عجز أوروبي حيال أميركا والعدو.. القيادة الإيرانية تستثمر علاقاتها لوقف العدوان
موقع العهد الإخباري-
لطيفة الحسيني:
تتكثّف التحرّكات الدبلوماسية والسياسية حول العالم بهدف وقف آلة القتل الاسرائيلية في قطاع غزة. أبرز النشاطات المُسجّلة كانت في الجمهورية الاسلامية التي جال وزير خارجيتها حسين أمير عبد اللهيان في المنطقة محذّرًا أكثر من مرّة من الاستمرار في العدوان قبل فوات الأوان.
توازيًا، كانت السعودية تعمل على الخطّ نفسه، فأعلنت صراحةً مُعارضتها لمخطّط تهجير أهل غزة من وطنهم، وحثّت على وقف التصعيد في القطاع المحاصر على مسمع وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن، الذي سمع الكلام نفسه من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. رفض سعودي مصري اذًا لمشروع نكبة فلسطينية أخرى.
روسيا لم تكن بعيدة منذ اليوم الأول للعدوان، وقرّرت أن تنقل حِراكها الى مجلس الأمن، حيث قدّمت مشروع قرار لوقف فوري لإطلاق النار في الأراضي المحتلة، إلّا أن العصا الأمريكية أحبطته وأوعزت الى بريطانيا وفرنسا واليابان بالتصويت ضدّه.
كيف يمكن وصف المشهد اليوم؟ والى أيّ مدى ستستطيع الخطوات الدبلوماسية المُتلاحقة انطلاقًا من طهران أن تُجبر العدو على التوقّف عن الإجرام المُتمادي في فلسطين اليوم؟ وما هي الخيارات المُتاحة أمام القيادة الإيرانية وعواصم القرار العربية؟
الإعلامي والباحث السياسي الدكتور محمد شمص يرى في مقابلة مع موقع “العهد” الإخباري أن “الموقف الإيراني يستهدف الضغط على العدو الاسرائيلي لمنعه من الاستمرار في عدوانه، وتحذيره من أن الفرصة أصبحت ضيّقة جدًا للحلول ومن أنه اذا لم تتوقّف الاعتداءات على غزة فستتدحرج الأمور الى فتح جبهات أخرى ولا يمكن تجنّب هذا الموضوع، رسالةٌ واضحة من عبداللهيان بأن وحدة الساحات ستُترجم عمليًا عبر توسّع المواجهات اذا عجز الأمريكي عن لجم الاسرائيلي وقتل المدنيين ومواصلة التطهير العرقي”.
يؤكد شمص أن “تصريحات عبداللهيان تعني أن يد المحور على الزناد وهذا الكلام يجزم مسألة أن دول المقاومة مُستعدّة جديًا لكلّ السيناريوهات المطروحة”، ويضيف “هذا ما بيّنه من خلال لقائه بالأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله وأن كلّ السيناريوهات مطروحة لدى المقاومة بما فيها وحدة الجبهات والحرب الكبرى أيضًا”.
يعتبر شمص أن “هناك تهويلًا للدور الأمريكي بأن حاملة الطائرات الأمريكية تريد أن تُغيّر الموازين في المنطقة، غير أن واشنطن في الواقع شعرت أن القاعدة الاسرائيلية لها في المنطقة في خطر شديد وليست قادرة على معالجة الوضع، ما دفعها الى القدوم وإدارة المعركة مباشرةً”.
يستبعد شمص أن “يتدخّل الأمريكيون في الحرب بشكل مباشر على الرغم من وصول ألفيْ جندي أمريكي”، ويقول هنا إن “مجيء الرئيس الأمريكي جو بايدن الى الأراضي المحتلة يأتي لطمأنة الحليف الاسرائيلي ولتقديم الدعم المعنوي والسياسي والعسكري والإعلامي لحكومة بنيامين نتنياهو، ووضع أسقف للمواجهة، فالأمريكي لا يريد الصدام مع محور المقاومة لأنه يخشى تكاليفها الباهظة جدًا لذلك هو يتجنّب أيّة معركة كبيرة”، ويضيف “الأمريكي يريد أن يضبط خطّ المواجهة بما حدّدته حكومة نتنياهو المصغّرة بتدفيع حركة “حماس” الثمن ونزع سلاحها وصواريخها”.
أما عن التوغّل البري لقطاع غزة الذي يهدّد به جيش الاحتلال، فيُقدّر شمص أن “العملية البرية هي خيار ضروري بالنسبة لنتنياهو ولو كان محدودًا”، غير أنه يُشير الى أن “هذه الخطوة لن يُكتب لها النجاح اذا حصلت وستُمنى بالفشل، لأن “حماس” لديها أكثر من 40 ألف مُقاتل مُدرّب ويحمل خبراتٍ عالية ومُجهّز بالأسلحة الحديثة والإرادة العالية ينتظرون العملية البرية”، ويستشهد بأن “إعلام العدو يتحدّث عن أن “حماس” تستدرج “اسرائيل” للعمل البري لأنها ستُكبّدها خسائر كبيرة”.
بحسب شمص، الدبلوماسية الإيرانية تستخدم كلّ نفوذها وعلاقاتها وخصوصًا مع الدول العربية وعلى رأسها السعودية التي تجمعها بها مرحلة علاقات جيّدة بعد الاتفاق بينهما، ومع قطر والدول الخليجية وأوروبا وفرنسا.
وإذ يذكّر شمص بأن عبد اللهيان وفي تصريحه من بيروت أفصح أنه تواصل مع شخصية أوروبية رفيعة في سياق المساعي لوقف الحرب، يكشف أن هذه الشخصية هو مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الذي قال لعبد اللهيان بشكل واضح إن من يتحمّل مسؤولية هذه الحرب هي حكومة اليمين المتطرف بقيادة نتنياهو، لكن هذا الأمر لا يستطيع أن يعلنه أمام الرأي العام”.
ووفق شمص، هناك قناعة لدى الأوروبيين بأن نتنياهو ومن خلال استفراده في الحكم داخل الكيان الصهيوني واعتداءاته المستمرّة على الفلسطينيين ومواصلة البناء الاستيطاني هو الذي أدّى الى هذه المعركة.
يؤكد شمص أن أوروبا العجوز غير قادرة اليوم على اتخاذ قرار بعيد عن الموقف الأمريكي فيما يتعلّق بـ”اسرائيل”.
الموقف العربي يتقدّم اليوم ولكن يخطوات بطيئة ومتواضعة، على ما يورد شمص، ويضيف “تجميد محادثات التطبيع بين السعودية والكيان الصهيوني خطوة جيّدة، ومضمون لقاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وبلينكن يُشير الى أن المملكة تتقدّم بشكل تدريجي، وكذلك بالنسبة لقطر، حيث لمّحت بعض المصادر فيها الى إمكانية استخدام ورقة النفط، وهذا يُعتبر موقفًا إيجابيًا، كما أن الرفض المصري لتوطين الفلسطينيين والسماح لهم بالتوجّه نحو سيناء موقف جيّد، لكن هذا أقلّ ما يمكن أن يصدر عن الدول العربية”.
من وجهة نظر شمص، هذه الدول ليست مُكبّلة. السعودية ومصر تستطيعان أن تفعلا أكثر من ذلك والإمارات أيضًا. المملكة اليوم قادرة على إشهار سلاح النفط، فبالأمس عندما طلبت أميركا رفع إنتاج “أوبك”، رفضت السعودية لأن مصالحها تتعارض مع ذلك. وهنا نسأل هل تستطيع الرياض فعل ذلك مجدّدًا خاصة أن لديها الإمكانات وشراكتها مع الأمريكيين تسمح لها بالضغط في هذا الاتجاه؟
أمّا عن اللاعب الروسي، فيقول شمص إن “ما يهمّ الرئيس فلاديمير بوتين وبلاده الدور الأمريكي في المنطقة، وهو سيدعم حلفاءه في سوريا وغيرها لمنع الاعتداء على غزة، ومنع تمدّد هذا النفوذ الأمريكي”، ويعرب عن اعتقاده بأن “الموقف الروسي سيتدرّج بشكل خطوات للوقوف الى جانب محور المقاومة بمواجهة الاسرائيلي والأمريكي”.