طهران في جنيف
صحيفة البناء اللبنانية ـ
نور الدين الجمال:
دبلوماسي عربي، في معرض تعليقه على ما جرى في افتتاح مؤتمر «جنيف ـ 2»، يعتبر أن وزير الخارجية السوري وليد المعلم أسقط كلاً من وزير خارجية أميركا جون كيري والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بالضربة القاضية ومن الجولة الأولى، حيث إن الحقائق التي وردت في كلمة المعلم أربكت نظيره الأميركي وممثلي الدول التي شاركت في الافتتاح، وجعلته يخرج عن طوره نتيجة التوتر الذي كان بادياً على وجهه وتصرفاته والمواقف التي أعلنها في الافتتاح وفي المؤتمر الصحافي الذي عقده، في محاولة منه للردّ على الوزير السوري وترميم بعض المواقف التي أطلقها في كلمته بشأن الملف السوري وكيفية التوصل إلى حلّ سياسي للأزمة السورية، بالإضافة طبعاً، إلى الانطباعات المماثلة لوزراء خارجية الدول الغربية والعربية المتورّطة في العدوان على سورية.
في المقابل، لم تفاجئ الكلمات التي ألقاها ممثلو الدول العربية والغربية بالإضافة إلى رئيس ما يسمى بالائتلاف الوطني، الوفدَ الرسميّ السوريّ، وتبين أنها جميعها تصبّ في الهدف نفسه، وهي وتكرار لمواقف سابقة جاءت على لسان المسؤولين في تلك الدول، خصوصاً لناحية التطاول على مقام رئاسة الجمهورية السورية والتلفّظ بعبارات وكلمات خشبيّة وممجوجة. إلا أنّ الوفد السوري برئاسة الوزير وليد المعلم، تعاطى مع الموضوع بشكل هادئ ورصين، على عكس ما أصاب هؤلاء من توتر وتشنّج وتعصيب أفقدهم توازنهم في التعاطي مع كلمة المعلم.
ويعتبر المصدر الدبلوماسيّ أن وزير خارجية روسيا لافروف، هو رجل دولة بكل ما للكلمة من معنى، وهو مثّل الرؤية الروسية حيال الأزمة السورية أصدق تمثيل، والتي لم تتزحزح منذ بداية الأزمة حتى اليوم، والقائمة على مبدأ الحفاظ على الشرعية الدولية ومنع تغيير الأنظمة بالقوة وحق الشعوب في تقرير مصيرها، ولذلك أكد لافروف في افتتاح مؤتمر جنيف على أن الشعب السوري هو الذي يقرر مصيره ومستقبل بلاده، ودورنا يقتصر على مساعدتهم بشأن الحوار في ما بينهم لتحديد مستقبل بلدهم، وقدّم نفسه كوسيط، على عكس كيري الذي تحدث بلسان المعارضة المتطرفة. كما تبين أن كلمة الأمين العام للأمم المتحدة كانت سيئة وغير موضوعية عندما حاول تحميل الدولة السورية مسؤولية ما يحصل، وإن بطريقة غير مباشرة.
ويقول المصدر أنه ظهر من خلال كلمات الوفود التي شاركت في الافتتاح، أن هناك رؤيتين، واحدة تحاول إعادة الزمن إلى الوراء، أي إلى زمن انعقاد جنيف الأول وأن تتجاهل ما حصل في الميدانين السياسي والعسكري، وهذه الرؤية يمثلها الأميركي والدول التي تسير في فلكه، بالإضافة طبعاً إلى وفد المعارضة، حيث لم يتطرق أحد منهم إلى الجرائم التي ترتكبها المجموعات الإرهابية، بل على العكس جاءت مضامين كلماتهم لتغطي الإرهابيين ومجازرهم التي يرتكبونها بحق الشعب السوري. أما الرؤية الثانية فهي التي يمثلها الوفد الرسمي السوري، والتي عبر عنها المعلم بكل وضوح والتي أزعجت كثيراً نظيره الأميركي وجعلته يتصرف بعصبية من خلال ردود الفعل التي أبداها في المؤتمر الصحافي الذي عقده خصّيصاً للرد على المعلم وإن كان في جزء منه حاول ترميم بعض ما ورد في كلمته الافتتاحية.
الأميركي أراد أن يسترضي السعودية بأي شكل، لإجبارها على حضور المؤتمر، واضطرّ لتركيب وفد المعارضة بمن حضر. وهو لذلك تراجع عن الاتفاق الذي عقده مع الروسي بشأن دعوة إيران لحضور المؤتمر، ومن ثمّ تمّ سحبها من قبل الأمين العام للأمم المتحدة استرضاء للسعودية، وظهر الأميركي من خلال مواقف الوزير كيري وكأنه يسحب نفسه من الاتفاق الذي أبرمه مع الروسي. إلا أن ما هو لافت للنظر، أن بعض المسؤولين الأميركيين الذين كانوا ضمن الوفد الأميركي كانت مواقفهم مختلفة عما قاله الوزير كيري، ولذلك ترى أن الإدارة الأميركية ما زالت مربكة وتتخبّط، نتيجة هذه المواقف المتناقضة.
من هنا تبين أن هناك محاولة أميركية ـ سعودية ـ قطرية وتركية لإعادة الزمن إلى الوراء، على الرغم من عدم اعترافهم بأنه منذ جنيف الأول وحتى موعد انعقاد جنيف الثاني حصلت تطورات كبيرة، في الميدان وفي السياسة، ولذلك فإن «جنيف ـ 3» ستكون ظروفه أيضاً مختلفة عن جنيف الأول والثاني، في حال عقد.
يقول المصدر: في جنيف الأول لم تكن سورية مشاركة في المؤتمر، وكانت لديها تحفظات على بعض البنود وأيدت بنوداً أخرى، والوضع الميداني لم يكن كما هو اليوم لصالح الدولة السورية، مدينة القصير لم تكن تحررت، وكذلك مدينة حمص وفي حلب وريفها وأيضاً في درعا، كما أن المجموعات المتطرفة مثل «داعش» و»النصرة» لم تكن قوية على الأرض، وفي المقابل الجيش السوري أخذ المبادرة وحقق إنجازات كبيرة والمصالحات قائمة على قدم وساق، كذلك في جنيف الأول لم يكن هناك حوار أميركي ـ إيراني.
يضيف المصدر: افتتاح جنيف الثاني كان أشبه بمهرجانٍ فولكلوري ضمّ جوقة من المزمّرين والمطبِّلين، ولذلك لم يردّ لافروف على الخطابات التي ألقيت مع العلم أن مضامينها كلها تتناقض مع بنود جنيف الأول. من هنا فإن وفد المعارضة الذي حضر لا يمثل المعارضات السورية الأخرى، والإشارة التي تحدث عنها وزير الخارجية المصري حول إشراك جميع قوى المعارضة هو الذي سيحصل في المستقبل. كما أن لافروف أبلغ بعض قوى المعارضة الداخلية وهيئة التنسيق أن وفد المعارضة الحالي لن يبقى كما هو، وأن الأمور مستقبلاً تتجه إلى توسيع رقعة المشاركين من المعارضة السورية في الداخل والخارج.
وعن الموقف الإيراني من مسألة توجيه الدعوة إليه ومن ثم سحبها، يقول المصدر، أن إيران غير متحمّسة لمؤتمر جنيف الثاني، خصوصاً وأن الروسي والسوري والإيراني متفقون على كل الأمور، ولا بد من الإشارة إلى ذهاب الوزيرين الإيراني والسوري إلى روسيا على الطائرة نفسها، والإشارة أيضاً إلى الصورة التي وُزّعت حول تشابك الأيدي ورفعها بين لافروف والمعلم، كل هذه الإشارات واضحة المعالم والخلفية. ولذلك، سواء حضر الإيراني أو لم يحضر، فإن الروسي والسوري أبلغا القيادة الإيرانية أنه لا يمكن أن تطبخ أية حلول من دون مشاركة وموافقة إيران وعلى مدار الساعة، وسيكون التواصل قائماً بين الروسي والسوري من جهة مع الجانب الإيراني لوضعه في كل التطورات.
ويختم المصدر: جنيف الثاني هو جزء من المعركة السياسية والعسكرية وإن كان معركة عسكرية بوجه آخر، والمعركة مستمرة طالما يوجد إرهابيون على الأرض السورية، والقيادة السورية ممثلة بالرئيس بشار الأسد، لن تتخلى عن حماية شعبها ومؤسساتها مهما كان حجم المؤامرة.