في فلسطين حجر الزاوية
صحيفة الديار الأردنية ـ
مروان سوداح:
لم تكن قدس الأقداس وفلسطين المقدسة قضية وطنية وإقليمية تخص العرب والمسلمين والفلسطينيين وحدهم، بل كانت عِبر التاريخ وستبقى قضية قومية وإنسانية وأُممية، مسيحية وإسلامية، تكمن في صلب عملية التحوّل التحرري والديمقراطي في العالم أجمع. فهذه البقعة الصغيرة والمقدّسة التي اختارها الله لتكون محور العالم ومركزاً لرسالاته والمؤمنين به، تبقى المسألة التي تؤرق البشرية جمعاء، فمن فلسطين ينطلق السلام الى رياح العالم، وبانتصار العدالة في فلسطين واندحار المحتل الأمريكي والصهيوني إنما تنتصر العدالة في الكون، وتتحرّر البشرية من عبودية المُستعبِدين.
وفي الذكرى الثالثة والثلاثين لعودة الإمام الخميني الى وطنه إيران، نستعيد تعاليمه وأفكاره التي تركّزت على ضرورة تحرير فلسطين من الغزاة الإحلاليين، فقد دعا رحمه الله الى يوم عالمي للقدس الشريف، شكّل نقطة مضيئة في نضال العالم لدحر الظلم وتبديد ظلام المحتلين. قال الإمام: “يوم القدس يوم عالمي، لا يختص بالقدس فقط، إنه يوم مواجهة المستضعَفين للمستكبِرين، وعلى الجميع أن يعلموا أن هدف الدول الكبرى من إيجاد إسرائيل لا يقف عند احتلال فلسطين، فهؤلاء يخططون للوصول بكل الدول العربية إلى نفس المصير الذي وصلت إليه فلسطين.. ألم يدرك القادة بعد، أن المفاوضات السياسية مع الساسة المحترفين والجناة التاريخيين، لن تنقذ القدس ولبنان، وأنّها تزيد الجرائم والظلم.. إن مسألة القدس ليست مسألة شخصية، وليست خاصة ببلدٍ ما، ولا هي مسألة خاصة بالمسلمين في العصر الحاضر، بل هي قضية كل الموحّدين والمؤمنين في العالم، السالفين منهم والمعاصرين واللاحقين”.
في فكر الخميني نقرأ نصوصاً أممية وعالمية بمحتواها وطبيعتها تدل على تركيبة “الرجل” السوسيولوجية والسيكولوجية والأيديولوجية، فهذه الطبيعة التي لم يحد الخميني عنها تستهدف الكل بمضامينها ورسالتها، فلا يقتصر هذا الفكر على حدود إيران كدولة إقليمية، ولا على حدود فلسطين، إنما ينطلق من إيران الى فلسطين ليجواب العالم بدعوته للحرية والتحرير والعدالة. وهو الى جانب ذلك يتسم بالعقلانية في الطرح والفكرة ومحاكمة الآخر.. طبيعته ومنطلقاته وتركيبته وتوجهاته، لذا نرى كيف أن أفكار الخميني تعمل على طرح التطرّف جانباً لصالح العثور على منافذ وسُبل تمكّن بصور واقعية مِن تخليص المقدسات والأرض المقدّسة من برائن الأجنبي، وفي سبيل تسييد السلم في المنطقة، بل وليمتد هذا السلم الى العالم بأقاصيه فيسكن فيها. هذه الرسالة الخمينية جعلت من صاحبها مُشرَّداً سياسياً ومُستهدَفاً طوال حياته، لكن شعبه وأحرار العالم وقفوا الى جانبه في الملمات، فكان له ما أراد، وكانت إيران به ومعه قوة كبرى يخشاها التوسعيون ويتوجّس الشر خشية منها. فالدور التأسيسي لفكر الإمام في منطقتنا يستمر بتاثيراته عليها وعلى مجريات العمليات السياسية فيها، وعلى التحالفات الدولية التي تشهدها المنطقة والعالم بسبب العدوانية المتواصلة والتحالفات الهادفة الى تركيع المنطقة والأفكار التحررية التي ولدت فيها وانتجت في ناسها المخلصين على شاكلة الإمام. لذا نرى اليوم كيف أن القوى المستكبِرة تحاول ما وسعها الجهد لتفتيت العالمين العربي الإسلامي وتركيعهما، في محاولة لوأد كل الأفكار التحررية ومنها التحريرية الخمينية اليت أطلت على المنطقة في ليل كان طويلاً ولم يستمر.
وبالرغم من أن فلسطين كانت في فكر الخميني خلال حياته “مسألة عقائدية” كما قال السيد حسن نصر الله في خِطاب من خُطبه، و”ليست موضوعا ولا تخضع للمساومة ولا للتفتيت”، لكنني أرى بأن فلسطين ارتدت بفكر الخميني ثوباً أممياً وإنسانياً واسعاً، فلم يكن الخميني فقيهاً فقط فحسب، بل وزد على ذلك ومكافحاً أممياً ضد الظلم والقهر والعبودية إينما كانت كل هذه. لذا كان رحمه الله يربط ما بين التحرّر الإجتماعي والتحرر الوطني والقومي والإنساني، فكان فكره ويبقى عابراً للحدود والجُدر الإقليمية والوطنية، لذا اكتسب فكره وشخصيته بُعداً عالمياً ومسيحياً أيضاً، وأنصاراً وجحافل من المؤيدين الناقمين على العسف العالمي المتواصل بحق الشعوب، والذيلية التي كان عليها النظام البهلوي البائد، الذي فتح أبواب إيران على مصاريعها أمام العسكرية الأمريكية وقواعدها وأزلامها، والعسكرتاريا الإسرائيلية التي عملت على التجسس على شعوب المنطقة ودولها بغية استرقاقها، وهو مخطط أضعفته إيران الخمينية، وإيران اليوم بقيادتها المِقدامة، وستفشله لا محالة لتسود أعياد الحرية والتحرير في العالمين العربي والاسلامي ومن بعدها في العالم قاطبة.