عندما ينظم «حزب الله» قصائد المديح بصقور «المستقبل»
يَعكس التخفيف الملحوظ في حالة الاستنفار الأمني عند مداخل الضاحية الجنوبية، شيئاً من واقع الاسترخاء السياسي وإن في عزّ الشغور الرئاسي.
مسؤولون أمنيون يتكلّمون وكأن لغة التفجيرات الانتحارية صارت من الماضي، عرسال هادئة وكذلك طرابلس. خطة بيروت اقتصرت على مداهمات في طريق الجديدة والحيّ الغربي، أما الضاحية فلها خطّتها الخاصة التي بدأت قبل أن يشمّر رعاة التوافق في الخارج عن زنودهم ليسمحوا بولادة الحكومة.
ويصبح لهذا الاسترخاء أبعاده غير المحلية حين يسمع وزير الداخلية نهاد المشنوق وهو يؤكّد استمرار مفاعيل القرار الخارجي بالاستقرار في لبنان، ويتحدث بشيء من الارتياح عمّا صنعته أيادي «حزب الله» في القلمون، ما أدى الى تقليص دخول السيارت المفخّخة الى لبنان، أو حين يدعو الى إخراج سلاح «حزب الله» الإقليمي من المعادلة الداخلية.
الأمور غير ملتبسة إطلاقاً في ذهن المشنوق. السلاح الاستراتيجي ومشاركة «حزب الله» في القتال في سوريا هما ضمن معادلة أكبر بكثير من قعر فنجان القهوة اللبناني.
ومن الآن حتى تقضي التسوية أمراً كان مفعولاً، فإن الاستقرار، يداً بيد مع «حزب الله»، وصفة إلزامية. كلام يصفّق له مسؤولو الحزب. أكثر من ذلك، صار هؤلاء ينظّمون قصائد المديح في وزير الداخلية الذي أقدم حيث لا يجرؤ الآخرون.
وبشكل أو بآخر، ينال وزير العدل أشرف ريفي نصيبه من الثناء، لكن موقع المشنوق الأمني ـ السياسي، يجعل مساحة الاحتكاك أكبر، وبالتالي غلّة «التعايش» أكبر فأكبر.
قد تكون هناك منافسة بالفطرة بين المشنوق وريفي مرتبطة بمستقبل كل منهما ما بعد الوزارة. يدفع ذلك كلاً منهما الى تجنّب استفزاز شريك الضرورة. أكثر من ذلك، يتفهم «حزب الله» حقيقة أن وزيري الداخلية والعدل يتصرفان كأنهما وزيران لكل اللبنانيين!
العارفون يشيرون الى ما هو أبعد من ذلك. حين تسقط معادلة ميشال عون رئيساً للجمهورية وسعد الحريري رئيساً للحكومة ربطاً بمقتضيات المرحلة، ليحلّ محل الأول من يزكّيه «الجنرال» ومحل الثاني من يختاره «الشيخ سعد»، تصبح عندها مروحة الخيارات حول شاغل السرايا الجديدة أوسع، خصوصاً أن حق «الفيتو» لا يتعدى شخص فؤاد السنيورة.. أقله من جانب «حزب الله».
إذاً، لم يعد اليوم سحب سلاح «حزب الله» بنداً ملحّا على جدول الأعمال. حصل ذلك أصلاً، قبل وقت طويل من الدخول في نفق الفراغ والتعطيل. ثمّة إرادة مشتركة يحرص الحزب، كما «المستقبل»، باستمرار على الإشارة اليها في معرض التعبير عن الرغبة في المحافظة على المكتسبات التي بدأت مع تسهيل تشكيل الحكومة، ثم إقرار التعيينات، وقبلها إقرار الخطة الأمنية والدخول الى «الطفيل»… أما «عروض» الانسجام فلا تزال مستمرة.
بعدما أيقَن المشنوق أن «صورة» مسؤول الارتباط والتنسيق في «حزب الله» الحاج وفيق صفا في وزارة الداخلية وهو يلتقي القادة الأمنيين من أجل بحث قضية «الطفيل» كان مبالغاً فيها، خفّف من جرعة حماسته، فانتقل صفا الى غرفة الاجتماعات الأمنية لدى اللواء عباس ابراهيم في المديرية العامة للأمن العام لبحث المرحلة الثانية من خطة «الطفيل»، لكن هذه المرّة من دون صورة. الأمر يتكرّر فعلياً في المقارّ الأمنية الرسمية، ما دامت تدعو الحاجة الى ذلك.
وكما «نموذج الطفيل» الناجح، يكتسب التعاون المثلث الأضلع بين قيادة الجيش ووزارة الداخلية و«حزب الله» المزيد من جولات التنسيق المنتجة استقراراً. وها هو الجيش يصدر بيانات عن تنفيذ مداهمات واعتقال مطلوبين في قلب الضاحية وفي عمق البقاع.
وفي مقابل انتفاضة «فريق 8 آذار» بوجه قرار وزير الداخلية بإسقاط صفة «النازح» عن كل سوري يدخل إلى بلاده، يلتزم «حزب الله» الصمت التام، لا بل تكاد أوساطه تتبنى التبرير الأمني الذي طرحه المشنوق.
تتّخذ المهادنة المتبادلة أكثر من طابع. يجدر في هذا السياق النظر الى ما أحدثته تشكيلات قوى الأمن الداخلي الأخيرة. تشتعل مواقع التواصل الاجتماعي بموازاة استنفار النائبة ستريدا جعجع وفريق معراب بعد نقل آمر مفرزة غزير النقيب شربل طوق واستبداله بالنقيب غطاس موسى. فعلها المشنوق، بالطبع، من دون أن يطلب الإذن من «الحكيم». زاد الطين بلّة ترويج «القواتيين» أن الضابط الجديد مقرّب جداً من «التيار الوطني الحر».
كاد المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص يتراجع عن مذكرة الفصل، خصوصاً أن رئيس فرع المعلومات العميد عماد عثمان وضع كل ثقله أيضاً لإعادة النقيب طوق الى موقعه.
النتيجة، لم يقبل المشنوق إلا بالالتزام بالتشكيلات كما صدرت، رافضاً اعتبار ضباط قوى الأمن حصصاً توزّع على السياسيين. آمر مفرزة غزير الجديد التحق بمقرّ عمله بعدما كان في فصيلة العبدة شمالاً، والنقيب طوق انتقل الى مفرزة الجديدة القضائية.
يكتسب هذا الإشكال بعداً أكثر أهمية حين يردّد العونيون «أن طلبات «الجنرال» لا تردّ في الداخلية». أما على المستوى السياسي، فيسهل سحب تصريحين للوزير المشنوق نفسه، واحد يشير فيه الى الحرص على الصداقة مع «المرشّح الجدّي» للرئاسة سمير جعجع، وآخر يؤكد من خلاله استحالة تجاوز ميشال عون في أية شاردة أو واردة، وذلك من باب إعطاء مباركته للحوار الثنائي بينه وبين سعد الحريري «والذي له أسباب ومبرّرات رئاسية وغير رئاسية»، كما قال، مجدداً مقولته الشهيرة: «لا يُفتى.. والجنرال في الرابية»!
المفاجئ أن المشنوق يتماهى موقفه من «بيضة القبان» الجنبلاطية مع موقف الرابية. سيكون سهلاً العودة الى أرشيف وزير الداخلية بالتشكيك الدائم بأن جنبلاط سيكون حليفاً سياسياً وانتخابياً لبيت الوسط. هو الذي قال يوماً إن «مأخذ جمهور رفيق الحريري على قيادة «المستقبل» أنه لا يزال يصدّق جنبلاط في ما يقوله أو يفعله».
فاتح ميشال عون «حزب الله»، قبل نهاية ولاية الرئيس ميشال سليمان، بتوجّهه لتعطيل مجلس الوزراء في حال عدم التزام رئيس الحكومة بشروط «نقل الصلاحيات» بعد الشغور الرئاسي. كان ردّ الحزب واضحاً «حمل لواء التعطيل غير وارد، وعليك التفاهم مع تمام سلام في الموضوع بشأن الصلاحيات».
جلسة جبران باسيل مع رئيس الحكومة لم تكن موفّقة، والدليل فشل الجلستين في الاتفاق على الآلية المطلوبة. الأهم، أن «حزب الله»، وإن بدا في الظاهر مؤيّدا لمطالب حليفه، فإنه يتصرّف على أساس أن فكرة الانسحاب من الحكومة «خط أحمر»، مثلما يرفض منطق تعطيل السلطة التشريعية.. حتى انتخاب رئيس للجمهورية، ملتقياً بذلك مع الرئيس نبيه بري الذي أدلى بدلوه في ملفات الحكومة والشغور والتشريع أمام «الجنرال» نفسه في خلوة عين التينة الأولى من نوعها بينهما، أمس، بحضور «دولة» ايلي الفرزلي.
صحيفة السفير اللبنانية – ملاك عقيل