«عباءة السيد»:جيش إسرائيل «يفصّل» وإعلامها يلبس
صحيفة الأخبار اللبنانية ـ
يحيى دبوق:
في إسرائيل «الديمقراطية»، وخصوصاً في ما يتعلق بحزب الله، يتحرك الاعلام «الحر» بكبسة زر من الجيش. «يفصّل» الناطق العسكري فيلبس الاعلام كله لتخرج الرواية موحّدة… «احتراق عباءة السيد» نموذجاً.
قبل فترة غير بعيدة، تحدث رئيس هيئة اركان الجيش الاسرائيلي بني غانتس عن سوريا ولبنان وتقديراته حولهما. وخصّ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بعبارة لاقت رواجاً غير مسبوق في الاعلام العبري، ولاحقاً في الاعلام العربي. والعبارة هي: «نيران سوريا بدأت تشتعل بأطراف عباءة نصر الله». تلقفت وسائل الاعلام الاسرائيلية، المكتوبة والمرئية والمسموعة والالكترونية، عبارة غانتس مصحوبة بتحليلات وتعليقات واسعة عن وضع حزب الله «المتأزم» والصعوبات والضغوط التي يواجهها في لبنان وخارجه. وجاءت كل التقارير، بلا استثناء، بمضمون واحد، مع لبوس يختلف في الشكل وطريقة العرض.
هذه «الحادثة الاعلامية» كانت محط تعليق مجلة «العين السابعة» العبرية، المتخصصة في نقد اداء الاعلام الاسرائيلي ومهنيته، إذ وصفت التقارير و«الفورة» في تحليل أوضاع حزب الله، في حينه، كعيّنة واضحة على تدخل الجيش الاسرائيلي في عمل الاعلام وصوغ تقاريره، وعلى انصياع الاعلاميين والمراسلين والمحللين لتعليماته. وتقرير المجلة، منشور على صفحتها على الانترنت، ويعود تاريخه الى 17/7/2013، اي بعد اسبوعين على تصريحات غانتس، وهبّة التعليقات التي اعقبتها.
تعليمات للاعلاميين
وأوضحت المجلة انه بعد تصريحات غانتس التي «اثارت الدهشة عن عباءة نصر الله»، اتصل الناطق باسم الجيش العميد يوآف مردخاي، «كما هي العادة في كثير من الاحيان»، بوسائل الاعلام ومراسليها العسكريين لتوفير معطيات لازمة لنشر تقارير وتعليقات حول هذه التصريحات، وطلب من الاعلاميين التركيز على ما سماه «المأزق الاستراتيجي» الذي يواجهه نصر الله وحزب الله. وكشفت أن تعليمات مردخاي جاءت على الشكل الآتي: أولاً، التركيز على ان المأزق الاستراتيجي لنصر الله يكمن في ثلاث ساحات هي سوريا والداخل اللبناني واسرائيل، مع الاشارة ان حزب الله يحافظ، رغم كل ذلك، على استعداده للقتال ضد اسرائيل. ثانياً، التركيز على ان حزب الله، وبعد فترة طويلة من النفي والكذب، يعترف الآن بأنه قاتل الى جانب (الرئيس السوري بشار) الاسد في سوريا، وفقد 200 من عناصره في القتال. ثالثاً، التركيز على ان نصر الله يضر بعناصر حزب الله من الشيعة، كما يحرضهم على السنة في لبنان، وبالتالي فان سلوكه يهدد اللبنانيين ويدفع البلاد الى شفير حرب اهلية.
وتناقش المجلة التعليمات الواردة فيها، فترى انه باستثناء «المعطى المهم» المتعلق بعدد القتلى المئتين، فإن اغلب معلومات الناطق باسم الجيش لم تأت بجديد. إذ لم تُفسّر عبارة غانتس حول «احتراق عباءة نصر الله»، والاسباب والموجبات التي دفعت اليها، كما لم يجر توضيح اسباب اختيار قولها في هذا التوقيت بالذات.
وكشفت المجلة ان الناطق باسم الجيش طلب من الاعلاميين صوغ النقاط الثلاث حول مأزق حزب الله في مقالاتهم كتعليقات وتحليلات خاصة، من دون نسبتها الى مصادر عسكرية. ولفتت الى ان هذه ليست حادثة نادرة او استثنائية، الا ان المقارنة ما بين مطالب الناطق باسم الجيش الاسرائيلي ودرجة استجابة الاعلاميين والمعلقين لها، تكشف حقيقة الجهة التي تقوم بالتغطية الاعلامية للمسائل الامنية، تجاه الجمهور الاسرائيلي.
وكعينات مختارة من التقارير العبرية التي صدرت في اعقاب التعليمات، تتناول المجلة مجموعة من التقارير، نشرت او بثت في وسائل الاعلام الاسرائيلية، بمختلف انواعها، وفق الآتي:
* «يديعوت احرونوت»: العنوان الرئيسي للصحيفة، في اليوم الذي اعقب اتصال مردخاي (28/6/2013)، جاء على الشكل الآتي: «رئيس الاركان: عباءة نصر الله تحترق». فيما كتب الصحافي يوسي يهوشع تقريراً تحليلياً، ضمّنه ما يلي: يواجه حزب الله، اليوم، ثلاث جبهات هي اسرائيل وسوريا والجبهة الداخلية اللبنانية. حزب الله منغمس في الحرب الدائرة في سوريا حتى العنق، وخسر حتى الان 200 من مقاتليه، بحسب تقديرات دقيقة، اضافة الى المئات سقطوا جرحى… ونصر الله يخسر صفة المدافع عن لبنان بعدما تدخل في سوريا وورط لبنان في الحرب الاهلية هناك، كما انه يخسر دعم جزء من عناصر حزبه، فيما يواصل جهوزيته ضد مقابل اسرائيل، ولم يغير من استراتيجيته ضدها.
يعني ذلك، بحسب «العين السابعة»، انه من منظور الناطق باسم الجيش، كانت «يديعوت احرونوت» ممتازة بشكل خاص، إذ دمجت النقاط الثلاث المطلوبة من مردخاي، ضمن نص تقريرها الاخباري التحليلي، من دون ان تذكر ان مصدرها هو الجيش او الناطق باسمه، وتحديدا ما يتعلق بعدد القتلى الـ200.
* القناة الثانية في التلفزيون العبري: ضمن النشرة الاخبارية المسائية، ليوم الجمعة 28/6/2013، بثت القناة تقريراً لمعلق الشؤون العسكرية روني دانيئيل، تعليقا على تصريحات «العباءة المحترقة»، وجاء فيه: «يبدو لي ان نصر الله في ورطة في الاشهر الاخيرة، اذ يجد نفسه امام ثلاث جبهات: الجبهة الاسرائيلية القائمة اساساً، وجبهة الداخل اللبناني في ساحة اشكالية جدا من جهته مع انتقادات قاسية بعد ان توقف خصومه عن الخوف منه، وجبهة الحرب في سوريا بعد ان علق مع الالاف من عناصره فيها، وجرّ لبنان اليها. لقد شهدنا اخيرا تفجيرا في احدى القرى اللبنانية على هذه الخلفية… وكل ذلك يضع حزب الله في وضع غير محتمل.. اما اسرائيل فمن جهتها، تقف جالسة بلا حراك، ويبدو لي ان هذه السياسة صحيحة…». بحسب «العين السابعة»، فان تقرير دانيئيل ممتاز من ناحية الناطق باسم الجيش، ويعد أيضا خلاقاً، اذ انه اخفى تماما مصدر معلوماته، وضمّن تقريره كل النقاط الثلاث المطلوبة بلا عبارات تنقل عن «مصادر عسكرية». وقد حرص دانيئيل على صوغ المضمون كي يظهر بأن ما يرد فيه، هي اقواله هو، لا الناطق باسم الجيش الاسرائيلي.
* «إسرائيل هايوم»: موضوع التقرير الرئيسي في الصحيفة، جاء على خلفية تصريحات غانتس، وكتبت الصحافية ليلاخ شوفال تحلل التصريحات، وورد في تقريرها الآتي: الامر يتعلق بتصريح استثنائي لرئيس الاركان، على خلفية حالة الضعف الاستراتيجي لحزب الله، ووصوله الى نقطة حضيض غير مسبوقة منذ سنوات طويلة. حزب الله يواجه ثلاث جبهات: مقابل اسرائيل وداخل سوريا وفي الساحة الداخلية اللبنانية… بحسب تقديرات الجيش خسر حزب الله 200 من عناصره جراء المعارك في سوريا، كما اصيب الالاف من عناصره.. وحزب الله ايضا مسؤول عن قتل ابرياء سوريين نتيجة لتدخله لصالح الاسد، وهذا التدخل يتعلق بالعمق السوري، كما يتعلق بمناطق حدودية مع لبنان».
تشير مجلة «العين السابعة» في تقويمها، الى ان صحيفة «إسرائيل هايوم»، نالت بحسب الناطق باسم الجيش، علامة جيد جدا، اذ ضمنت تقريرها كل النقاط الثلاث، من دون ان تنسبها لمصادر عسكرية، سوى ما تعلق بعدد القتلى المئتين، التي ردتها «لتقديرات في الجيش الاسرائيلي».
* صحيفة «معاريف»: «حللت» الصحيفة تصريحات غانتس وبحثت في اسبابها. ونشرت في صدر صفحاتها الاولى، على غرار زميلاتها من الصحف العبرية، تقريرا تحليليا، لكنها ردته الى ما سمته «مصادر في اسرائيل»، وهي عبارة، بحسب تقويم «العين السابعة»، مبهمة والتفافية، وقد تكون المصادر عسكرية او سياسية او حتى صحافية، كما يمكن ان تكون صادرة عن «نائب عربي في الكنيست».
ويرد في تقرير معاريف الآتي: «وفقا لمصادر في اسرائيل، فان لتصريحات غانتس اسباباً، وهي ان حزب الله يواجه صعوبات كثيرة ربطا بتدخله في سوريا. والحزب يواجه ثلاث جبهات: مقابل اسرائيل ومقابل المسلحين في سوريا ومقابل الداخل اللبناني، حيث تقوض موقعه في لبنان… مع ذلك، يجهز حزب الله نفسه لمواجهة اسرائيل، ويقوم بتعظيم قدراته العسكرية، ومن بينها نقل وسائل قتالية من سوريا… خسر حزب الله 200 من عناصره في سوريا، يدفنون الواحد تلو الاخر، وهو امر ليس بعيدا عن اعين الجمهور في لبنان، الامر الذي اضطره الى الاعتراف بذلك، لكنه اعلن ان تدخله يهدف الى حماية المصالح الشيعية، الامر الذي ادى الى توتر كبير من السنة في لبنان…».
بعيدا عن تحليل وتقويم الاداء الاعلامي في اسرائيل، والرواية الموحدة وانصياع المراسلين والمحللين لتعليمات المؤسسة العسكرية، السؤال الذي يطرح نفسه، بمناسبة وفي ضوء ما ينكشف في اسرائيل، هو الآتي: قياسا على الحالة الاسرائيلية، كيف نفسر هبّة التصريحات والتعليقات المتكررة والمتوالية والمنتظمة في لبنان، والتي تندفع في موجة واحدة وتوقيت واحد ورواية واحدة، شكلا ومضمونا، ضد المقاومة وحزب الله؟ المحرك في اسرائيل، كما تبين، هو الناطق باسم الجيش. فما هي الجهة المحركة في لبنان؟
إسرائيل: حزب الله عدوّنا الأكبر في الشرق الأوسط
حذّرت مصادر عسكرية إسرائيلية حزب الله ولبنان من إمكان نشوب حرب جديدة بين الجانبين «ستكون وحشية وفتّاكة على الجانبين، لكنها ستكون أشد وأقسى في الطرف اللبناني»، بحسب ما نقلت صحيفة «معاريف» أمس.
وأشارت الصحيفة الى أن الإسرائيليين «راضون عن الهدوء السائد على الحدود، بعد سبع سنوات على حرب لبنان الثانية (عام 2006)، إلا أنهم في الوقت نفسه يستعدون لمواجهة الشرارة التي ستشعل المنطقة وتسبب مواجهة جديدة»، مضيفة أن الأمين العام لحزب الله السيد حسن «نصرالله، المتورط في الوحل السوري، قد يعمد في أي لحظة الى استخدام الصواريخ الموجودة في حوزته، وبكثرة، وإطلاقها باتجاه إسرائيل». ونقلت عن مصادر عسكرية تأكيدها أن الجيش الإسرائيلي بات ــــ قياساً إلى الحرب الماضية ــــ أكثر استعداداً، وأن بنك الأهداف المجمع حول لبنان، والموجود في حوزة الجيش الإسرائيلي، ارتفع أضعافاً مضاعفة قياساً إلى السابق. لكن المصادر نفسها أقرّت بأن حزب الله أيضاً حقّق تعاظماً في قدراته العسكرية، وفي ضوء الأزمات في المنطقة، أصبح هو العدو الاكبر لإسرائيل في الشرق الاوسط.
وحذرت الصحيفة الإسرائيليين من أن الصواريخ التي ستطلق من لبنان ستكون بالآلاف، في حين أن منظومة القبة الحديدية ستعترض بعضها، ولا يمكنها تأمين الحماية طوال الوقت، «فالمسألة تتعلق بكمية كبيرة من الصواريخ لم يسبق للجبهة الداخلية الإسرائيلية أن شهدت مثيلاً لها، وسيصل تهديدها الى وسط البلاد». ولفتت الى أن «الجيش الإسرائيلي، أعدّ خططاً احتياطية فتّاكة، وسيعمل على إيلام حزب الله ولبنان أكثر بكثير مما حصل في حرب لبنان الثانية». ونقلت أن تقديرات الجيش تشير الى أن «الحرب ستكون قصيرة ومكثفة أكثر بكثير، وستتضمن ضربات فتاكة من الجو، ومناورة برية حادة، سريعة ووحشية على نحو خاص»، كذلك نقلت عن مصادر عسكرية تأكيدها أن «لا شيء في لبنان محصن في الحرب المقبلة، وقبل حوالى عام أطلقنا تحذيراً الى سكان الجنوب اللبناني بشأن ما ينتظرهم إذا ما واصل حزب الله استخدامهم لاستفزاز إسرائيل». وأكدت الصحيفة أن الحزب معني بالحفاظ على الهدوء في هذه المرحلة، وبالتالي لن يعمد الى الإسراع في العمل ضد إسرائيل. لكنها لفتت في المقابل الى أنه سيواصل إطلاق الطائرات من دون طيار في اتجاه الأجواء الإسرائيلية، وسيحاول تنفيذ عمليات ضد أهداف إسرائيلية في الخارج، وجمع معلومات استخبارية في الداخل الإسرائيلي، مشيرة الى أن «حزب الله ملزم بأن يحافظ على مكانته كمتصدر للمقاومة، وبالتالي سيحاول إنتاج الارهاب ضد إسرائيل، من دون أن يتحمل مسؤولية مباشرة عن ذلك».
وحذرت «معاريف» من تنامي قدرات حزب الله العسكرية وتعاظمها، مشيرة الى أن «القوة العسكرية التي باتت لدى حزب الله هائلة جداً، إذ إنه يملك الآلاف من الصواريخ المضادة للدروع، إضافة الى الراجمات والمدافع، وعشرات الآلاف من الصواريخ ذات مديات مختلفة». وأكدت أن الهدف الاساس بالنسبة إلى الحزب هو امتلاك «سلاح يوم الدين»، أي وسائل قتالية استراتيجية وكاسرة للتوازن، مثل صواريخ بر ــــ بحر من نوع «ياخونت»، وصواريخ دفاع جوي متطورة، إضافة الى صواريخ بعيدة المدى، وبالطبع السلاح الكيميائي، علماً بأن إسرائيل، بحسب الصحيفة، أعلنت أنها لن تسمح بذلك، بل نشرت وسائل الاعلام الاجنبية أنها قامت بعدة هجمات في الاراضي السورية ضد السلاح المخصص لحزب الله.
وحول الجهود المبذولة إسرائيلياً في المرحلة الحالية، تشير الصحيفة الى «أنهم في الجيش الإسرائيلي يطلقون تسمية المعركة بين الحربين، لتوصيف الحرب غير المعلنة الجارية حالياً بين إسرائيل وحزب الله»، مشيرة الى أن «إسرائيل تعمل على ممارسة سيادتها حتى الخط الازرق على الحدود، وتقوم بما يبعد حزب الله عن الشريط الشائك بين الجانبين، كما أن الجيش الإسرائيلي ينشط في الجيوب الموجودة على الحدود بكثافة، ويعمل استخبارياً لتنظيم أعماله وأنشطته في الميدان».
وحول الأوضاع الداخلية في لبنان، و«الضغوط الممارسة على حزب الله داخلياً»، تشير الصحيفة الى أن حزب الله بات اليوم «في الدرك الأسفل»، إذ إنه أرسل مقاتليه لمساعدة (الرئيس السوري بشار) الاسد، الأمر الذي أضعفه كثيراً، بعد أن خسر الكثير من عناصره المقاتلين في الساحة السورية، مشيرة الى أن «صورة جيش الدفاع اللبناني، التي حرص نصر الله على تطويرها، تفجرت بالفعل»، منوّهة بأن «محافل سنيّة في لبنان» تعمل على استهداف حزب الله، وتضرب في الأماكن التي تعدّ حساسة بالنسبة إليه، وقد أصبحت قواعده وقراه هدفاً للثوار، أما المواجهات بين الشيعة مؤيدي الاسد، والسنّة من معارضيه، فباتت أمراً عادياً في طرابس وبعلبك وصيدا، وحتى في الضاحية الجنوبية، معقل حزب الله، بعد سقوط الصواريخ عليها وتنفيذ عمليات فيها.
العدو والمقاومة: ارتداع متبادل
على ضوء تقارير «العباءة المحترقة»، يمكن فهم تقرير صحيفة «معاريف»، المنشور أعلاه. ولا يبعد أن يكون رسالة جديدة للناطق باسم الجيش الإسرائيلي، على غرار الرسائل التي سبقتها. هذه المرة، الرسالة في اتجاهين: الأول، ردع حزب الله لمنعه من المبادرة إلى شنّ أي عملية ضد إسرائيل مهما كانت الظروف والضغوط. والثاني موجه إلى الداخل بهدف طمأنة الإسرائيليين إلى أن الوضع تحت السيطرة، وأن الجيش قادر بالفعل على حسم أي حرب سريعاً، وتكبيد الطرف الآخر أكلافاً باهظة. مع ذلك، في الرسالة الإسرائيلية المزدوجة، كما وردت في «معاريف»، إضافة الى مواقف وتصريحات وتقارير نشرت في الايام القليلة الماضية، إشارات واضحة إلى الخشية الإسرائيلية من الحرب وإلى ضرورة الابتعاد عنها. وفي ذلك يمكن الإشارة الى الآتي:
أولاً، الهدوء الأمني المتواصل منذ سبع سنوات على الحدود حقيقة لا يمكن إنكارها. ولو صحّت الرواية الإسرائيلية بأن الهدوء ناتج من ارتداع حزب الله، فستكون الرواية نصف الحقيقة فقط، إذ في الوقت نفسه، تمتنع إسرائيل، طوال هذه السنوات، عن شنّ اعتداءات على لبنان، وهو امتناع لا يمكن وصفه، رداً على مصلحة إسرائيل في ضرب حزب الله ومنع تعاظم قدراته وتهديده، إلا بكونه ارتداعاً من طرفها.
وإشارة تقرير «معاريف» الى أن حزب الله بات التهديد الاول لإسرائيل في الشرق الاوسط، كاف للدلالة على الارتداع.
ثانياً، تدرك تل أبيب، وهو واضح من التقرير ومما سبقه من تصريحات، أن الدمار الذي سيلحق بإسرائيل سيكون هائلاً، مع التأكيد أن وسائل الدفاع الموجودة، كمنظومة القبة الحديدية وغيرها، غير كافية لتحول دونه. والتقليل من أهمية هذا الدمار غير المسبوق بالحديث عن أنه سيكون أكبر وأشمل لدى الطرف الآخر لا يغيّر من الحقيقة والواقع شيئاً.
ثالثاً، يبدو واضحاً من تقرير معاريف، ومما سبقه، رهان تل أبيب على إمكان تدهور الأوضاع الامنية في لبنان نحو مواجهة واقتتال مذهبي، سنّي ــــ شيعي، من شأنه أن يضعف حزب الله ويقلص من تهديده، ربطاً بانشغاله بحروب ومواجهات داخلية. وفي ذلك إشارة في اتجاهين: ان إسرائيل ستنتظر مآلات هذا الرهان حتى آخره، باعتباره خياراً بديلاً من حرب تخشاها. وفي الوقت نفسه، يثير هذا الرهان تساؤلاً حول «استكلاب» البعض في لبنان على تحقيق الرغبة والمصلحة الإسرائيليتين، وإيصال الأوضاع الداخلية الى حد الاقتتال المذهبي، من خلال التحريض والفوضى وغيرهما، الأمر الذي يثير أكثر من علامة استفهام عن التابعية السياسية لهؤلاء، والاجندة التي يريدون تنفيذها.
رابعاً، في الاطار نفسه، يشار الى وجود ارتياح إسرائيلي واضح لتصريحات بعض المسؤولين اللبنانيين ضد حزب الله، وللأجواء التحريضية الناتجة منها. وهذا الارتياح جرى التعبير عنه في التقرير الأخير لمعاريف، وعبّر عنه أكثر من مسؤول إسرائيلي في الفترة الاخيرة.
خامساً، الحقيقة البارزة من تقرير معاريف ومن إقرار قائد المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي مائير غولان، إدراك تل أبيب أن انشغال حزب الله في ساحات أخرى، سوريا والداخل اللبناني، هو حتى الآن، بالمستويات القائمة حالياً، لا يضر بجاهزيته واستعداده لخوض مواجهة واسعة معها. بل هناك إقرار واضح بأن تعاظم تهديد حزب الله يتزايد مع الوقت ويوماً بعد يوم، وهو ما يطرح علامة استفهام حول حقيقة عمل إسرائيل ضد حزب الله في ساحات بعيدة، وحول صحة التقارير الصادرة عن غارات تطال وسائل قتالية تابعة له خارج لبنان، بينما تمتنع عن استهدافه في الساحة اللبنانية، حيث مكونات تهديده الرئيسية؟ وهي إشارة ودليل على الارتداع، بطبيعة الحال.