شـــرق أوســـط جديـــد برؤيـــة سعوديـــة
النظــام يولــد مـن الفوضــى نجحت الإدارة الأمريكية في سرقة ثورات ربيع الشعوب، ففرضت أنموذج الإسلام السياسي الإخواني في تونس ومصر، وبشكل صوري في المغرب، لكنها فشلت في ليبيا واليمن رغم تغيير الأنظمة، ثم اصطدم قطارها بأسوار دمشق المنيعة.
دخلت السعودية على الخط خوفا على عرشها فأجهضت المشروع الأمريكي في المنطقة.
قالت إسرائيل: “الديمقراطية لا تصلح للشعوب العربية”، فبدأ عهد ذهبي جديد من التحالف السعودي الإسرائيلي لتغيير قواعد لعبة الأمم وفق رؤية جهنمية لشرق أوسط جديد بعيدا عن الوصاية الأمريكية وانطلاقا من نظرية “النظام يولد من الفوضى”.
شرعيــة مـن لا شرعيــة لــه ومعلوم أن للسعودية عدُوّان لا ثالث لهما، الشيعة و الإخوان، وتعتبرهما يمثلان تهديدا وجوديا لنظامها وشرعية زعامتها المزعومة للعالم العربي والإسلامي “السني”.
وهو الزعم الذي يكذبه تاريخ التآمر السعودي على القومية العربية منذ عهد جمال عبد الناصر وحافظ الأسد، ويفضحه تكالب الوهابية على الإسلام وسنته، لأن السنة بالنسبة للوهابية لا تعدو أن تكون مجرد إديولوجيا عنصرية تلغي الرسالة السماوية وسنة الرسول الكريم محمد (صلعم)، وتستعيض عنهما بسنة زمنية وضعتها لها بريطانيا من خلال ما أسمته بـ”السياسة الدينية الوهابية”، لتكون على مقاس النظام خدمة للإستعمار والصهيونية معا.
والسنة في تعريف الوهابية هي تطبيق الشريعة التلمودية على المستضعفين من الرعية وإعفاء الأمراء والأكابر أصحاب الدم الأزرق، ورثة عقيدة النبي الدجال ‘محمد بن عبد الوهاب’ الذي بشره الإنجليز بأنه نبي عصره ووارث سر الإسلام، فصدقهم من جهله وغبائه.
ولفهم الفرق بين شرع الله والشريعة الوهابية، تكفي معرفة أنه إذا كانت عدالة الله ليست كعدل البشر، فيجب بالمقابل، أن لا نجعل من العدالة البشرية عدلا إلهيا.
هذه الحقيقة المبدئية والبديهية تتجنبها الوهابية، لأن من شأن فتح باب النقاش حولها أن يعيد مقولة الخوارج “لا حكم إلا لله”، والتي قال عنها الإمام علي كرم الله وجهه “كلمة حق أريد بها باطل”، لأن الله لا يحكم بين الناس في خلافاتهم الدنيوية، وهم بحاجة لأمير عادل وثقي يقوم بذلك وفق ما تقتضيه أصول العدل وفقه الإجتهاد والعرف الجاري.
ولو كان صحيحا ما تقوله السنة من أن الشريعة هي تطبيق لشرع الله، فلماذا فتح فقهائها الإجتهاد من مدخل “مقاصد الشريعة” و “الضرورات تبيح المحضورات” و “دفع المضار أوجب من جلب المنافع”.
ليشرعوا ما لا وجود له في كتاب الله ولا في سنة نبيه الصحيحة بحكم تجدد الحوادث الزمنية التي تختلف من عصر إلى عصر؟.
هكذا فعل اليهود من قبل، وهذا مأزق آخر لا تعرف السنة الوهابية كيف تخرج منه، وترفض الخوض فيه وتتهم من يجابهها بمثل هكذا قضايا مسكوت عنها وممنوع التفكير فيها بالكفر والإلحاد (كذا).
والواقع أن آخر هم النظام السعودي التيوقراطي الرجعي هو تطبيق العدل بقدر ما يهمه استغلال الإديولوجيا لتدجين الأتباع وفرض رؤيته المتخلفة واللا زمنية للسياسة والتاريخ على العرب والمسلمين، ومن أجل ذلك، لا يستطيع النظام السعودي الإستمرار في فساده وإستبداده من دون خلق أعداء وهميين وتصدير أزماته الداخلية لدول الجوار، من منطلق الإختلاف الإديولوجي بعد تحويله إلى خلاف ديني يمس ثوابت العقيدة ويشرع الباب لدعوات التكفير والقتل والتهجير.
لذلك، نلاحظ أنه كلما شعرت مملكة الظلام بتغيُّر يحصل على مستوى الوعي والإدراك لدى جماهير الأمة بحكم صيرورة الأحداث وتطور المفاهيم، إلا وسارعت لإستدعاء الفتنة من مقبرة التاريخ، لتنادي بتصفية حساب الأجداد مع المستضعفين الذين ظلمهم الأجداد من قبل، ونقصد بذلك ‘يزيد’ ورهطه (لهم من الله ما يستحقون) و’الحسين’ وصحبه (عليهم السلام).
وبحكم اللغة العربية التي نزلت بها الرسالة، وبحكم إنتماء آل سعود إلى الصعاليك من أعراب نجد الذين قال فيهم تعالى أنهم أشد كفرا ونفاقا، وبحكم احتكار خدمة الحرمين الشريفين بالسيف والقهر، تعتقد مملكة الخيانة والفساد أن لها حق قومي وديني وتاريخي يخولها زعامة العرب والعجم من المسلمين، وهذا عين الجهل بالإسلام وبجوهر رسالة الرسول الأعظم (صلعم) الذي بعثه الله داعيا ومبشرا ورحمة للعالمين، لا حاكما مسيطرا ومهيمنا.
أســس الشأأرق الأوســط الجديـــد وحيث أن الأسس الإديولوجية التي تقوم عليها العقيدة الوهابية هي ذاتها الأسس التلمودية التي تقوم عليها العقيدة اليهودية المزورة، فهناك تقاطع في الرؤية السياسية بين الوهابية التكفيرية والصهيونية الفاشية، تقتضي العمل سويا على المستوى السياسي والإجتماعي والإقتصادي بسلاح الإديولوجية لفرض واقع جيوسياسي وسوسيوثقافي يسلم بالنظام السعودي كدولة “مركز” مهيمنة، وبإسرائيل كدولة “يهودية” نقية، وما عداهما مجرد مماليك ومشيخات في خدمتهما.
وهو الأمر الذي يستدعي ضرب مكامن القوة في الأمة العربية والإسلامية، وتفتيت جيوشها القوية، ودولها التريخية، وتفكيك مجتمعاتها على أسس طائفية ومذهبية بتفجيرها من الداخل بالصراعات الفتنوية، وصولا إلى تقسيم دولها إلى إمارات وممالك ومشيخات ضعيفة تابعة.
فشل المخابرات الغربية ونجاح الإديولوجيا الوهابية قد نتفق مع الكاتب السعودي ‘جمال خاشقجي’ الناطق بلسان حال وزير الداخلية السعودي حين يقول، أنه علينا أن نتوقف عن التفكير بعقلية الخمسينات والستينات، ولنلقي بكتاب رجل الاستخبارات الأسطوري ‘مايلز كوبلاند’ «لعبة الأمم» الشهير بعيداً، لأن رجال الاستخبارات العالمية لم يعودوا قادرين على تغيير التاريخ وتأسيس الدول، ورسم الحدود وصناعة الزعماء.
هذا صحيح إلى حد ما، لكن ما تعيشه المنطقة العربية اليوم أثبت بما لا يدع مجالا للشك أن رجال الإستخبارات وعلى رأسهم الأمير ‘بندر بن سلطان’ بفضل تحالفه الحميمي الوثيق مع رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد) ‘تامير باردو’، يستطيعون تعطيل ثورات الشعوب وحرف مسارها، وتخريب الأنظمة التي لا تتوافق مع سياساتهم الفاشلة كما حدث في مصر، وتدمير الدول الممانعة والحركات المقاومة للهيمنة الأمريكية، وللوجود الصهيوني في فلسطين، وللنفوذ السعودي الوهابي العنصري البغيض في المنطقة كما يحدث اليوم في سورية والعراق ولبنان بفضل سلاح الإديولوجيا التكفيرية والإرهاب الوهابي، لكنهم قطعا لن يستطيعوا رسم وجه المنطقة بخارطة ‘سايس بيكو’ طائفية ومذهبية جديدة تتوافق مع أحلامهم و أوهامهم المريضة.
نهايـــة لعبـــة الأمـــم وما لا يذكره هذا الكاتب السعودي المأجور الفاقد للذاكرة والضمير، هو أن التحالف السعودي الإسرائيلي الأخير، نشأ تحديدا بسبب فشل المخابرات الأمريكية والأطلسية في تغيير وجه المنطقة ومعاكسة مسار التاريخ لإقامة شرق أوسط جديد دعى له الرئيس الصهيوني الحالي ‘شيمون بيريز’ زمن ‘بوش الصغير’ و وزيرته في الخارجية ‘كوندوليسا رايس’، فأسقطه ‘حزب الله’ في حرب تموز 2006، وفشل في إحيائه ‘أوباما’ وجوقة المخابرات الأطلسية منذ سنة 2011 من خلال الحرب الكونية ضد سورية ومحور المقاومة.
لأنه عندما أعلنت الإدارة الأمريكية عجزها عن إسقاط الرئيس ‘بشار الأسد’ بالإرهاب الذي كانت تسميه “ثورة شعبية” فـ”حرب أهلية” ثم تراجعت عن الضربة العسكرية بعد إكتشافها أن محور المقاومة يعمل ككتلة واحدة، وأن من شأن مثل هذه المغامرة المجنونة أن تحرق المنطقة والعالم، سلمت ببقاء الرئيس الأسد، وسارعت للتوقيع على إتفاق مع الروسي وآخر مع الإيراني لتنسحب من الشرق الأوسط وتهتم بمشكلاتها الداخلية المتفاقمة وتحضر لإستدارتها الجديدة نحو شرقي آسيا المقررة هذه السنة بعد الإنسحاب من أفغانستان، معلنة بشكل ضمني نهاية لعبة الأمم في الشرق الأوسط.
وبرغم أن المخابرات الأمريكية وصلت إلى قناعة حاسمة مفادها أن نظام الرئيس ‘بشار الأسد’ لا يمكن إسقاطه حتى لو استمرت الحرب على سورية لعشر سنوات قادمة بسبب دخول حزب الله ساحات القتال ضد التكفيريين، إلا أن السعودية وإسرائيل يُصرّان على الإستمرار بالعبث واستباحة دماء الشعوب العربية، ليس في سورية فحسب، بل تقرر هذه المرة أن يشمل التخريب كل جغرافية محور المقاومة من العراق إلى لبنان، تحت عنوان ” المواجهة الكبرى بين السعودية و إيران”، وهو الصراع الذي حاولت السعودية أن تضفي عليه طابع الحرب المذهبية بين السنة والشيعة، في إستحضار لتاريخ الفتنة الكبرى نظرا لتأثير الإديولوجيا الدينية في الوعي الجمعي للأمة بسبب الجهل ومناهج التعليم المشوهة التي زرعت في العقل العربي الخوف من طرح الأسئلة الصعبة في المجال الديني.
ونعني بذلك خروج الإنسان العربي من حالة قصوره الذي يكون الإنسان ذاته مسؤولا عنه، ما يحول دون قدرته على إستخدام فهمه الخاص المستمد من تدبره للقرآن كما أمره تعالى بعيدا عن توجيه حراس العقيدة وسدنة المعبد الذين يحتكرون المعنى والمدلول للإستغلال السياسي الرخيص.
مــوت “سايــس بيكــو” العجــوز ديموغرافيــا المشروع الجديد الذي بدأت تنفيذه السعودية وإسرائيل تحت مسمى ” سايكس بيكو العجوز يموت وشرق عبري جديد يولد” كما يروج له منظرو النظام الوهابي القروسطي، لا يقوم على تغيير الحدود القديمة التي لا يمكن المساس بها إلا في إطار مؤتمر دولي جديد، ذلك أن عقلية المؤامرة الوهابية والصهيونية تفتقت هذه المرة عن فكرة جهنمية خطيرة تستند إلى منطق الإستفادة من التغيير الذي جرى على الأرض الفلسطينية خلال عقود الإحتلال الطويل، لتجعل منه أنموذجا صالحا للتطبيق في العالم العربي.
كيف.؟ الفكرة بسيطة كما تتوهمها السعودية وإسرائيل وتصب في صلب مفهوم “الدولة اليهودية”.
بمعنى، أنه بدل تغيير الرسوم (الحدود والخرائط) القائمة، يستحسن تغيير الديمغرافيا من خلال فرز الطوائف والمذاهب بواسطة الفتن المتنقلة، التي ستفرض بالنهاية إقامة دويلات قبلية وعرقية وطائفية وإمارات مذهبية إسلاموية متناحرة، تجعل من حدود ‘سايس بيكو’ القديمة وثيقة لاغية ومنتهية الصلاحية، وبالتالي، سيضطر المجتمع الدولي من دون عقد مؤتمر بين الكبار إلى إعادة رسم خرائط المنطقة وفق واقع التقسيم الديموغرافي الجديد.
تماما كما حدث في السودان، وكما يحدث اليوم من خلال المفاوضات السرية التي تجرى بين السلطة الفلسطينية والحكومة الصهيونية، وكما كان مخطط له أن يحدث في العراق لكنه تعثر، وفي مصر لعزل جنوب الوطن المسيحي عن شماله السني، وما هو مقرر له أن يطبق في سورية من خلال تهجير ملايين المواطنين إلى دول الجوار لإعادة خلط الأوراق.
والذين يتحدثون اليوم في الإعلام عن أن الحرب القائمة في المنطقة هي ضد الإرهاب، لم يفهموا بعد ما يخطط له لمصير المنطقة والأمة العربية والإسلامية، وبالتالي، عليهم مراجعة طريقتهم في مقاربة ما يحدث من منطلق الإديولوجيا الوهابية والصهيونية الجديدة لا نظريات الجيوبولوتيكا القديمة ومقولات الإرهاب والأمن والإستقرار، لأن الإرهاب في حد ذاته ليس الهدف بل مجرد وسيلة لتغيير الجيوبوليتيكا على أسس تقسيم ديموغرافي طائفي ومذهبي جديد.
لذلك، نستطيع القول اليوم، أن مؤتمر “جنيف 2″ أو حتى 17، لن يغير من هذا الواقع شيئا، لسبب بسيط وهو أن المعارضة التي يفترض أن تجلس للتفاوض مع النظام قد قضي عليها ولم يعد لها من وجود يذكر على الأرض، وأن الصراع اليوم يتجه بسرعة نحو المنحى الطائفي والمذهبي سواء في سورية أو العراق أو لبنان.
وهذا بالضبط ما كان يتجنبه حزب الله ومحور المقاومة، لكن الرياح تجري بما لا تشتهي آمال هذا المحور، ما يفرض على مكوناته مجتمعة أن تغير المقاربة وإستراتيجية المواجهة لتطال إسرائيل والسعودية مباشرة وإن بطرق تكتيكية ذكية، ونعتقد جازمين أن محور المقاومة قد تحضّر لمواجهة مثل هذا المخطط الخطير وينتظر اللحظة المناسبة لقلب الطاولة على المتآمرين في المنطقة.
المتابع لواقع المنطقة اليوم، يلاحظ أن دول محور المقاومة دون سواها مشتعلة وفي حال سيولة، وأن الحدود التقليدية قد سقطت بسبب دخول وخروج الإرهابيين وما أحدثوه من إنسياب لملايين المواطنين عبر الحدود وداخل الحدود نفسها، سواء في سورية، وبشكل أقل في العراق، وقد نشهد نفس الحركة الديمغرافية غدا في لبنان، والأمر هنا يتعلق بكل الطوائف والمذاهب والعرقيات، ولا يقتصر الأمر على السنة والشيعة فقط كما تدعي مملكة الرمال والدماء والزيت، بل تجاوزه ليمس حتى التحالفات السياسية، ما ساعد في إضفاء الغموض على المشهد وجعل المحلل يصطدم بالعديد من الخيوط التي تقوده إلى خلاصات بعيدة لا علاقة لها بجوهر ما يخطط له للمنطقة في المدى المنظور والمتوسط والبعيد.
وليس غريبا أن كل ملفات المنطقة فتحت اليوم دفعة واحدة، من السياسي إلى الأمني، فالعسكري، فالإقتصادي، فالديمقراطية والحريات، والتخلف والبطالة، والإرهاب، وصفقات السلاح والإعمار، والملف الفلسطيني الإسرائيلي الذي يطبخ على نار هادئة… إلخ.
لم يبقى شيىء لم يطرح للنقاش في الإعلام، فضاع الناس بين الملفات، وتبددت الرؤية، وحجبت عنهم حقيقة الصراع وجوهره، ولم يعد أحد يتحدث اليوم عن فلسطين كقضية مركزية للأمة، أو يتابع خبايا المفاوضات السرية التي ترعاها الإدارة الأمريكية بعيدا عن أعين العرب، ولا ما يحدث في الأراضي المحتلة من تهويد وقضم للأراضي وبناء للمستوطنات وقتل للفلسطينيين وإعتداء على الأبرياء الآمنين من قبل قطعان اليهود وحرق محصولهم وغير ذلك… أو يرغب حتى في سماع أخبار السلطة وحماس بعد أن دخلت الأولى في مفاوضات عبثية مشبوهة لا أفق لها، وبعد أن غرقت الثانية في زواريب السياسة وآثرت إنتمائها للجماعة على حساب الأرض والشعب والقضية، فظهرت عمالتها وخيانتها وردّتها عن الثوابت التي كانت تروج لها من قبل.
مــاذا تريــد السعوديــة مـن إيــران في حوار المنامة بالبحرين الذي جرى الأسبوع الأول من شهر كانون الأول/دجنبر 2013، قال سيد ‘حسين موسيفيان’، الأستاذ حالياً بجامعة برنستون والسياسي المقرب من القوى الإصلاحية في إيران: “على إيران والسعودية الاعتراف بالنفوذ الطبيعي لكل منهما، ودورهما ومصالحهما في المنطقة، والذي يمتد للاحترام الذي تستحقه كل منهما، وعلى الولايات المتحدة دعم علاقات سعودية – إيرانية خالية من الخلافات”.
لكن بالنسبة للسعودية، الإعتراف بالنفوذ الطبيعي لإيران في المنطقة يعني التخلي عن لبنان وسورية والعراق واليمن والبحرين وعمان وربما منطقة القطيف أيضا التي يقطنها الشيعة ويمثلون 18% إلى 20% من سكان السعودية، وهي المنطقة التي تنتج 80% من النفط الذي يتم تصديره إلى دول العالم.
فكان جواب ممثل السعودية ‘جمال خاشقجي’ الذي اعتبر أن كلام السيد ‘موسيفيان’ فيه قدر كبير من النسم “الإمبراطوري” التي عاشته إيران لأكثر من 3.
000 سنة وفق تعبيره: “اتركوا لنا سورية، لأن المملكة السعودية لا تستطيع التخلي عنها، فإضافة إلى حق الشعب السوري في الحرية، فإن سورية امتداد طبيعي ومكمل للجزيرة العربية التي تمثل السعودية أهم مكون لها، ولو وقعت تحت نفوذ إيراني بعد انتصارها هناك، سيرقى ذلك إلى حالة ‘الانتداب’ بوجود نظام ضعيف يدين ببقائه لإيران فيعترف بفضلها عليه وحمايتها له، وبالتالي ستكون ‘سورية الإيرانية’ مهددة للأمن القومي العربي بكامله وليس للسعودية وحدها”.
لم يذكر “خاشقجي” لبنان لأنه يعلم أن يقوط سورية في القبضة السعودية معناه عزل حزب الله والقضاء عليه.
هذا نفس يحمل الكثير من الخبث بمنطق المؤامرة.
ما يعني بصريح العبارة من وجهة نظر السعودية أن “المواجهة الكبرى بين السعودية وإيران” قد بدأت في ساحة “الشقيقة” سورية.
بعدها، ستجلس “الشقيقتان” إيران والسعودية على طاولة المفاوضات، والمنتصر منهما سيكتب شروط الصلح.
والإنتصار وفق الرؤية السعودية يتمثل في تفتيت سورية وتقسيمها إلى ممالك وإمارات تابعة للسعودية حتى لو اضطرت الرياض لمواجهة أمريكا وكل العالم، وأنفقت في سبيل ذلك آخر قطرة زيت في آبارها وآخر ورقة دولار في رصيدها.
هذه هي اللعبة الحديدة وهذا هو حجم التحدي، إنها حرب وجود بالنسبة للسعودية وإسرائيل، لكنها كذلك حرب وجود ومصير بالنسبة لمحور المقاومة كما أشار إلى ذلك سماحة السيد في إطلالته الأخيرة.
وعلى ضوء هذا الواقع الجديد، يحق لنا التسائل إن كان التفائل الذي يبديه وزير الخارجية الإيراني السيد “محمد جواد ظريف” بشأن حوار إيراني – سعودي في محله ويقوم على أسس موضوعية أم أنه وهم وضرب من التمني المستحيل التحقق؟.
المنطقــة لـم تعـد و لـن تعـود كمـا كانــت يقول “جمال خاشقجي” وهو يعرض الرؤية السعودية الجديدة للمنطقة، لقد انهارت الحدود بين دول الشرق الأوسط، من دون احتفالات «برلينية» مثلما حصل في زمن الوحدة الألمانية، وإنما نتيجة تفكك الدولة الأمنية العتيدة.
ويشير إلى أن هذا التفكك بدأ في العراق بعد سقوط صدام حسين عام 2003، وتكرر في زمن “الثورة” السورية ضد نظام بشار الأسد قبل ثلاثة أعوام، ما أدى إلى لجوء ملايين العرب إلى بعضهم البعض، العراقيون نحو الأردن، والسوريون نحوه أيضاً إضافة إلى لبنان وتركيا، هذا غير الهجرة في داخل “الإقليم” بحثاً عن الأمن، مثل هجرة بعض العراقيين إلى كردستان.
ثم يقول، “في سورية يمكن رسم خريطة معقدة لمثل هذه الهجرات داخلها، التي لم تستقر بعد نتيجة استمرار الحرب”.
ويضيف وكأنه يستعرض إنجازات حكومته وانتصاراتها التي لا يراها أو لا يريد أن يعترف بها محور إيران: “هناك أيضاً هجرة المسيحيين من العراق وسورية التي تكون عادة الى الخارج بعيداً من كل المشرق العربي، وسيكون لذلك تأثيره في هوية وثقافة المشرق التي احتفظ بها آلاف السنين.
الطائفية أيضاً تفعل فعلها في تحريك هذه الهجرات، فثمة فرز طائفي لا ينكره أحد في العراق، ولا يبدو أن ثمة ضوءاً في نهاية أي نفق هناك، فالطائفية وصلت حتى أعلى منصب للبلاد، فرئيس الوزراء نوري المالكي بات يتنفس طائفياً، أما بشار الأسد الذي يتحدث كليبرالي وعلماني فإنه يفكر ويتصرف ويقتل وفق قواعد طائفية مزقت البلاد وستبقى آثارها حتى بعد رحيله”.
الخيــــر فــي الواقــــع أمام هذا الواقع الذي لا ينكره أحد، لأنه تحصيل حاصل بسبب الحرب الكونية التي ضربت المنطقة من العراق إلى سورية إلى لبنان سواء من قبل قوى خارجية أو إسرائيل أو الإرهاب السعودي، فكل أشكال العدوان تأدي نفس الوظيفة من أجل ذات الهدف ألا وهو تدمير الدل العربية وتفتيتها.
ترى السعودية أن شرقا أوسطا جديدا بدأ يولد من رحم الخراب والدم والمعاناة، وأن الخير في الواقع وفي ما حصل.
ذلك أنه بدل التركيز على الهجرة ومعاناة المهجرين من بيوتهم ومخيماتهم بمن فيهم الفلسطينيين، فإن ثمة إقتصادا عابرا للحدود من دون قيود ولا تشريعات منظمة، بات يشكل وجه المنطقة، تماما كما كان عليه الحال زمن الجاهلية الأولى، زمن التجارة الحرة بين القبائل من خلال قوافل البعير.
ألم يكن الإقتصاد هو المحرك الأساسي الذي أسقط الحدود في أوروبا؟.
هذا هو المنطق التبسيطي السعودي، يقارن الوحدة الإقتصادية الأوروبية بإقتصاد القوافل بين القبائل زمن الجاهلية الأولى.
وبالتالين فوفق الرؤية السعودية، سيكون هذا النمط من الإقتصاد الحر الجديد عاملا حاسما في سقوط الحدود في المنطقة، وعلى أساس هذا الواقع المؤثر والحسم ستتشكل قبائل ومشبخات ومملكات وإمارات الشرق “العبري” الجديد التي سترث “سايس بيكو” القديم.
هذا الواقع الجديد كما يقول ‘الخاشقجي’ أصبح قائما اليوم لأنه: “لم ينتظر هزيمة بشار، ولا اعتدال المالكي”.
وعليه، فلا ضرورة لعقد مؤتمرات للتفكير بماهية المشرق “العربي” القادم، ما دام المجتمع الدولي عاجز عن تقديم البديل.
الحل إذن يكمن في العودة إلى الماضي حيث كان العرب يعيشون تجارا من دون حدود ولا تشريعات ولا قيود.
إنها العودة للعيش في كنف داعش والنصرة والغبرة وعودة صعاليك نجد لمهنتهم القديمة يتحكمون في الطرق ويفرصون الأثاوات على التجار والقوافل كإقتصاد بديل عن ريع النفط في حخال أصبح مائهم غورا ولم يستطيعوا له طلبا.
أما السعودية، فمثلها مثل إسرائيل، ستقفل حدودها وتطرد المهاجرين لبلدانهم حتى تستطيع توفير العمل لشبابها كما تقول، وستعيش منغلقة على نفسها تماما كـ”شاينا طاون” في نيويورك كما يقول “جمال خاشقجي”، وهذه ليست عنصرية من وجهة نظره، إنما نظام لحماية مصالح القبيلة السعودية، مثل ما تسعى لفعله إسرائيل اليهودية حين تقرر تبادل الأرض والسكان العرب في مخطط الحل المؤقت لعشر سنوات، والذي يقوم على نفس المقاربة السعودية، أي الحل الإقتصادي والأمني بدل الحدود والحقوق وما شاكل من الأمور الخلافية التي لا حل لها بحكم المتغيرات الكثيرة التي طرأت على الأرض. وحيث أن الأمر هو كما تراه مملكة الشر والخراب السعودية، فالخير كل الخير في الواقع الذي يجب القبول به، لأن فيه التنمية والإزدهار والعيش في أرض الله الواسعة بعيدا عن حدود السعودية وإسرائيل، لكن تحت نفودهما.
أحمد الشرقاوي – بانوراما الشرق الاوسط