سوريا: تجميد ماذا؟!
صحيفة الوطن العمانية ـ
زهير ماجد:
التفسير اللغوي لمفهوم دي مستورا “المناطق المجمدة” يعني ان يقف كل فريق حيث ما وصلت يداه .. فهل يعني بهذا ايضا الاعتراف للإرهابيين بالمناطق المتواجدين فيها، واخراجها من يد السلطة المركزية .. وإذا ما كانت الفكرة على هذا النحو فكم سيكون عمرها الزمني للانطلاق نحو البند الآخر الذي لم يقل حوله أي تفسير، مع أن فكرة كهذه مرفوضة سلفا قبل نقاشها.
ليس من عاقل يرفض مبدأ توقف الحرب والعسكرة، لكن العقل أيضا يأبى ان يصل بالخطة المجمدة إلى أمر واقع يصبح فيه ما هو قائم وكأنه ثابت وأزلي، وبأنه خرج من يد الدولة وأصبح للقوة المسيطرة على بقعة أو شارع أو مكان أو منطقة أو .. تتحكم بمصيرها إلى يوم يبعثون.
لا شك ان مدينة حلب بالذات عزيزة على قلب الرئيس بشار الأسد تحديدا وعلى قلب كل سوري .. فهي العاصمة الاقتصادية التحفة التي تقوم على الصناعات وعلى تحقيق دور في الاكتفاء الذاتي السوري .. وهي أيضا إلى جانب هذا الدور، وطنية بامتياز، وعروبية بامتياز، ثم هي التاريخ ان حكى عن مكان يسيطر عليه العقلنة القائمة على التعايش بين طوائفه المتعددة وعشائره أيضا.
إن حلب التي تعرضت لأبشع انواع السرقات إلى حد الغاء العديد من معاملها بتحويلها إلى مناطق فارغة من كل شيء، بعد ان امتدت يد “السلطان” العثماني إليها، هو امر لم يحصل في شتى الحروب والنزاعات، فقد كان مخططا له الوصول إلى تلك الضريبة المرة، بل ان التركي الذي سقط في خسائر كبيرة من جراء انسداد الجغرافيا السورية في وجه بضائعه، اراد ان يثأر بالاستيلاء على مصانع حلب ومعاملها .. وكلنا يعلم انه من سد بوجهه تلك الجغرافية، وانه من لعب دور المتآمر وما زال على الجارة التي لم تقدم له سوى الخير دائما، والتي كان الرئيس الأسد على التزام كامل بحسن العلاقات الطيبة معه.
من الواضح أن المبعوث الدولي دي ميستورا لم يتدخل في شأن سوري كما فعل سلفه الأخضر الإبراهيمي يوم اخذه الكلام في اتجاهات غير مسموح له بها مما عكر العلاقات بينه وبين القيادة السورية. فالحيادية في هذا المجال مبعثة للاطمئنان إلى أن المسألة لا تتعدى كونها بحثا عن فتح افق مسدود إن أمكن .. اما فكرة دي ميستورا فيبدو انها ليست بعيدة عن التمني الأميركي والروسي وتوافقهما في هذا الاتجاه .. وهو ما كان ألمح إليه، مما أوحى بالدعم الدولي لمخططه، الأمر الذي يجعل القيادة السورية على اهتمام بما قدمه وانها فكرة من جملة أفكار تحتاج إلى استبطان.
لا بد اذن من تحريك واقع من الواضح ان الحسم فيه لصالح اي فريق صعب ومعقد وقد يحتاج لوقت طويل كي يتحقق ان تحقق .. ولقد آمنت الدولة السورية وعملت على اذكاء روح الحوارات بين المناطق ،،، وبينها وبين كل من يرمي سلاحه ويعترف بشرعيتها ويؤمن بأن لا عودة إلى التقاتل، كما حصل في بعض ريف دمشق، اضافة إلى الخطوة الرائدة التي خطتها في حمص والتي حققت تلك النقلة النوعية بإضفاء مكاسب جمة لأفق التسوية البناءة.
هل يمكن ان يكون “التجميد” بالتالي مقدمة لحوار من هذا النوع، اذا كان كذلك فلا بأس بفكرته .. المطلوب اليوم هو توسيع فكرة الحوار والمصالحة بين السوريين لتشمل مناطق واسعة بكاملها وتحقق بناء عليه المبتغى النهائي بتقليل الحرب إلى حد الغائها، علما أن ثمة قوى لديها ميول من هذا النوع، باستثناء تلك المعروفة بمفهوها لإلغاء الدولة والنظام وحتى الشعب والتاريخ والأمل بالحياة.