“طنجرة الضغط” الإسرائيلية تفشل أمام سيكولوجية المقاوم الفلسطيني
موقع قناة الميادين-
حسن لافي:
يمتلك الجيل الشاب الفلسطيني عمق الفكرة بصوابية خيار المقاومة والاشتباك مع الاحتلال الصهيوني كخيار وحيد وأوحد وأكثر نجاعة، لمواجهة الكيان الإسرائيلي الاحتلالي والإحلالي الاستيطاني التهويدي.
يفتح استبسال الشباب الذين حوصروا في البيت داخل حي القصبة في مدينة نابلس، وإصرارهم على المواجهة وعدم تسليم أنفسهم، الباب واسعاً أمام تحليل التكوين النفسي والعقلي لهؤلاء الشباب، خاصة أنها باتت ظاهرة متكرّرة في مواجهة الشباب الفلسطيني المقاوم للاعتقال من قبل الجيش الإسرائيلي.
فرغم عملية المباغتة الأولى من قوات “اليمام” الخاصة، التي حاولت إلقاء القبض عليهم، ومن ثم خوض معركة لأكثر من 3 ساعات من الاشتباك والقتال، استخدم فيها الجيش الإسرائيلي كثافة نيران عالية، مع قصف البيت بالصواريخ، وإلقاء قنابل الغاز السامة، بواسطة الطائرات المسيّرة، وكل ذلك تقوده قوات النخبة من لواء “جفعاتي” و”اليمام” ووحدات الشاباك الخاصة لتطبيق ما يسمّى استراتيجية “طنجرة الضغط” العسكرية الإسرائيلية.
ورغم كل ذلك رفض الشهيدان حسام اسليم، ومحمد عمر أبو بكر تسليم نفسيهما، كما فعل سابقاً الشهيدان إبراهيم النابلسي ووديع الحوح، واشتبكا مع القوة الإسرائيلية، وهما مدركان أن مصيرهما الشهادة، ولكنهما أرسلا وصاياهما إلى الشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية بأنهما ذاهبان للشهادة بكل ثقة، وأنهما سيكونان مع الشهداء في اليوم ذاته. فلم ترتبك أصوات كلمات وصاياهما، ولم ترتجف رغم أنها مسجّلة صوتياً في ظل المعركة والاشتباك، بل كانت عميقة بعمق انتمائهما لفلسطين وللشعب وللمقاومة، ما يؤكد عدة أمور في طبيعة وتركيبة سيكولوجيتهما الوطنية التعبوية، أهمها:
أولاً، الجيل الشاب الذي يخوض المقاومة والانتفاضة في الضفة الغربية، جيل يحب الحياة، ويحب أمهاته، ويتغنى بذلك، ويستخدم مواقع التواصل الاجتماعي، وينشر فيديوهاته ضاحكاً وممازحاً، لابساً هنداماً حديثاً، وتُظهر الفيديوهات طريقة حياته المليئة والمفعمة بالحياة والأمل. وليس جيلاً عدمياً يائساً أو محبطاً اقتصادياً، كما تروّج لذلك الأقلام الإسرائيلية الساعية نحو تشويه نموذج هؤلاء الشباب الفلسطيني الجديد والمتجدّد.
والأخطر أن تلك الأقلام تحاول إبعاد تفكير العالم بأسره عن حقيقة الحقائق وهي أنّ وجود الاحتلال الإسرائيلي بكل ما يحمله من عدوان على الشعب الفلسطيني والأرض والمقدسات وحتى أحلام الأجيال الشابة وتطلعاتهم لحياة كريمة كباقي شباب الدنيا، هي الدافع الأول والأهم لدى هذا الجيل الشاب الفلسطيني بألّا يقبل التعايش مع الاحتلال مهما كانت التضحيات ومهما كان التحدي.
ثانياً، يمتلك الجيل الشاب الفلسطيني عمق الفكرة بصوابية خيار المقاومة والاشتباك مع الاحتلال الصهيوني كخيار وحيد وأوحد وأكثر نجاعة، لمواجهة الكيان الإسرائيلي الاحتلالي والإحلالي الاستيطاني التهويدي. عمق الفكرة لم يأت من التنظير الفلسفي النظري، ولا من قراءة الكتب والمقالات السياسية، بل من تعبئة يومية من خلال ممارسات الاحتلال وقطعان المستوطنين، وآلة البطش العسكرية الإسرائيلية، على طول الضفة الغربية والقدس.
فكل مرة يمر هذا الشاب الفلسطيني عبر حواجز الموت وتقطيع أوصال القرى والمدن الفلسطينية، يدرك أن هذا الاحتلال قادم لقتله ومنعه من ممارسة حقه في الحياة، مع كل بؤرة استيطانية تدشن على الأرض الفلسطينية، تسرق من هؤلاء الشباب فرصة لتنمية حياتهم واقتصادهم، ويزداد الخناق على آماله وأحلامه وتطلعاته المستقبلية.
أضف إلى ذلك أن سماح “إسرائيل” لسكان الضفة الغربية اختراق جدار الفصل العنصري والذهاب إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، لأهداف سياسية صهيونية، تنبع من إزاحة وتمييع الخط الأزرق تمهيداً لضم الضفة الغربية، وعلى مستوى الوعي أرادت “إسرائيل” إجراء عملية كي للوعي للأجيال الشابة الفلسطينية، من خلال مشاهدتهما للمدن والبنايات والطرق ورفاهية المعيشة داخل الكيان، ليصل هذا الجيل الشاب إلى قناعة أنه لا يستطيع هزيمة “إسرائيل”، وأن فكرة محاربتها وتدميرها فكرة غير قابلة للتطبيق بل فكرة طوباوية تكذّبها الوقائع.
وبالتالي يصبح أمام هذا الجيل أحد خيارين لا ثالث لهما، إما أن يهاجر ويخرج من أرضه وقضيته ويذهب لتحقيق تطلعاته الحياتية في مكان آخر خارج فلسطين، وإما هذا الشاب يتقبّل الواقع المزعوم ويصبح أفضل أحلامه أن يشتغل في المستوطنات الإسرائيلية داخل فلسطين المحتلة، مبتعداً عن أي تفاصيل لها علاقة بالبعد القومي والحقوق الجماعية لشعب فلسطيني تحت الاحتلال.
لكن ما حدث من هذا الجيل هو العكس تماماً مما أراده المخطّط الإسرائيلي، تلك المشاهد وعودة الشباب إلى يافا وعكا وحيفا وباقي فلسطين المحتلة عام 48، طرحت عليهم السؤال ذاته الذي نعتقد أنه سؤال عابر للأجيال الفلسطينية منذ النكبة الفلسطينية عام 1948، لماذا نعيش في المخيم؟
وتزداد الأمور تعقيداً مع ربط قصص وروايات الأجداد والآباء عن (البلاد) الفترة التي سبقت النكبة، وعند ذلك تحدث مقارنة ثلاثية الأركان، بين واقع المخيم المعيشي الصعب، في ظل الاحتلال الإحلالي، وبين مشاهد متخيّلة صادرة من روايات التغريبة الفلسطينية باتت سرمدية داخل الوعي الفلسطيني لا يمكن محوها، وبين مشاهد حية رآها الشباب عند السماح لهم بدخول فلسطين المحتلة عام 48، ومشاهدتهم لهؤلاء المستوطنين شذاذ الآفاق يتمتعون في الأرض الفلسطينية والخيرات الفلسطينية التي هي ملك للشعب الفلسطيني المحشور في زوايا المخيمات وضيق الاحتلال.
لذلك من متابعة أغلب فيديوهات الشهداء من الجيل الشاب تجده زار تلك المدن الفلسطينية المحتلة، ولكن هذه الزيارة كانت بمثابة تعبئة وطنية بامتياز في جذور القضية الفلسطينية بكامل تعقيداتها لهذا الجيل الشاب بطريقة يفهمها ويدركها بعيداً عن تلك الأساليب التعبوية القديمة.
ثالثاً، يمتلك الجيل الشاب عقلية سياسية مختلفة، فالسياسة لديه نابعة من البحث عن القدرة على تغيير الواقع الفلسطيني الحالي، وليست نابعة من التنظير لهذا الواقع السياسي الفلسطيني الحالي.
أضف إلى ذلك أن الأواصر المجتمعية والثقافية لدى هذا الجيل الشاب أهم من الروابط السياسية والتنظيمية والأيدلوجية، وبالتالي لديه القدرة على القفز عن أهم آفة أصابت الجسد الفلسطيني السياسي، وهي الانقسام سواء بالبرامج السياسية المطروحة، أو حتى بإدارة حكم السلطة تحت الاحتلال.
هؤلاء الشباب الفلسطيني ليس لديهم مشكلة في تحديد البرنامج الوطني المؤطّر لفعله النضالي، فهو مدرك أن العدو المركزي والأساسي له هو الاحتلال الصهيوني، وأنه ما زال يخوض مرحلة التحرّر الوطني، وأن الطريقة الوحيدة لمجابهة الاحتلال هي المواجهة المفتوحة عسكرياً وشعبياً، وألّا إمكانية للتعايش مع الاحتلال الإسرائيلي.
وهؤلاء الشباب ليست لديهم إشكالية في خوض المعركة موحّدين تحت شعار فلسطين والقتال وفي ظل علم فلسطين، بعيداً عن الحسابات التنظيمية والفصائلية، بل على العكس تلك المجموعات العسكرية المنظمة باتت نموذجاً للوحدة الوطنية، والجيش الشعبي الذي يستطيع أي شاب مهما كان توجّهه السياسي والأيديولوجي الانتماء إليه ومقاومة الاحتلال الإسرائيلي، والشواهد عديدة وأبرزها مجموعات عرين الأسود في نابلس، ومن قبلها فكرة تأسيس كتيبة جنين وفتحها الباب للتعاون مع الجميع في عملية المواجهة مع الاحتلال.