فجوات بين واشنطن والرياض!
موقع الخنادق-
زينب فرحات:
تسود التوترات والخلافات بين واشنطن والرياض في العديد من الملفات الداخلية والخارجية وأهمها في لبنان واليمن حيث التأزّم السعودي الواضح والاخفاق في تحقيق “الأهداف”، لكن تبقى خلافات في أسلوب الا ان المشروع هو واحد في المنطقة، الا ان ذلك لا يعني ان السعودية وولي العهد محمد بن سلمان بات ينظر الى الولايات المتحدة على أنها “من تركه في منتصف الطريق”، وكان ذلك ايضاً قد برز اكثر مع وصول الرئيس الديمقراطي الى الرئاسة جو بايدين الذي كشف تورّط بن سلمان في قضية اغتيال الصحافي جمال خاشقجي، وبتنفيذه قرار الانسحاب القوات الامريكية من أفغانستان دون “مراعاة” التداعيات على السعودية في المنطقة.
وتحكم العلاقات الأميركيّة السعوديّة معادلة جذريّة، تفرض واقعاً لا مناص منه لكلا الطرفين، وهو أن الأولى تقدّم الحماية الأمنيّة والعسكريّة للثانية، فيما تنفّذ الثانية إملاءات الأولى في الداخل وفي المنطقة. بهذا القالب، حكمت بريطانيا الجزيرة العربيّة وسلّمتها للأميركي، المستعمر الجديد للمنطقة، فتوالى الملوك على حكم السعودية ضمن ذات المنظومة والهيكليّة، مع هامش بسيط جداً يعكس فرادة البعض. لكن رغم اختلاف الأساليب بقيت السياسة واحدة: تفكيك العالم العربي.
للأمريكي أيضاً حساباته الداخلية، فهو إذا تقرّب من السعودية بقي على مسافة بعيدة منها، وحين يعاديها، يترك الأبواب الخلفيّة للبيت الأبيض مفتوحة لحلّ الملفات العالقة. هذه باختصار حال العلاقات بين إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، والرئيس الحالي جو بايدن، اللذان تعاملا مع السعودية بأساليب مختلفة، ضمن إطار الحفاظ على حبل الوصل بين الطرفين وحماية الحكم السعودي. ذلك أن المسّ بأمن الحكم في السعودية، يعني بالنسبة للأميركي، المسّ بذراعه الأطول في الشرق الأوسط. أي تهديد مصالحه في وقت تشهد فيه المنطقة حركات مقاومة متمكّنة عسكرياً ولوجستيّاً أكثر من أي وقت مضى.
الأهداف السعودية والأمريكية في لبنان
ليس هناك تمايز بالأهداف بين الرياض وواشنطن حول لبنان، بل هناك اختلاف في الأسلوب والمسار الذي ينبغي الاستثمار فيه للوصول إلى الأهداف. “الأهداف واضحة”، يقول الكاتب والباحث السياسي اللبناني الأستاذ علي مراد “محاصرة حزب الله ومحاولة عزله”.
الطرفان يريدان نفس الهدف لكنهما يختلفان بالمقاربة. السعودي يعتبر أن الجهة الأوثق للاعتماد عليها في تحقيق هذا الهدف هي القوّات اللبنانيّة، و”لأجل ذلك يسخّر ميزانيّات ضخمة وأموال وحملات إعلاميّة للهدف نفسه، وأيضاً يستخدم السعودي جمهور المستقبل لخدمة طموح القوات بتوسيع كتلة القوات اللبنانية في الانتخابات النيابيّة المقبلة. بينما الأميركي يعوّل على منظّمات المجتمع المدني، ورجال الأعمال اللبنانيين المغتربين، الذين هم -بأغلبيتهم- من المصرفيين ولهم أذرع في الداخل، لأنه يريد من خلالهم تشكيل كتلة تعمل مع بقايا أحزاب 14 آذار، في خدمة هدف تطويق حزب الله وتحجيمه”.
بالتالي، السعودية لها رؤية والولايات المتّحدة لها رؤية أخرى، لكن الرؤيتان هدفهما واحد هو استهداف المقاومة في لبنان، بحسب الباحث.
خيارات واشنطن في اليمن
بالنسبة إلى خيارات الأمريكي، يوضح مراد أن هناك مساعدة أمريكيّة تُقدّم خلف الكواليس للسعوديين، وهناك معلومات تقول إنه منذ ثلاثة أسابيع تقريباً، عاد الضبّاط الأمريكيون إلى غرف العمليات في مسعى لكبح قوّات صنعاء في مأرب. “حاول الأمريكيون عبر تيم ليندر كينغ (المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن (، الذي اجتمع بخالد بن سلمان، من أجل إقناع السعودية للتسليم بسقوط مأرب، لكن يبدو أن هناك عناد سعودي واضح”. ويعتبر مراد أنّ تحريك ورقة تسعير الطاقة، تأتي في إطار ردّة الفعل السعودية على المطلب الأمريكي في اليمن.
هذا الموضوع دفع الأمريكيين لتغيير المقاربة، بمعنى مسايرة السعودي في تقديم بعض المساعدة المحدودة في مسعى لإرضائه بالدرجة الأساسية. السعودي إذاً، يعتبر أن “الأميركي تركه في منتصف الطريق”، يقول مراد، وبالجهد السياسي فشلت كل المحاولات الأمريكية لانتزاع تنازل مع أنصار الله في قضيّة الحل السياسي. “لذا من الواضح بالدّرجة الأساسية، أنّ السعودية ليس لديها خيارات والأميركي أيضاً ليس لديه خيارات، ولكن هناك توجّه أميركي لمسايرة السعودية في مسألة العودة، لتقديم بعض خدمات الدعم بما في ذلك الدعم الاستخباري والتخطيط في غرف العمليات، ومحاولة فتح جبهات أخرى لتخفيف الضغط عن جبهة مأرب. لكن على أرض الواقع، الأميركيون في حديثهم الداخلي يسلّمون بسقوط مأرب باعتبار أنها أصبحت خلفهم”.
قضيّة سعد الجبري
الدعوة القضائيّة التي رفعها المستشار الأمني السابق سعد الجبري ضد ولي العهد محمد بن سلمان، رُفعت في عهد ترامب. آنذاك تقدّم محمد بن سلمان بطلب إلى الإدارة الأمريكيّة، من أجل إعطائه صفة الحصانة ضد أي استدعاء أو استجواب من قبل أيّة محكمة. إدارة ترامب ماطلت حينها، رغم أن علاقتها كانت قوية بمحمد بن سلمان. اليوم إدارة بايدن كذلك ترفض، وهي وسيلة للضغط على السعودية، عبر التمنّع عن تقديم أي شيء لمحمد بن سلمان في موضوع المسار القضائي ضده من قبل سعد الجبري. يقول مراد أن “محمد بن سلمان في هذه الظروف أراد استخدام القضاء الأمريكي أيضاً لإجهاض مفاعيل دعوى سعد الجبري، فقام برفع دعوى قضائيّة على الجبري بتهم الفساد. الجبري بدوره كان قد أعلن تقديم وثائق سرّية تضمّن معلومات حسّاسة تمسّ بما يسمى “الأمن القومي الأميركي”. ويتابع: “أما محمد بن سلمان، فقد أشار إلى هذه النقطة في الدعوى التي رفعها فريق المحاماة ضد سعد الجبري، فإذا كان ثمة معلومات مصنّفة على أنها حسّاسة، فإنها ستُكشف. وعلى إدارة بايدن أن تتدخّل لمنع الكشف عنها، وأن يكون هناك تحييد لأي مضمون خطير يمسّ بمحمد بن سلمان”. من جهته القاضي الفدرالي الذي ينظر بالدعوى، أصدر قرارًا قبل شهر أن السيد سعد الجبري لا يستطيع الدفاع عن نفسه بالدعوى التي أقامها محمد بن سلمان، دون الكشف عن هذه المعلومات السريّة. وهكذا، صفعة جديدة تعرّض لها بن سلمان بعد رفض الإدارتين، ترامب ثم إدارة بايدن، إعطائه صفة الحصانة.
خلافات الطاقة بين الرياض وواشنطن
منذ وصول بايدن إلى البيت الأبيض، ثمة خلاف بين الرياض وواشنطن حول أسعار الطاقة، وقد حاول محمد بن سلمان استخدام أسعار الطاقة لدفع الأمريكيين للتراجع في موضوع الضغوط عليه، ولكي يتراجع بايدن عن موقفه في مسألة التواصل المباشر مع محمد بن سلمان. و”يأتي هذا الضغط أيضًا في إطار إجهاض، أو تفريغ الدعوى القضائيّة المقدّمة من سعد الجبري ضد محمد بن سلمان من مضمونها”.
ويرى مراد أن الخطوات التي قامت بها واشنطن؛ أي السحب من الاحتياط الاستراتيجي النفطي، ليس استجابةً لضغوط بن سلمان، وهذا الموضوع مرتبط بملفّات أخرى بالنسبة إلى محمد بن سلمان، ذلك أنه يعرف أهميّة موضوع تسعير الطاقة، خاصّة عشيّة البدء في التحضير للانتخابات الحزبية، المؤهلة لانتخابات الكونغرس النصفيّة في تشرين الثاني 2022.
صفقات السلاح
وعن صفقة السلاح الدفاعيّة جو ـ جو التي أُبرمت أخيراً بين السعودية والولايات المتحدة، أوضح الباحث علي مراد أن تركيب هذه الأسلحة على الطائرات المقاتلة هو لاستهداف الطائرات المسيّرة، لأن الباتريوت أثبتت عدم فعاليتها في استهداف الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية، لذا يضطّر السعوديون إلى إطلاق طائرات F16 لإسقاطها، ولذلك صادق الأمريكيّون على صفقة بحدود 600 مليون دولار، لزيادة مخزون السعودية من صواريخ جو ـ جو. هذا الأمر كان قد أعلن عنه بايدن سابقاً حين قال سنوقف صادرات السلاح الهجومي، إذ قال في نفس الوقت: “إننا ملتزمون بأمن السعودية الدفاعي”.
ويضيف مراد: “السعودية بصدد طلب منظومات دفاع جوّي من الأمريكيين، فقد قرأنا في الصحف أنهم يضطّرون للذهاب إلى دول خليجيّة وأوروبيّة، ويطلبون منظومات دفاع جوّي باتريوت، لكنهم يحصلون من الأمريكيين على هذه الصفقة، لأن الأميركي يدرجها ضمن صادرات السلاح الدفاعي”.
ثمّ يعود الباحث ليؤكد أن هذا لا يعني أن بايدن لن يتراجع في المستقبل. وفي حين أنه لا زال حتى الآن يراعي التيار التقدّمي في الحزب الديمقراطي، الذي يرفض رفضاً قاطعاً تصدير السلاح الهجومي لمحمد بن سلمان، لكن هناك مصلحة المجمع الصناعي للسلاح العسكري في نهاية المطاف. لذا من المحتمل أن يجد الأمريكيون فيما بعد توليفة لبيع محمد بن سلمان أسلحة هجوميّة.
العلاقة بين بايدن ومحمد بن سلمان
“كل المؤشّرات حتى الآن، تشي بأن محمد بن سلمان نجح في فرض نفسه كأمر واقع على إدارة بايدن” يقول مراد ويضيف: “في عام 2020 حين كان ترامب لا يزال في الرئاسة، استبق ابن سلمان الأمور وافترض خسارة ترامب في الانتخابات، لذا قام بسجن محمد بن نايف وعمّه أحمد لأنهما المنافسان له، ثم استكمل مشروع جعل مسألة استبداله صعبة جداً على الأمريكيين”.
يبدو أن الأمريكي حتى الآن يقارب العلاقة مع السعودية وفق قاعدة ثابتة، وهي ألا تذهب الأمور في السعودية نحو الفوضى، وهذا خط أحمر، إذ لا يمكنه أن يغامر بذهاب السعودية نحو الاقتتال الداخلي. وإذا أراد استبدال ابن سلمان، يحرص الأمريكي على أن تتم العملية بسلاسة. “لكن الأطراف القادرة على فعل ذلك أصابها محمد بن سلمان بالشلل، ولم يعد هناك قدرة في عائلة آل سعود على التمرّد على ابن سلمان. ولذلك، يحافظ بايدن على سياسة ترويض محمد بن سلمان ليندرج قرار عدم التواصل معه مباشرةً ضمن هذه السياسة”، ينهي الأستاذ علي مراد كلامه.