في حضرة رهبر: بسلام آمنين..
موقع إنباء الإخباري ـ
بتول زين الدين:
إستيقظنا قبل إستيقاظ الشمس، لبسنا معطفينا، وخرجنا..
إنه يوم إستثنائي بكل ما للكلمة من معنى، فنحن في يوم ولادة رسول الرحمة (ص) نقصد رجلاً إستثنائياً. لم أكن أعرف الكثير عن ذاك الرجل إلا أنني أعرف أن الملايين تتوق للظفر بجلسة في محضره.
حتى يمرّ الوقت بسرعة، وأصل للقاء دون تذمّر، اقتنصت الفرصة بمشاهدة المحلات، بملاحظة نوعية الإعلانات، شكل الأبنية والعمارات. مضى قرابة نصف ساعة من الوقت، وكان أكثر ما لفتني في تلك المدينة حتى الآن أمران: الفن والغرافيتي (أي الرسوم على الجدران والأبنية).
شاهدت مبنى رسمت عليه نافذة وعليها ستائر تتطاير، كان عليّ أن أحدّق بالمشهد عدّة مرّات حتى أتأكد أنه مجرّد رسم. في تلك المدينة أيضاً أدراج عالية لم أدرِ إلى أين تصل نهايتها، لكن الملفت أن على حافة كل درج رسوم وورود وألوان تتكامل كلما صعدنا حتى تكتمل الصورة.
مدينة الفن والإنسجام
دخلنا النفق، استمرينا، حوالي عشر دقائق داخله لتنكزني زميلتي لتأمل الفسيفساء. للفن قدرة عجيبة على امتصاص غضب زحمة السير وبُعد المسافة وحياة التمدّن، إذاً المكوث في النفق هنا فيه إستمتاع وليس كما هو الحال في لبنان. حاولت تصوير تلك الأنواع من الفنون لكن الكاميرا خانتني.
توقف السير بعد أن خرجنا من النفق، وأسعفني الحظ في تلك اللحظة على التقاط ما تيسر لي من تلك الصورة التي ربما هي أشد ما لفت إنتباهي، فحتى الغرافيتي في تلك المدينة مؤدلج: إنها بناية شاهقة رسم عليها أعلام كتب على أعلاها “الله أكبر” ثم الثاني “لا إله إلا الله” ثم علم البلد، ثم ذاك الشعار “مرك بر أمريكا” ، بمحاذاته نداء ” ياحسين”، وآخر “لبيك يا..” لم يتسنّ لي رؤية المزيد .
بعد عناء المسير وصلنا إلى المكان، وحتى نصل إلى هدفنا المنشود بعد أن غادرنا الحافلات، لا بدّ من صولات وجولات في عدّة محطّات للتفتيش. وكان من مزايا إجراءات التفتيش أن علمتني دروساً في الصبر وكظم الغيظ لا لشيء، إلا أن الرجل الذي يستضيفنا “ما بحاجة لتذمرنا ولا حتى يمكن حيستفيد من وجودنا”.
مررت بعدّة محطّات للتفتيش بعناية ودقّة وأنا أنظر إلى زميلتي التي لا تكفّ عن التذمر، تلك هي عادتها، ربما يروق لها أن تضرب الشمس إن زادت حرارتها، أو تركل الهواء إن لم تستلطفه .
حين وصلنا إلى القاعة شعرنا أن قدمينا دخلت في ثلاّجة عندما خلعنا نعلينا فسارعنا الدخول. الضيافة هنا إلزامية قبل الدخول عند المستضيف. ياه! لا رغبة لي بتناول حلوى لا أعرف محتواها، ولا شراب هو أقرب إلى “النسكويك”، أمسكت الكوب خجلاً من نظراتهن، تذوقته متظاهرة أني أشرب ثم تركته جانباً، ووضعت الحلوى في منديل ورقيّ ثم نسيتها على الطاولة، هي عادة لبنانيّة، تصرف ندمت كثيراً عليه لاحقاً.
رهبة في حضرة رهبر
دخلنا، وأخذت أتأمل تلك الستائر الزرقاء خلف المنصّة والتي ما شاهدتها من قبل إلا في التلفاز، ثم البساط الأزرق والأبيض.
الجلوس بحضرة المستضيف على بساط رقيق لدرجة أنني شعرت بجلوسي بحبات الحصى الصغيرة التي أجلس عليها قبل أن تسعفني تلك الإمرأة بوشاحها.
تنحنحت قليلاً، حتى إذا ما عرف الحضور أننا من لبنان، خلعت إحداهن من على كتفيها وشاحها المخملي المطرّز بأفخم النقوش التي تتميز بها العاصمة الفارسية لتضعه تحت قدمي ! وهي تقول “خوش آمديد، مَن خيلي دوست دارم، خدا حافظ نصر الله”.
نعم، فأنا من جنوب لبنان، وبالتالي حسبما قالت أنا من تلك المنطقة التي أنجبت مجاهدي حزب الله وقائدهم السيد.
تبادلنا الإبتسامات الروحيّة وحاولت خجلاً ردّ الوشاح الدافئ لها، متمتمة ببضع كلمات فارسيّة كنت قد تعلمتها قبل سفري، إلا أن إلحاحها جعلني أنصاع لرغبتها، ففتحت حقيبتها ثم أمسكت بقلم وورقة تكتب عليها عنوان منزلها ورقم الهاتف وتطلب مني زيارتها، حتى أطلّ الرجل فنهض الجمع، رافعاً قبضاته، صارخاً “مارك بر إسرائيل، مارك بر أمريكا ! ”
طلبت لي تلك الإمرأة “سماعات الترجمة” وهي تتأمل منديلي الأبيض يتلقف أروع لغة في التعبير: الدمع حديث المحبين، أنت في حضرة القائد، أدخوها بسلام آمنين!