة العسكرية وحدها المقصودة ضمن هذا الإطار، بل الشعب اليمني تحديداً، الذي وقف تاريخياً مع القضية الفلسطينية ليس بالتضامن فحسب، بل بتقديم الدعم الفعلي، وهو الذي كان يستضيف الفدائيين الفلسطينيين المستهدفين اسرائيلياً بعد تنفيذهم لعمليات عسكرية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة أو خارجها، إضافة لتقديمه جوازات دبلوماسية وبطاقات عبور لكل الشخصيات والفدائيين الذين كانوا يحتاجونها للانتقال بين جبهة وأخرى وبين بلد وآخر، مع ازدياد وتيرة الاغتيالات، منهم ياسر عرفات وعدد من قيادات وقوات فتح.
بعد احتلال “إسرائيل” للبنان عام 1982، كان اليمن الجنوبي برئاسة علي ناصر محمد هو الدولة العربية الوحيدة الذي دعا إلى قمة عربية للدفاع عن بيروت، لكنها لم تنعقد لعدم استجابة الأطراف الأخرى، فتقدم بدعم مالي كبير للبنان لأجل الدفاع والمقاومة.
يقول علي ناصر محمد في جلسة داخلية ان “قدمنا دعم مادي، ومنظومة دفاع جوي للبنان، لأن الطائرات الإسرائيلية كانت تقصف بشكل وحشي، فتم إدخال هذه المنظومة إلى لبنان عبر سوريا، الأمر الذي رفضه الاتحاد السوفياتي كونه كان يقدم السلاح إلى اليمن الجنوبي في فترة من الفترات، وأجبته اني مستعد لقطع علاقتي مع الاتحاد السوفياتي مقابل أن انصر بلد عربي ضد “إسرائيل”.
حتى ان عدن كانت الوجهة الأولى بعد القيام بعمليات اختطاف الطائرات، ونذكر هنا عملية اختطاف فلسطينيين لطائرة “أوبك” من المغرب والذين أتوا بها إلى عدن، مركز انطلاقة العديد من المناضلين الفلسطينيين ومنهم وديع حداد.
أمام هذا المشهد، وربما لجهل سعودي-اماراتي في فهم طبيعة القبائل اليمنية ومرجعيتها العربية، ارتكبت خطأ فادحاً في التعويل على تهيئة الأرضية اليمنية للتطبيع، ان كان في الشطر الشمالي أو الجنوبي الذي تسيطر عليه أدوات الدولتين من “الشرعية” أو “المجلس الانتقالي الجنوبي” و”الحراك الجنوبي” الذي أنشئ عام 2007، حيث ان الأخير يضع ضمن مبادئه الأساسية نصرة القضية الفلسطينية وعدم الاعتراف بكيان الاحتلال، الأمر الذي جعل الدعوات الأخيرة الصادرة عن عيدروس الزبيدي ورغبته في التطبيع في تصادم تام مع مبادئ هذا الحراك.
لم تستطع الامارات ولا السعودية، سماسرة التطبيع في المنطقة، تهيئة الأرضية اليمنية للتطبيع، هذا الأمر لم تظهره القبائل اليمنية خاصة الجنوبية في تظاهرتها الحاشدة الرافضة التي أتت عقب تصريحات المجلس الانتقالي فقط، بل انعكست بشكل مباشر على العمليات العسكرية في الجبهات، حيث وجد أبناء القبائل انهم قد خذلوا من قبل هؤلاء، وانسحبوا من القتال ومنهم من انضم إلى قوات الجيش واللجان الشعبية استجابة أيضاً للمبادرة التي اطلقها السيد عبد الملك الحوثي. حيث يرى متابعون أن المقاتلين من أبناء القبائل في البيضاء خاصة على جبهات نهم والجوف، قد تخلوا عن القتال إلى جانب قوات المجلس الانتقالي بعد تصريحاته وإعلان مشروعه التطبيعي، الأمر الذي سهّل عملية تحرير هذه المناطق وبالتالي خسارة السعودية والامارات في هذه الجبهات.