عندما تترك أميركا دورها الإسرائيلي
توماس فريدمان صحافي اميركي يعارض إسرائيل حينما يرى ان سياساتها لا تسير تماماً في اتجاه المصالح الإسرائيلية. هو مؤيد لإسرائيل وللعلاقات الأميركية – الإسرائيلية ما دامت تتفق مع مصالح الأخيرة والتي لخصها بقوله إن «المصالح الإسرائيلية هي التي تحتفظ لإسرائيل بالعلاقات مع أميركا وبالهدوء الإسرائيلي».
علينا أن نضع في اعتبارنا انه حين يمضي نصف قرن على الحرب العربية ـ الإسرائيلية، فلا بد ان تكون العلاقات الاميركية ـ الاسرائيلية قد تراجعت وبدأت تفقد حيويتها السابقة. فإذا ما قارنا العلاقات بين أميركا و«حلف الاطلسي» والعلاقات بين اميركا واسرائيل أدركنا ان العلاقات بين أميركا و«الحلف» هي علاقات رسمية تتعزز بواسطة معاهدات متينة ومناورات حربية تتجدد كل عدة أشهر. أما العلاقات الاميركية ـ الاسرائيلية فإنها علاقات تفتقر إلى الروابط التعاهدية الرسمية تلك. وقد بدت العلاقات الاميركية ـ الاسرائيلية منذ حرب حزيران/يونيو 1967 قوية ومتجددة، الى ان قارب هذا العمر الخمسين سنة. بدأت بعدها تسقط الروابط القوية القديمة.
ووفقاً لما يراه فريدمان ـ في ما يكتبه في صحيفة «نيويورك تايمز» ـ فإن «علاقة الحب» التي ربطت بين اسرائيل وأميركا طوال السنوات الماضية «بدأت تتراجع بعد ان أصبح المجتمع الاسرائيلي مجتمعاً يمينياً متحمساً»، (ومتحمساً هنا تعبير يعني بالضبط «متطرفا») . ويقول فريدمان «لسنا نتعامل كما كنا من قبل مع اسرائيل الأجداد وهم لا يتعاملون كما كانوا في السابق مع أميركا. واسرائيل أصبحت مجتمعاً أكثر تديناً. فلم يعد بإمكانك أن ترى يوم الجمعة ليلا في القدس سيارة تتحرك في الشوارع، في حين كان ذلك امراً معتاداً فقط في يوم «كيبور» (رأس السنة اليهودية). المستوطنون في الضفة الغربية اصبحوا بوضوح أكثر احتراماً للدولة».
هذه اسرائيل التي يواجهها العرب اليوم. وهذه اسرائيل التي يتعامل معها العرب الذين تربطهم بها علاقات رسمية. هذه هي اسرائيل التي تتعامل معها مصر، او بالأحرى التي يتعين ان تتعامل معها بعد ثورة 25 يناير 2011، وبالأخص بعد 30 حزيران/يونيو الماضي. وهذا بمثابة بيان رئيسي يتعين علينا ان نفهم معناه. إن مصر تعود الى العالم كله ـ بما فيه اسرائيل ـ بعد كل الاحداث التي جرت فيها. ومن المؤكد ان العالم كله سيرقب القاهرة بعد الانتخابات القادمة ليرى كيف سيبدو سلوكها وما أدى اليه التغيير فيها خلال السنوات القليلة الماضية. ستفعل ذلك أميركا التي لم تكف عن مراقبة السلوك المصري طوال السنوات الثلاث الماضية ولا تزال. وستفعل ذلك اسرائيل والدول العربية والأفريقية وباقي دول العالم.
ولا بد من ان نتوقع ان تكون المهمة الاولى للرئاسة الجديدة في مصر ـ التي سيتولاها المشير عبد الفتاح السيسي بشكل مؤكد ـ بعد الانتخابات هي مراقبة العالم الخارجي وكيفية تعامله مع مصر «الجديدة»، ونخص بالذكر الولايات المتحدة وإسرائيل.
ولا بد ان نتنبه هنا الى امرين رئيسيين: اولهما ان اسرائيل تنتهج الآن سياسة تتصف بالغموض إزاء «مصر الثورة». ذلك لأن الثورة المصرية اربكت تل أبيب وهو ما ظهر بابتعاد اسرائيل عن اتخاذ اي موقف محدد تجاه مصر، يتضح منه اذا كانت ترتاح لسياستها الخارجية الجديدة. وثانيهما ان الولايات المتحدة التي راقبت مصر عن قرب، وهو ما عكسته الزيارات المتعددة والمتوالية لقادتها العسكريين إليها بصفة خاصة، تبدو اليوم أقل اهتماما بتزويد اسرائيل بالمعلومات بشأن التطورات المصرية، وذلك في إطار تراجع التنسيق بين الطرفين في الفترة الاخيرة.
إن الولايات المتحدة لا تستطيع ان تقلل من اهتمامها بدور مصر لأن التطورات في الشرق الأوسط قد زادت من أهمية هذا الدور. غير أن طبيعة الموقف الأميركي ترتبط بالتعاطي المصري المقبل مع جملة من القضايا، ومنها الأحداث في سوريا والعراق، وهذا ما لا يتصل بالضرورة بالرؤى الإسرائيلية حيال هذه المسائل.
صحيفة السفير اللبنانية – سمير كرم