فرنسا في جنيف تتكلم العبرية
موقع العهد الإخباري ـ
حمزة الخنسا:
لم يتصاعد الدخّان الأبيض من جنيف بعد. المفاوضات النووية بين إيران ومجموعة دول 5+1 شاقة وصعبة. الدول الست ومعها الاتحاد الأوروبي تريد ضمان مصالح سياسية واقتصادية وأمنية قبل التوقيع على أي اتفاق. وإيران تواجه المجتمعين مدعومة بالخطاب الأخير لقائد الثورة الإسلامية السيّد علي الخامنئي، الذي كرّس حقق الشعب الإيراني بالتقنية النووية، خطاً أحمر غير قابل للتفاوض.
على وقع محاولة تفجير السفارة الإيرانية في بيروت، دخل المفاوضون الدوليون والإيرانيون قاعة المفاوضات الخاصة بالملف النووي الإيراني في العاصمة السويسرية. وفيما كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يحاول في موسكو تحسين شروط الاتفاق بين طهران والدول الكبرى، بشكل لا يمكّن الجمهورية الإسلامية من تطوير برنامجها النووي. بعد أن بات متأكداً من أن الدول العظمى مهتمة بالتوقيع على اتفاق مع إيران. برز المفاوض الفرنسي ناطقاً بلسان حال تل أبيب، محاولاً “صون حقوقها”.
هولاند ـ تنتياهو: تنسيق مسبق
أعلن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، عقب مفاوضات جنيف في 7 تشرين الثاني، أنه اتفق مع الجانب الأميركي على نحو 90% من النقاط الخلافية بينهما، وأن اتفاقاً على الملف النووي الإيراني بات وشيكاً. دخل الفرنسيون آنذاك على الخط بقوة. اجتهدوا في تفسير بعض النقاط المتفق عليها سابقاً. أشاعواً جواً من اللا ثقة، قبل أن يقترحوا تعديلات على مسودة الاتفاق، ما دفع بالإيرانيين الى تعليق المفاوضات بانتظار قرار القيادة في طهران.
في الوقت الفاصل بين آخر جولة مفاوضات وجولة أمس (21 تشرين الثاني)، زار الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إسرائيل في 17 تشرين الثاني، والتقى رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو. أعلن الرئيس الفرنسي من تل أبيب أن الدول الكبرى تطالب إيران بتخصيب اليورانيوم بنسبة تقل عن 20%، لكن نتنياهو طالب بأن تكون هذه النسبة أقل من 3.5%.
تقول المعلومات إن الرئيس الفرنسي “تفهّم” المخاوف الإسرائيلية من إبرام اتفاق مع إيران لا يتضمّن إشارة واضحة الى تعطيل مفاعل آراك، وإغلاق منشأة فوردو المحصّنة، وإخراج كل اليورانيوم المخصّب الى خارج الأراضي الإيرانية. كانت لافتة إشارته الى أن طهران تمتلك حالياً كمية كافية من اليورانيوم المخصّب لصنع 5 قنابل نووية. فتَحَ مسارات جديدة للتفاوض، وأثار هاجسَي الأمن والسياسة معاً.
فرنسا في جنيف: سمسرة وأمن إسرئيل
أعلنت طهران مساء أمس أن لا اتفاقاً وشيكاً مع الدول الكبرى حول ملفها النووي. أكّدت على وجوب إعادة ترميم الثقة التي سادت بين الأطراف خلال اللقاءات السابقة. وشدّدت على وجوب إحترام كل طرف لتعهّداته..ماذا جرى في جلسات الأمس؟
تقول المعلومات الواردة من جنيف، إن المفاوض الفرنسي لعب دوراً معرقلاُ لأي تقدّم في المفاوضات. وصلت المفاوضات الى مرحلة نقاش نص الاتفاق على إطار الحل. هنا اقترح الفرنسيون أن يتضمن النص فقرة تُمنَع طهران بموجبها من استكمال بناء مفاعل آراك الذي يعمل بالمياه الثقيلة. أصرّوا على أن تمتد فترة المنع طيلة مرحلة المفاوضات المتوقع أن تستمر ستة أشهر. مع العلم أن مفاعل آراك هو الوحيد من بين المفاعلات النووية الإيرانية، يصبح بعد ستة أشهر قادراً على إنتاج البلوتونيوم كمنتج ثانوي يستخدم في تخصيب اليورانيوم.
لم تقف المحاولات الفرنسية عند هذا الحد. فقد حاول المفاوضون الفرنسيون علناً وبشكل صريح، طلب ضمانات إيرانية بحفظ أمن “الدولة العبرية”. لجم المقاومة في لبنان وفلسطين عبر هدنة غير معلنة وطويلة الأمد مع إسرائيل. تسهيل عملية التفاوض الفلسطيني ـ الإسرائلي من دون شروط فلسطينية مسبقة. مقابل ماذا؟ تسهيل ومباركة فرنسية للاتفاق الإيراني ـ الدولي.. طبعاً رفض الإيرانيون كل ما ورد.
حاول الجانب الفرنسي استغلال فرصة المفاوضات مع إيران والإطلالة عبرها على المشهد الدولي، للتقرّب من إسرائيل واللعب على وتر الفتور المستجد في العلاقية الإسرائيلية ـ الأميركية بسبب هذه المفاوضات. تمايز الفرنسيون بتكتيكاتهم عن الموقف الأميركي. أظهروا حرصهم على إسرائيل وأمنها. لكنهم أيضاَ أرادوا القول إن فرنسا ـ الدولة الكبرى ـ ليست تابعة لأميركا ولا لغيرها.
سعت فرنسا من بوابة جنيف أيضاً، الاستفادة من القلق السعودي الحاصل جرّاء تقدّم المفاوضات الدولية مع إيران. باعوا الرياض عدة مواقف مقابل أرباح مالية طائلة على شكل صفقات أسلحة بمبالغ خيالية.
ومن بوابة المصالح والمال، تقول المعلومات إن الفرنسيين في جنيف طرحوا أن تستضيف معاملهم المتطوّرة عمليات تحويل اليورانيوم الإيراني المخصّب بنسبة 20% الى قضبان نووية تصلح للاستخدامات الطبية والزراعية حصراً. ففرنسا ـ من بين دول قليلة ـ تمتلك التكنولوجيا الخاصة بمثل هذه العمليات المعقّدة.
ثبات الموقف الإيراني.. والخطوط الحُمر
مقابل الاستغلال الفرنسي، بدا الموقف الإيراني ثابتاً. مواجهة العقوبات ومتابعة تطوير القدرات النووية السليمة مُسلّمات لدى أي فريق يحكم الجمهورية الإسلامية، بصرف النظر عن المفاوضات الجارية ومآلها.
تقول المعلومات إن المفاوض الإيراني أكّد أن بلاده لن ترضى بتسوية سياسية لملفها النووي لا تحفظ لها حقوقها بالتخصيب وبامتلاك القدرات النووية العلمية. ولن تسير بحل لا يؤدي ـ ولو تدريجياً ـ الى رفع الحظر عن الودائع الإيرانية المجمّدة في المصارف الأميركية والأوروبية، ورفع العقوبات الإقتصادية الخانقة عنها، وفَتْح أبواب الأسواق العالمية أمام إقتصادها.
سياسياً، طالب الإيرانيون بتبرييد الأجواء المذهبية المشحونة في المنطقة. وترك شأن تحديد هوية الرئيس السوري للسوريين أنفسهم، بعد مساعدتهم على تخطي الأزمة الأمنية التي تواجههم، وتجفيف منابع الإرهابيين وتمويلهم. الأمر الذي من شأنه أن يؤدي الى حلحلة ملفات سياسية وأمنية عالقة في كل من لبنان والعراق واليمن.
تقول مصادر معنية إن القيادة في إيران اتبعت مسار المفاوضات لأنها تنظر الى الأمر على أنه حاجة أميركية لا إيرانية. واشنطن تقرأ أي اتفاق نووي مع طهران على أنه ضمانة عدم امتلاك الجمهورية الإسلامية السلاح النووي، وهو ما يضمن أمن الحلفاء في الخليج وإسرائيل، وفقاً للنظرة الأميركية التي لا يغيب عنها احتضان إيران الثابت والقوي لقوى المقاومة في المنطقة.
أما إن نجح المسار المعاكس للدبلوماسية والمفاوضات، فإن واشنطن تخشى من أن تتابع إيران برنامجها النووي وعمليات التخصيب وبلوغ مرحلة امتلاك القدرة على إنتاج قنبلة نووية. في هذه الحال، الحرب ستكون الحل الوحيد. الحرب تحديداً ما لا تريده إدارة الرئيس باراك أوباما، بل تخشاه.