عندما يخرج عون رابحاً من معركة خاسرة!
صحيفة السفير اللبنانية ـ
عماد مرمل:
مع قرب انتهاء مفعول التمديد السابق لمجلس النواب، والذي حُدد بسنة وخمسة أشهر، ها هم اللبنانيون امام جزء ثان من “فيلم” التمديد، في مرحلة ما بعد “الطائف”. صحيح، إن “الإقبال الجماهيري” على النسخة السابقة كان ضعيفا، إلا ان منتجيه أصروا على أن يأخذ طريقه مجددا الى “دور العرض”، برغم عدم شعبيته.
انه التمديد بـ”التقسيط المريح”، وعلى جرعات. بهذه الطريقة “يبتلعه” اللبنانيون من دون عوارض جانبية شديدة، “ويقتنص” النواب ولاية جديدة كاملة، على مرحلتين، من دون عناء كبير.
أما الذريعة فهي جاهزة “غب الطلب”: الوضع الامني لا يسمح بإجراء الانتخابات النيابية. هنا، يصبح التمديد – وفق مقاربة مؤيديه – جزءا من “متطلبات الامن القومي” اللبناني، وليس مجرد “ترف” سياسي، وبالتالي فان من يصر على إجراء الانتخابات في هذه الظروف يصبح متهما بانه مغامر ومتهور.
والارجح، ان من شأن الغبار الذي يثيره “داعش” على امتداد المنطقة وصولا الى لبنان، ان يسهل محاولة تمرير التمديد المستنسخ، على قاعدة ان كل شيء يغدو مبررا وممكنا امام “الخطر الوجودي” الذي تفرزه الجماعات التكفيرية، ولا بأس في تمديد إضافي بهدف التفرغ لمواجهة هذا الخطر، وحشد “الطاقات” ضده!
ولا يبدو ان هناك تغييرات واسعة في اصطفاف القوى السياسية وتوزع أدوارها حيال خيار التمديد، مع تسجيل تعديل واحد وهو ان الرئيس نبيه بري يعارضه بقوة هذه المرة، لان مجلسا نيابيا مقفلا وعاطلا عن العمل يجب اختصار ولايته لا تمديدها.
والاكيد ان صفقة التمديد لن تتأثر بحبات البندورة الـ128 التي أرسلها ناشطون في المجتمع المدني الى النواب، تعبيرا عن الاحتجاج على بدء “الحفريات السياسية” لبناء أعمدة هذه الصفقة، ذلك ان ما يجمع بين انصار التمديد على اختلاف مشاربهم هو عابر للبندورة ولكل أشكال الاحتجاج الاخرى.
وإذا كان “التيار الوطني الحر” هو من أشد المعارضين للتمديد، إلا انه يدرك ان معركته الجديدة ضده ستكون خاسرة، ما لم يتحقق واحد من شرطين:
– تأمين معارضة مسيحية شاملة للتمديد (تضم بشكل أساسي “التيار” و”الكتائب” و”القوات”)، بحيث يصبح من الصعب إقراره لاعتبارات ميثاقية.
– إيجاد تحالف قادر على منع مرور المشروع في مجلس النواب، عبر حرمانه من الاصوات التي يحتاج اليها.
وبرغم صعوبة المعركة، يُصر “التيار البرتقالي” على المضي فيها، ولو بقي وحيدا في المواجهة، كما يؤكد أحد قيادييه، مستحضرا في هذا السياق قصة جندي في الحرب العالمية الثانية بقي يقاتل منفردا، لانه لم يكن يعلم انه تم التوصل الى اتفاق على وقف القتال، مع فارق هو ان “التيار” يستمر في محاربة التمديد مع انه يعرف ان هناك شبه اتفاق عليه.
تجزم الرابية بأنها ستبقى خارج أي طبخة للتمديد، استنادا الى موقف مبدئي يسري على كل المواقع في الدولة، من دون ان تقيم أي وزن او اعتبار لحجة الوضع الامني التي لم تمنع سوريا ومصر من إجراء الانتخابات الرئاسية، والعراق من إجراء الانتخابات البرلمانية، وبالتالي فلا مبرر لدى البعض في لبنان لمواصلة الهروب من صناديق الاقتراع.
لا يعترف “التيار” بمقولة ان الانتخابات الرئاسية يجب ان تكون حُكما قبل النيابية، لان الانتخابات البرلمانية كانت مقررة أصلا قبل الرئاسية، وفق الروزنامة الدستورية، لولا تمديد ولاية المجلس سنة وخمسة أشهر، وبالتالي تنبغي إعادة تثبيت هذه الروزنامة، لا مواصلة العبث بها.
بالنسبة الى “التيار الحر”، الطريق الأسلم الى قصر بعبدا تمر في مجلس النواب، بمعزل عن هوية الرئيس المقبل. وعليه، يقتضي المنطق البرتقالي البدء أولا من تصحيح التمثيل النيابي، ثم يُنتخب رئيس الجمهورية من قبل نواب مكتملي الصفة التمثيلية، لان مجلسا فاقد الشرعية ومنقوص التمثيل سيُلزم اللبنانيين برئيس على هذه الشاكلة أيضا، لمدة ست سنوات مقبلة، “وهذه هرطقة سياسية ودستورية غير مقبولة.”
تساور التيار قناعة بان هناك إرادة خارجية مضمرة تقف خلف التمديد المتجدد، على قاعدة انه عندما تتفق المحاور الاقليمية والدولية يُنتخب الرئيس وتتم الانتخابات النيابية وفق مقاييس معلبة، وعندما يصعب التوفيق بين تلك المحاور كما هي الحال الآن، يغدو التمديد الخيار الاقل كلفة لها في إطار “ربط النزاع”.
ومع ذلك، يتمسك العونيون بخيارهم، مؤكدين ان نَفَسَهم طويل، خلافا لأحوال الآخرين ممن يعلنون ظاهريا عن رفض التمديد ثم يوافقون عليه في لحظة الحقيقة، كما بيّنت التجربة مع حزبَي “القوات” و”الكتائب”، وفق ما تردده أوساط في “التيار”.
يدرك العماد ميشال عون ان معركته قد تكون خاسرة سياسيا، لكنه متيقن من انه سيخرج منها رابحا في الشارع الذي سيغيّر المعادلة حين يحين الوقت لأن يقول كلمته.