عادت الجاهلية بثوب القداسة
موفع إنباء الإخباري ـ
محمد الكعبي*:
عادت الجاهلية من جديد وهي ترتدي ثوب القداسة وتغطي قذارتها بثوب النزاهة، وتضع العطور لتخفي رائحتها النتانة، وهي تحمل بين طياتها القتل والإقصاء، إنها متطورة بأفكارها ونظرياتها المقلوبة وتفرض رؤيتها بالقهر والإجبار، فعبرت البحار بشركاتها الكبرى واستثماراتها العظمى وإعلامها المخادع، جاهلية اليوم بيدها السلطة والقانون والاعلام والتعليم.
زحفت الجاهلية بكل قوتها لتسحق القيم الخيّرة، فحرفت الكلمة واسكتت الأصوات الحرة فقطعت ألسنتهم بالمال والسيف، جاهلية اليوم تكره الحوار والنقد والرأي الآخر، ولا تريد أن تسمع غير نفسها، إنها جاهلية الأحزاب المنحرفة والعادات البائسة والشخصيات المتسلطة التي تحمل الدين عنواناً والوطن شعاراً والديمقراطية كذباً ونفاقاً، وتنادي بالحرية وتطالب بالمساواة زوراً، فسرقت الوطن ومزقت الشعب ودمرت الاقتصاد، بل نهبت كل شيء باسم الله ومن يخالفها يقتل باسم الله.
(هبل ومناة) ما زالت بيننا منصوبة، وتسكن القصور العالية، وتحميها سيوف الجهلة، وتصفق لها الرعاع المتكثرة، هبل قريش كانت يده مكسورة، وهبل اليوم صنعنا له يداً من حديد ليضربنا وسوط ليجلدنا، فالكثير أعمى لكنه لا يدري أنه أعمى، إنه مرض العصر.
إننا أمام جائحة فقدان البصيرة، فنحتاج إلى طبيب يزيل عنا العمى بعملية جراحية ويكتب لنا وصفة المعرفة لنستشرف المستقبل ونستعد للمواجهة ونرتب ما ينبغي تحقيقه، علينا أن نبصر ولا نكون عميانا. لا نريد أن نجاور الحجارة الصماء مع أٌناس لا يعون إلا التبويق لأئمّة الضلال، أئمّة لا همّ لهم الا إفساد البلاد والعباد، يسفهون العقول ويجهلون الناس من أجل إرساء دولة الكفر، {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ}، وقد وجدت الجاهلية لبضاعتها الفاسدة وافكارها المنحرفة رواجاً بين الذين لا يسمعون ولا يرون ولا يعقلون {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ}.
لقد لبس الشيطان ثوب الشرف ليغشنا وتكلم بلسان الوطن ليمزقنا، فتعساً لهم ولدينهم الذي رسمته عقولهم المتحجرة، حتى أصبح الإنسان سلعة تباع وتشترى في اسواق السياسة، فتذبح الشعوب باسم القانون وتُغتصب الأعراض باسم الحرية وتهتك الحرمات باسم الديمقراطية وتهدر الكرامات في أروقة المنظمات الدولية والهيئات الأممية، وعلى طاولة المفاوضات تباع البلدان.
الجماعة الصالحة هي من تعرف قيمة المعرفة لأنها تصالحت مع ذاتها ومجتمعها ومع الله تعالى، واستطاعت ان تتحرر من أسر الأفكار المتجمدة وحدودها الضيقة فانطلقت في أفق المعرفة وتقدمت في ساحة الانسانية وحلّقت في سماء الحوار والتحليل والاستعداد لتقبل الآخر، فسعت لتغير الإعدادات التي فرضتها الجاهلية وتكسر قيود التحكم الصنمي، ليتحرر العقل من سجنه، فالحياة مستمرة, لن يتوقف العلم ولن تتوقف الجاهلية فهي حرب مستعرة ليس فيها هوادة.
أما آن الاوان لِأن نتخلص من الصنم ونسحقه بأقدامنا فانه من ورق ونحن عملقناه، لا بدّ من إعادة النظر بمناهجنا التعليمية وقوانيننا الوضعية وإعلامنا الهابط وترميمها وإعادة صياغتها بما ينسجم مع متطلبات العصر ويحقق النصر على العادات والأفكار والصور المتخلفة، علينا أن نطالب المسؤول بالمنجز ونترك الشعار، ولا بدّ من الثقة بما نملك من رصيد معرفي، والعودة إلى الله تعالى والا سحقتنا الجاهلية بحوافرها.
*كاتب عراقي