في ذكراه السنوية الواحدة والأربعين: “الشهيد شمران”.. الثائر العالمي في مسيرة الإخلاص
صحيفة الوفاق الإيرانية-
د.خليل حمدان:
كلمة هو قائلها: “يا علي! عندما كنتُ صغيراً، وكنتُ أهوى أبطال العالم، كانت بطولاتك تأسرني. كانت معارك بدر وأحُد والخندق تؤنسني. عندما تقتلع بيدٍ واحدةٍ الباب في خيبر، لا يوجد شيءٌ يبعث على الفرح والسرور في نفسي أكثر من ذلك”.
الشهيد مصطفى شمران واحد من الذين تجافت جنوبهم عن المضاجع وكان لله في نسكه ومحياه ومماته ينضح بالعطاء من نبعه الثر لا تثنيه مصاعبُ عن الاستمرار في حلّه وترحاله، كادحٌ الى ربه كدحاً ليتسنّم قمم الشهادة في معراج الروح حيث الذين لهم نورهم يسعى بين أيديهم. يترنّم بوحي آيات القران الكريم “وبشّر عباد الذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه”.
تجاوز الأمكنة ليجوب في رحلة الجهاد الممتدة من طهران وجامعاتها، طارقاً أبواب العرفان والمعرفه في حوزاتٍ ومقاماتٍ، جعلته يستضيء بنور العلم والايمان، فوصل وأوصل واهتدى وهدى، وكان كل ذلك بدايةً لعمرٍ لا ينقضي ليحمله حلمه الى المنقلب الآخر في الولايات المتحدة الأمريكية، ليحطّ الرحال ويستزيد الى علمه علما وإلى عمله إتقانَ معارف الفيزياء والإلكترونيات، فكان من المجلين الذين احتلّت اسماؤهم الدرجات الأولى في أهمّ الجامعات متواصلاً مع الطلبة هناك ليكون رائداً ومرسّخاً لفكر رسالي ملتزم يحاكي العقل والروح. وغدا علامةً فارقة وقدوة للعالم المتصل لا المنفصل عن هموم الناس والأمة، للنهوض بحملٍ ثقيلٍ تنوء الجبال بحمله. من عذابات الفقراء وسطوة الجلادين واغتصاب المقدسات، وكأنه يحدّق بلحظة خلاص للقدس وكامل فلسطين الى خلع عرش شاه إيران آملاً بالوعد الكبير بمن يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجورا.
أجل، هي رحلة الحياة التي أرادها الشهيد في تكامل مستمرّ باحثاً عن المتاعب، يشقى لإسعاد فقير ويسعد ببلسمة جراح يتيم. كانت له الدنيا بمباهجها وكان للآخرة، أمنيته ان يكون تراب نعل الفقراء. عاش معهم وأحبّوه وتمنّى الشهادة، فكان القائد بالقدوة، على راحتيه يغفو ملاك ويصحو ملاك. خلع الدعة والنعيم ويمّم وجهه شطر مصر عبد الناصر أواخر ستينيات القرن الماضي مع طلبة ومجاهدين، حيث اشرف بنفسه وعلى عينيه تدريب الشباب أعداداً واستعداداً للثورة تقضّ مضجع شاه إيران المقبور، وهو على صلةٍ واتصالٍ مع الإمام الخميني قدس سره والامام القائد المغيب السيد موسى الصدر أعاده الله، وبوفادة الراحل الرئيس جمال عبد الناصر وما يتناسب مع طبيعة العمل وسريته. كانت كلمة السرّ للامام الصدر أن يقدم الى لبنان ويحطّ الرحال في مؤسسة جبل عامل المهنيه في صور.
وبدأت صفحة أخرى من تاريخه الذي حفره على صخرة عمره ألماً ووجعاً وسهراً، حيث حمل تعبنا بامتياز. وفي هذه المؤسسة حيث نبات الامام الصدر كان إعداد الرجال الرجال الذين ملأوا الارض حضوراً في ساحات الشهادة والعطاء من الطيبة وتلة ربّ ثلاثين الى تلال شلعبون ومسعود وصفّ الهوا. عاش في المواقع المتقدّمة يأنس به المجاهدون حيث يعرف الشهداء واحداً واحداً، فهو معهم أقام، وأمامهم قرأ كتباً عن الثورة وحركه أمل ورسم بريشته قامات الشهداء، لطالما كان يوزّع بين الزائرين مفاخراً ومعتزّاً ببطولات المقاومين الأبطال من أخوة وأخوات في مسيرة الامام المغيب السيد موسى الصدر مسيرة افواج المقاومه اللبنانيه أمل، ولثقة الامام الصدر الكبيرة به ومعرفتهم بقدراته الفكريه والعسكريه والتزامه الرسالي. أسند إليه أن يكون المسؤول التنظيمي لحركة المحرومين، فكان على كل جبهات العمل فكريا وثقافيا وتربويا وعسكريا يعطي كلمة السرّ فارتاح للجميع وارتاح الجميع له.
علاقته بالامام الصدر علاقة لا تفصم عراها عنوانها الوفاء والود والثقه في ظروف بالغة الصعوبة والدقة، حيث بلغ الاستهداف مبلغه، ولكن كل المخاطر لم تحلّ دون إكمال المسيرة مع جميع الاخوه والاخوات في حركه امل بالعمل المتواصل بالتدريب العسكري والفكر.
وأشرف الشهيد شمران على دورات عسكرية مع كوادر الحركة، وكذلك دورات ثقافية، وكانت آخر دورة باشراف الشهيد شمران في آب 1978 في مؤسسه جبل عامل المهنية، إذ كان مقرّراً ان يكون الحفل الختامي بحضور الامام القائد السيد موسى الصدر، ولكن كانت جريمة العصر إخفاء هذا الإمام العظيم على يد المجرم المقبور معمر القذافي صنيعة الصهيونية. اذ أخفي الإمام مع أخويه الشيخ محمد يعقوب والصحافي السيد عباس بدر الدين، وكان أكبر ألم عند الجميع تغييب أمل المعذبين والصرخة المستمرة بوجه الطغاة، والتعبير للشهيد شمران: “أكبر ألمٍ عندي تغييب الإمام السيد موسى الصدر.
“وبقي الإمام حاضراً في قلوب الجميع تجسّد انتماءً وحضوراً في الساحات واستمراراً في الجهاد في مختلف الميادين. وشكل انتصار الثورة الاسلامية الإيرانية بقياده الإمام الخميني (قدس) مرحلةً جديدةً في رحلة الشهيد شمران التكامليه بحضور وفد حركه أمل الى طهران شباط 1979، بادر الإمام الخميني (قدس) الى الكلام أمام الجميع انه أفضل هدية جئتم بها الينا الى إيران هو مصطفى شمران، ساعتئذٍ شعر الجميع بعمق الخسارة لنا في لبنان بتغييب الامام من جهه وانتقال الشهيد شمران الى ايران من جهه أخرى، ولكنها اسعد لحظات حياة الشهيد كانت حسب قوله: “اسعد لحظات حياتي خلع شاه ايران وإزالة نظامه الدكتاتوري.
وتعلّمنا من الإمام الصدر، أينما تكون القضية قضية حق، نحن نكون” وبين الثورة الإسلامية الإيرانية والإمام الصدر والشهيد شمران وكل حركة امل رحلة صلة واتصال يعرفها الذين كانوا صلة وصل واتصال من لبنان ومؤسسه جبل عامل والشياح وبعلبك ومعسكرات التدريب فيها واليمونة التي تحكي عن معسكرات إعداد واستعداد للثوار الإيرانيين والاخوه الحركيين، وكذلك يعرفها الذين حضروا في ساحات الجهاد والشهادة في الدفاع عن الجمهورية الإسلامية الإيرانية حيث الأبطال الشهداء “علي عباس” و “عبد الرضا الموسوي” وغيرهما من الذين حملهم شوقهم للجهاد هناك الشهيد “طه حسين” وصادر كفل وكفل كفل وقافلة الشهداء التي لن تنتهي.
في ذكرى الشهيد شمران السنوية هي كلمات متواضعة بحقّ رجلٍ عظيم، وليس من المبالغة إذا قلنا إنه الثائر العالمي الذي تتوفّر فيه مواصفات الثائر العالمي الذي رفض الظلم وصدّه بجبهات، حشد فيها الرجال الرجال، وصاحب فكر علمي وثقافي، حاز إعجاب الإمام القائد السيد موسى الصدر وسمّاه الإمام الخميني (قدس) “حمزة العصر”.
أيها المغروس في الآفاق ورداً وشموساً وتضحية، سلام عليك لقد كنت معلّماً بالقدوة، فاستبشر بالذين لم يلحقوا بكم بإكمال المسيرة متمسكين بالمقاومة وخدمة الناس. أيها الغفاري ما زال رجع الصدى والكلمات يجوب الآفاق، لطالما كان يحلو لك الحديث عن أبي ذرّ والإمام الصدر والثورة… عمتَ صباحاً ومساءً يا عمراً لا ينقضي.
وكما خاطبتَ إمام المتّقين:
“يا علي، أنت قلتَ إن الموت بشرفٍ يفضّل ألف مرّة على الحياة الذليلة، وأنا هيأت جميع وجودي للتضحية على أساس هذا الاعتقاد المقدّس، حتى لا أُسلّم لهذه الحياة المخزية”.