سيناريو الفتن المتنقلة في لبنان وسورية والعراق
جريدة البناء اللبنانية-
رنا العفيف:
خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله خطاب ذو مستوى عالي ومسؤولية تاريخية جديدة تدخل سجل المقاومة بإعلانه للمرة الأولى عن العدد الحقيقي للمقاتلين المدرّبين المدجّجين بالسلاح والمنتميين إلى الحزب، وهو مائة ألف مقاتل، وذلك في كلمته التي دعا فيها إلى القوات اللبنانية إلى أخذ العبرة من حروبه، قائلاً لهم «لا تخطئوا الحساب واقعدوا عاقلين وتأدّبوا».
هذه العناوين قالها حزب الله، واعتبر فيه أنّ ما حصل في الطيونة هو مفصلي يمثل مرحلة جديدة بالنسبة إلى تعاطي حزب الله مع الشأن الداخلي من خلال خطابه الشامل بقوله: انّ حزب القوات اللبنانية بدأ باختراع عدو له من أجل تمرير مشروعه، وحزب الله المستهدف خارجياً توجه إلى اللبنانيين عموماً وإلى المسيحيين خصوصاً قائلاً انّ البرنامج الحقيقي للقوات اللبنانية سيؤدي إلى تغيير ديموغرافي لإقامة دولة مسيحية يهيمن عليها حزب القوات اللبنانية، ولا مكان لأحد فيها، ولكن التجربة الطويلة مع حزب القوات والمسار الذي يدعمه يحاولون جرّ البلد إلى الخراب.
كما شدّد السيد حسن على أنّ حزب القوات اللبنانية لم يدع أيّ مسعى لمنع التفاهم بين حزب الله والتيار الوطني إلا وفعله في وقت رحب فيه حزب الله للتفاهم وأول من خوّن وشوّه وطعن هو حزب القوات ورئيسه لإبقاء خط التماس، وفي ذات السياق حذر حزب الله حزب القوات اللبنانية من ايّ محاولة لجرّ البلد إلى حرب أهلية داعياً إياه ألا يخطئ الحسابات ونصحه بالتخلي نهائياً عن فكرة الاقتتال الداخلي والحرب الأهلية.
إذن هذه العناوين العريضة التي تحدث فيها الأمين العام، وانطلاقاً من مواقفه المهمة جداً والتي وصفت بالتاريخية بالنسبة للمرحلة الراهنة خاصة ما بعد مجزرة الطيونة، حيث خاطب حزب الله القوات وخُصص جُلّ الخطاب للحديث عن الخطر الذي يحدق بلبنان. لذلك فإنّ ترجمة المعنى الفعلي لهذا الخطاب تتلخص كالتالي :
أولاً: المقاومة ترفض رفضاً قاطعاً الحرب الأهلية، وعدد المقاتلين المدرّبين المائة ألف مقاتل هم لحماية لبنان وليس من أجل الاقتتال الداخلي، وعلى حزب القوات اللبنانية ألا يتجاوز الخطوط الحمر وأن لا ينصاع لأوامر فرض الواقع لأنه قد يكون هناك منعطف لا يحمد عقباه.
ثانياً: حزب الله في هذه المرحلة المفصلية الحساسة كأنه يقوم بعملية جراحية خطيرة وحساسة يعمل جاهداً وبحذر شديد لكي يمسك بمشرط الجراحة السياسية بهدوء وبمسؤولية كي تنجح هذه العملية ليخرج لبنان معافى من المؤامرة الداخلية التي تحيك لها «إسرائيل» وأميركا عن طريق عملاء الداخل، ولا مطمع له سوى أن يتعافى بالاستقرار كي ينقذ ما تبقى من كرامة للبنان وللبنانيين بما أنّ المصير واحد والهدف واحد والعدو واحد، وقالها إنّ المؤسسة العسكرية هي الضامن الوحيد لكي يستعيد لبنان عافيته انطلاقاً من مجزرة الطيونة .
ثالثاً: يحاول حزب الله منع أيّ تدخل «إسرائيلي» في الوقت الذي يسعى فيه حزب القوات إلى التصعيد، لذا… عندما قال السيد بأنها مرحلة مفصلية لأنها عقدة أشبه بسلاح ذي حدّين…
رابعاً: هناك من يحاول الاصطياد في الماء العكر لزجّ حزب الله في هذه المعركة بطريقة غير مباشرة لفتح علاقة سياسية خارجية تتيح لها الفرصة بالتدخل في الوقت الذي خطط لهذه العملية القذرة ومن والمؤكد تكون «إسرائيل» للنيل من حزب الله ولزعزعة أمن واستقرار المنطقة.
أحداث الطيونة جاءت تزامناً مع الانتخابات في العراق والعدوان «الإسرائيلي» على سورية بالأمس، هل يُعقل أنها صدفة، لا أحد يعتقد ذلك، بل هي ربما حرب جديدة يواجهها حزب الله وحلفاؤه معاً لتشتيت الحسابات السياسية الذهنية المعلقة في الساحة الإقليمية والدولية لإقامة جسر سياسي خارجي يمنع تقدّم مشاريع فكّ الحصار الأميركي عن سورية ولبنان، وقد نشاهد ربما مساراً سياسياً جديداً يخصّ حزب الله في الشأن الداخلي اللبناني بأخذ قرار حاسم قد يجبر حزب القوات على التنحّي جانباً انطلاقاً من مصلحة لبنان، ومن ثم حفاظاً على أمن واستقرار المنطقة، فحزب الله اليوم يخوض أكثر من معركة منها الإعلامية والاقتصادية والإقليمية والدولية والسياسية والعسكرية… وحقق انتصارات مذهلة على كافة الأصعدة، واليوم يحاولون عرقلة مسيرة الانتصار الاقتصادي عن طريق حلفاء «إسرائيل» في الداخل اللبناني، وهي في نهاية المطاف معركة وجود، وكما انتصر في الحروب السابقة سيخرج منتصراً في هذه المعركة، ولن يسمح لأي كان أن يعبث في ديموغرافية المنطقة على حساب دماء شهداء المقاومة، فهو وضع النقاط على الحروف ليكمل ما خطته يداه من إيمان وصبر وحكمة ووعي لينقذ لبنان من ركام الصهيو قواتية…