غضب صيني.. فقط
صحيفة السفير اللبنانية ـ
محمود ريا:
«ينبغي على الولايات المتحدة أن تقتل كل فرد في الصين».
إنها إجابة «بريئة» من طفل أميركي، رداً على سؤال لمقدّم البرامج الأميركي الشهير جيمي كيميل على شبكة «أي بي سي»، حول الطريقة التي ينبغي أن تتعامل بها الولايات المتحدة مع إغلاق الحكومة والديون المدينة بها للصين.
هذه الإجابة ربما تكون باباً يمكن الولوج منه للتعرف على موقف شريحة واسعة من الشعب الأميركي حيال الصين، بالرغم من كونها صادرة عن طفل صغير قد لا يكون مميزاً لما يقول.
إلا أن اللافت، وما أثار غضب الصينيين في الولايات المتحدة ـ وفي الصين ذاتها ـ أن مقدّم البرنامج لم يستنكر هذه الإجابة، كما أن القناة لم تُزِل هذا المقطع من الحلقة، بالرغم من أن البرنامج مسجّل، في حين أن الاعتذار على هذه «السقطة» التي هيّجت مكامن التحسس التاريخي بين البلدين جاء متأخراً جداً، وبارداً جداً.. وحتى مختصراً جداً.
إن ما قاله الطفل الأميركي ليس نابعاً من ذاته، وإنما هو عبارة عن انعكاس لجو يسود داخل الولايات المتحدة، جو عبّر عنه مقدّم البرنامج بتعليقه ـ ولو على سبيل المزاح ـ على إجابة الطفل بالقول: إنه اقتراح مثير.
ربما يظن الكثير من الأميركيين أن الصين تقف وراء الأزمة المالية ـ الاقتصادية التي تعاني منها الولايات المتحدة الأميركية، نظراً إلى اكتساح البضائع الصينية لأسواق بلادهم، ولكون الصين تمتلك أكثر من ألف وثلاثماية مليار دولار من سندات الخزينة الأميركية، ما يجعلها أكبر الدائنين لواشنطن.
ولكن ما لا يعرفه هؤلاء انه لولا الأموال الصينية لما كانت الإدارة الأميركية قادرة على تأمين السيولة اللازمة لدفع رواتب الموظفين، ولصار عشرات الآلاف من مواطنيهم عاطلين عن العمل في القطاعين العام والخاص، نظراً لكون الصين بالمقابل سوقاً أساسية للبضائع الأميركية من جهة، ولكون نسبة كبيرة من مكوّنات البضائع التي تحمل ختم «صنع في الصين» هي من صناعة أميركية، أو تصنّعها شركات تنقل أرباح إنتاجها إلى الولايات المتحدة ليتمتّع بها الأميركيون قبل غيرهم.
وتلعب وسائل الإعلام الأميركية دوراً كبيراً في «التحريض» على الصين، مصوّرة إياها بصورة المحتل والغازي، إن لم يكن عسكرياً وسياسياً، فعلى الصعيد الاقتصادي في أحسن الأحوال.
ولعلّ عشرات الأفلام السينمائية التي تنتجها هوليوود، والتي يبدو فيها الصيني ـ بصورة أقل ما يقال فيها إنه ـ المنافس للولايات المتحدة، إن لم يكن العدو الأكبر لها، هي نتيجة مفهومة لحملات التحريض التي تسود المجتمع الأميركي تجاه الصين، بما يعكس توجّه نخب حاكمة وقوى ضغط و«مؤسسات الدولة العميقة» لـ«شيطنة» الصين.
وإذا كان الصينيون يتحملون كل هذا التحريض، ويجدون له بعض الأعذار، فإن حادثة «الطفل ـ الشبكة التلفزيونية» مثّلت على ما يبدو القشّة التي قصمت ظهر البعير، ودفعت الصينيين الأميركيين، والكثير من الآسيويين الأميركيين أيضاً، إلى التحرك بقوة للاحتجاج على هذه التعابير العنصرية، وإلى المطالبة باعتذارات حقيقية، وتعهدات بعدم استخدام التهكم على الصين والصينيين كوسيلة لـ «الترفيه عن الأميركيين».
ومع أن قضية «الطفل ـ القناة التلفزيونية» أثارت كل هذه المواجع، وفتحت الجراح النفسية العميقة، فإن هذا لا يعني أن العلاقات الأميركية الصينية تتجه إلى التأثر سلباً وبشدة نتيجة هذه الواقعة، لأن العلاقة المعقدة ـ والسائرة إلى المزيد من التشابك ـ بين الاقتصادين الأميركي والصيني تتجاوز كل الخلافات السياسية والدبلوماسية والعسكرية وحتى الشعبية بين البلدين.
فالسوق الأميركية حيوية للمنتجات الصينية، والأموال الصينية هي طوق نجاة للخزينة الأميركية، ولا يمكن لهذه الحال أن تتبدل في المرحلة القريبة المقبلة على الأقل.
وبالرغم من ذلك، فإنه لا يمكن للصيني، الذي لم ينسَ حرب الأفيون البريطانية، ولا عملية الإذلال الغربية (ومن ضمنها الأميركية) للصين في القرن التاسع عشر، أن ينسى أن آلة الإعلام الأميركية سمحت لطفل أميركي أن يقول بالفم الملآن، وبلا أي تحفظ، إن حل مشاكل الولايات المتحدة الأميركية يكون بإطلاق كل المدافع وقتل كل الصينيين.