سوريا.. سقوط الرهان الدولي على إسقاط النظام
موقع قناة المنار ـ
أمين أبوراشد
منذ يومين، أبدى أحد قادة الناتو من تركيا، عدم فهمه للخطوات التي تقوم بها روسيا في سوريا، وأغفل ربما التصريحات العلنية المتلاحقة للرئيس فلاديمير بوتين، أن روسيا ستحارب “داعش” حتى ولو وصل القتال الى شوارع موسكو، وأن بوتين منذ أقل من شهر استدعى السفير التركي لدى روسيا وقال له: “أخبر رئيسك الدكتاتوري أن يذهب الى الجحيم مع دواعشه”.
كان الأحرى بالقائد “الأطلسي” أن يسأل لماذا نَصَب الناتو بطاريات باتريوت على الحدود التركية السورية وسَحَبها مؤخراً لعدم وجود مخاطر من سوريا على تركيا تستوجب هذا المستوى من التسليح، وكان عليه تفسير هذا التخبُّط في القرارات الغربية قبل أن يسأل عن مدارج قاعدة جوية تُنشئها روسيا على الساحل السوري، أو عن المناورات البحرية التي أجرتها منذ أيام، طالما أن الرئيس بوتين وبكل جرأة، أعلن عن أهداف الدعم الروسي الفعلي على الأرض، مما أربك الغرب وجعله يتحرَّك عبر ردود الفعل، وهي ردود فعلٍ غير مجدية سواء من أميركا والإتحاد الأوروبي أو من الأدوات الإقليمية وفي طليعتها السعودية وتركيا وإسرائيل، بالنظر الى أوضاع كلٍّ من هذه القوى.
نبدأ من تركيا، التي كانت وما زالت الخنجر الأول في طعن خاصرة سوريا، فقد تواضعت في كافة أحلامها الإقليمية أمام المخاطر التي تهدِّدها بها داعش، مترافقة مع انتفاضة حزب العمال الكردستاني على مراوغات أردوغان، المُتَّهم مؤخراً بتحريض حزب العدالة والتنمية وحزب القومية الكردية على إحراق أكثر من 80% من مراكز “حزب الشعوب الديموقراطي” الكردي، بهدف إفقاده النسبة المئوية من التواجد الرسمي المطلوب على الأرض لممارسة حق الترشُّح، وبالتالي منعه من العودة – دستوريا – الى البرلمان في انتخابات تشرين الثاني / نوفمبر المقبل وفق ما أفاد به الباحث بالشأن التركي دانيال عبد الفتَّاح.
وكائناً ما كانت نتائج الإنتخابات التركية، فإن الربيع العربي بنكهته العرقية بات داخل تركيا، وكانت لافتة في هذا الإطار إطلالة للدكتور سمير صالحة، الأستاذ المحاضر في جامعة اسطمبول، بعد انتهاء المؤتمر الخامس لحزب العدالة والتنمية منذ يومين – وهو من المؤيدين لهذا الحزب –، أن أردوغان كان وراء تعديل أسماء نحو ثلاثين من أعضاء قيادة الحزب، وأن القيادة الجديدة ومن ضمنها أحمد داود أوغلو قد استفزَّت المعارضين لأردوغان، لكنها هيئة إدارية لفترة ما بعد الإنتخابات بالنسبة للمعارضة، وبعدها ستتولى هذه المعارضة تقييم الأمور، سواء لجهة نتائج الإنتخابات، أو لناحية الصراع مع الأكراد، خاصة أن خطر الأكراد لم يعُد فقط في مطالبتهم بحُكم ذاتي في جنوب تركيا، بل داخل تركيا نفسها، وباتت هناك “كانتونات كردية” في القرى والبلدات والأحياء لا يجرؤ الجيش التركي الدخول إليها وهرب منها الموظفون الأتراك!
وبالإنتقال الى السعودية، وما تتناقله وسائل الإعلام عن نزاعات داخل العائلة المالكة واعتراضات علنية على أداء ولي ولي العهد محمد بن سلمان، خاصة في توريط المملكة في الحرب على اليمن وتهديد أمنها وتهجير سكانها في الجنوب، وهو بسياساته المتهوِّرة يمارس دور الملك الفعلي، ويُدير والده الذي يُعاني من متاعب صحية وذهنية.
كما أن زيارة العاهل السعودي الأخيرة الى واشنطن، والتي تزامنت مع اجتماعات الكونغرس لإبرام الإتفاق النووي مع إيران، كانت مخيِّية للآمال، ووجد الملك سلمان نفسه مُلزماً بالترحيب بهذا الإتفاق من واشنطن التي عاد منها كما ذهب، لا بل أنه فَشِل في إقناع أوباما بالتريُّث في مباشرة استخراج النفط الصخري الأميركي، لما لهذه الخطوة من انعكاسات دراماتيكية إضافية على أسعار النفط العالمية وعلى الإقتصاد السعودي بشكلٍ خاص، وسط إنفلات الدول المُنتِجة من خارج “أوبيك” على إغراق الأسواق وتوقّعات بدء إيران بتصدير نفطها بعد رفع العقوبات.
وجاءت زيارة نتانياهو الى واشنطن بعد مغادرة الملك السعودي لها، وتمَّ الإتفاق مع أوباما على المزيد من التنسيق لحماية أمن “إسرائيل” باستثناء البحث في الإتفاق النووي مع إيران، لأن مليارات الدولارات التي أنفقها اللوبي الصهيوني في واشنطن بإيعاز من نتانياهو لإسقاط الإتفاق، إنعكست لصالح خيارات الرئيس الأميركي في الكونغرس، كون الحملة صوَّرت أوباما وكأنه مجرَّد سيناتور ديموقراطي تحت رحمة رئيس وزراء صهيوني، مما استفزَّ عاطفة الأميركيين وانعكس تصويتاً في الكونغرس لصالح الإتفاق وفق ما صرَّح به أستاذ العلاقات الدولية في جامعة واشنطن أدمون غريب.
ثم أن محاولات نتانياهو المكشوفة لإستدراج أميركا لعملٍ عسكري ضد إيران، هو نوعٌ من الهوس الذي لا تتجرأ عليه أميركا، ورغم اللهجة العالية التي كان وما زال يستخدمها المرشد الأعلى للثورة الإسلامية السيد علي الخامنئي، وتأكيده أن لا مفاوضات من أي نوعٍ كان مع أميركا بعد مفاوضات النووي التي كانت لها ظروفها، فإن أميركا لا خيار أمامها سوى إبرام الإتفاق وحلّ الموضوع مع إيران سلمياً لإستحالة المغامرة العسكرية، وإقدام “إسرائيل” على الخطوة منفردة كافٍ لتدمير “إسرائيل” بالكامل قبل أن تُدَمَّر مدينة في إيران التي تضاهي في مساحتها حجم قارَّة، وما على “إسرائيل” سوى التفكُّر والتذكُّر بما قاله السيد الخامنئي منذ أيام: “لا وجود لإسرائيل بعد 25 عام”.
وبالإنتقال الى دول “الناتو” والإتحاد الأوروبي بشكلٍ عام، فإن مسألة الإدخال العشوائي للاجئين، والخلافات الحادة حول محاصصتهم، لم تضرب فقط حريَّة التنقُّل بين دول الإتحاد التي نصَّت عليها إتفاقية “شينغن” فحسب، بل زعزعت السياق العام للأداء الإتحادي من جهة، ومن جهة أخرى كَشَفت الفعل الإنتحاري الذي تمارسه أوروبا بحق مجتمعاتها عبر استيراد الإرهابيين من ضمن اللاجئين في عملية تغلب عليها العشوائية والإنصياع لإرضاء عواطف شعوب لم تَذُق ربما طعم الإرهاب بعد، رغم التهديدات العلنية التي كان آخرها يوم الأحد الماضي من أيمن الظواهري، سيما وأن بين اللاجئين المئات من الإرهابيين طالما أن مواقع التواصل الإجتماعي تتداول صور العشرات منهم.
روسيا دخلت أرض الميدان السوري لمحاربة الإرهاب، وتصريح المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل منذ يومين بوجوب التعاون مع القيادة الروسية في هذا الشأن هو غاية في العقلانية، ويتقاطع مع تصريح وزير خارجية البرازيل – إحدى دول “البريكس” – الذي زار طهران مؤخراً وأشاد بالرؤية البعيدة المدى للرئيس حسن روحاني الحليف الأقوى إقليمياً لروسيا، وها هي دول “البريكس” تقف مع روسيا في حربها على الإرهاب، وما على “الناتو” سوى التداعي لمنع سقوط هيبة الإتحاد الأوروبي، وسقوط الأنظمة الغربية والإقليمية والعربية الداعمة للإرهاب، لأن قرار إسقاط النظام السوري تحت رحمة هذا الإرهاب هو ممنوعٌ ممنوع …