عطوي وخراز: حزب الله توسّط لإطلاقنا
أقفل القضاء ملف الشيخ حسين عطوي والأخوين خراز وصواريخهم. مبرر الإفراج عنهم ربط بـ«البيان الوزاري الذي كفل حق المقاومة».
تقاطرت الوفود إلى الهبارية منذ يوم الجمعة لتهنئة الشيخ حسين عطوي بالإفراج عنه، بعد ثلاثة أسابيع من التوقيف بتهمة إطلاق الصواريخ في اتجاه فلسطين المحتلة. في الطريق إلى منزله في سفح شبعا وكفرشوبا، مرت الوفود بثلاثة حواجز تفتيش استحدثها الجيش اللبناني منذ أن أطلق المعتقل المحرر صواريخه، بهدف منع تكرار عمليات مماثلة.
عند مدخل البلدة بجوار لوحة تذكارية حمراء تخلّد شهداء الهبارية في جبهة المقاومة الوطنية، رفعت الجماعة الإسلامية لافتة ترحب بالشيخ البطل الذي هو واحد منها، وتؤكد أن المقاومة «حق للجميع وأن عطوي يمثلنا». رايات الجماعة وصور عطوي رافقتنا حتى منزله. أمامه، اصطف فتيان الجماعة في مسيرة احتفالية بالرمز الجديد المقاوم. في الباحة الخارجية، تحلّق رجال وشبان ومشايخ حول خطيب مسجد البلدة يتناولون البقلاوة. الجلباب الأبيض الذي استقبل به ضيوفه أخفى الحروق التي سببها تعطل أحد الصواريخ الستة التي نصبها في خراج الماري، فانفجر وأشعل النار في أنحاء جسده، مخلفاً جروحاً من الدرجة الثانية. لكن الاحمرار الذي لا يزال ظاهراً على يديه ووجهه، والندبة على خده، لا يُنسيان بسهولة تجربة الدكتور في علوم اللغة العربية الذي بادر من تلقاء نفسه ثأراً لفلسطين المحتلة. اللقب لا يعنيه كما لم تشكل البحوث الأكاديمية حاجزاً بينه وبين صفته الأصلية مقاوماً عسكرياً، كما يقول. وهنا يلفت نظرنا إلى أطباء ومهندسين ومفكرين سقطوا شهداء في مقاومة العدو الإسرائيلي. هو نفسه كاد أن يصبح مهندساً لو لم يحرمه اعتقاله في معتقل الخيام من امتحان الدخول إلى الجامعة قبل 26 عاماً. لذا، لم يكن غريباً على المقاوم في «قوات الفجر» التابعة للجماعة مذ كان في الثامنة عشرة، أن يؤمن ستة صواريخ وينصبها ويجهزها للإطلاق باتجاه المستعمرات الإسرائيلية. حينها، منتصف ليل 11 تموز الفائت، انطلق وحده نحو مزرعة عين عرب حيث لاقاه شخص تحفظ عن ذكر اسمه، قدم له مساعدة تقنية، قبل أن ينقله من المكان إلى منزله بعد إصابته. هناك غادر الشريك المجهول، فيما اتصل عطوي بشقيقه الشيخ عبد الحكيم الذي نقله إلى مستشفى الأطباء في المنارة. قبل ساعتين من دهم المستشفى، علم عطوي بأن أمره قد انفضح. قوة من استخبارات الجيش وصلت لتوقيفه. حالته الصحية أجّلت نقله إلى المستشفى العسكري في بيروت لمتابعة علاجه تحت الحراسة المشددة. في هذا الوقت، أوقف فرع المعلومات ابن الهبارية، سمير أبو قيس. يرفض عطوي وصفه بالشريك المقاوم. يؤكد بأن لا علاقة له. إنه «العميل الوحيد في جيش لحد الذي لم أتواصل معه بعد التحرير، لأني لم أشعر بأنه ندم على عمالته» قال عطوي. لماذا ارتبط به؟ «اشتباه مغلوط لدى الأجهزة الأمنية بسبب امتلاك أبو قيس سيارة من نوع رابيد حمراء شبيهة بالسيارة التي استخدمتها لنقل الصواريخ».
المعاملة الحسنة التي حظي بها عطوي خلال توقيفه منعته من استحضار ذكريات توقيفه في معتقل الخيام قبل 26 عاماً. فوجئ بحجم التضامن الشعبي والرسمي الذي حظي به، لدرجة شعوره بالمسؤولية «لرد الفضل والجميل». كذلك فوجئ برفض الجيش أن يدفع نفقات علاجه في المستشفى العسكري. لاحقاً، استوعب «اضطرار الدولة لتوقيفه بتهمة خرق القرار 1701 الذي يمنع نقل واستخدام السلاح في منطقة جنوبي الليطاني».
خلال حديثه إلينا، كانت أصداء النقاش بين الضيوف تحتدّ حول «داعش» وتدخل حزب الله في سوريا. يحيّد عطوي نفسه عن الآراء الحادة ضد الحزب. خطيب المسجد الذي لم يتوان عن انتقاد الحزب منذ اندلاع «الثورة السورية»، لا يزال على موقفه. ليس بدافع مذهبي أو سياسي، «بل حرصاً على المقاومة الإسلامية» التي شارك فيها خلال الاحتلال وحتى عدوان تموز، «ميدانياً واستطلاعياً وتموينياً ولوجيستياً». بفرح، يستذكر كيف كان وإخوانه يحمون مواقع المقاومة التي كانت منتشرة في المحيط. كما يكرر بـ«أمانة وصدق أن الحزب كان أحد الأطراف التي توسطت وأسهمت بإطلاق سراحي ومعاملتي جيداً». لكنه مصرّ على أن تدخل الحزب في القتال السوري «يقضي على المقاومة ضد إسرائيل التي يجب أن تكون بوصلتنا الموحدة». يرفض مذهبة المقاومة ويدعو إلى «استثمار الطاقات في الطائفة السنية المظلومة في مقاومة إسرائيل بدلاً من استغلالها من قبل التيارات الداعشية».
صدى الفرح في الهبارية لا يتردد في مخيم الرشيدية، علماً بأن «زميلي» عطوي في إطلاق الصواريخ باتجاه فلسطين المحتلة، الشقيقين حسين وخليل خراز، أطلق سراحهما أيضاً. قبيل العيد خرج حسين، ليلتحق به خليل ليل الجمعة الفائت. كعادتهما، عبر الشقيقان حاجز الجيش عند مدخل المخيم، حيث لم تكن في انتظارهما أقواس نصر ولا مسيرات ترحيبية. في المخيم غصة. يرفض الشقيقان لقاءنا. «لا داعي، يكفي ما حصل» ينقل عنهما أحد أقربائهما. خلال التحقيق معه بتهمة إطلاقه الصواريخ من سهل القليلة منتصف الشهر الماضي «تعرض خليل للضرب» يقول قريبهما، نافياً «ما اتهما به برغم بيان الجيش الذي تحدث عن اعترافهما بما نسب إليهما»، والدليل «قرار المحكمة العسكرية بإخلاء سبيلهما».
ويوضح القريب أنّ الجيش أوقفهما «بعد ضبطهما يقودان سيارة من دون أوراق ثبوتية ويسلكان معبراً غير شرعي نحو المخيم». خليل الذي يعمل في التجارة ويملك مصالح اقتصادية في أكثر من منطقة لبنانية، ينتمي أيضاً إلى حركة «حماس». الحركة آثرت الصمت منذ البداية تجاه القضية. «لم يفعلها»، قال مصدر مسؤول في الحركة. لكنه شكر «قيادة حزب الله، ولا سيما مسؤول جهاز الأمن والارتباط وفيق صفا، على جهودهما التي أدت إلى إطلاق عطوي والشقيقين خراز».
آمال خليل – صحيفة الأخبار اللبنانية