سوريا تتحدى وتنتصر
موقع إنباء الإخباري ـ
دمشق ـ سمر عبود:
كان منظر تلك الحافلات التي تقل المجموعات المسلحة من حمص القديمة غاية في الروعة، فلقد اختصر معاناة طويلة عاشتها حمص على مدار ثلاث سنوات قاسية اعتصرت الألم في صدور المواطنين وخلفت دماراً شاملاً في البنية التحتية. حتى دور العبادة لم تسلم من أياديهم، فقبل رحيلهم إلى الوعر قاموا بإحراق كنيسة أم الزنار، تلك الكنيسة الأثرية التي يعود تاريخها إلى سنين طوال، فيا للعجب في عصر “الطغاة” لم يطلها أذى، أما في عصر الحرية الزائفة فقد أحرقت.
شاهدت تلك الحافلات الخضراء تحمل معها آخر آثار العصابات، وكنت أفكر: ترى ما كان الثمن لترك هؤلاء أحراراً طليقين. لم يمض وقت طويل حتى بلغني أن مخطوفي ريف اللاذقية ومخطوفين من الجيش العربي السوري قد تم تحريرهم. لم أستطع أن أخمد نيراناً اشتعلت في صدري، حين سمعت تلك الطفلة العائدة من براثن الموت، وعلى جسدها آثار الاصابات، تروي للكاميرا كيف قامت أمها بالتسول لحياة طفلتها قبل أن يقتلوها، طفل رضيع خطف، وعجوز. ترى هل هذه الحرية التي أتوا بها؟ هل هكذا يرتقي الوطن؟
آثار التعذيب واضحة جداً على أجساد الجنود الذين أعلنوا أنهم ـ ورغم ما تعرضوا له ـ لن يتوانوا عن العودة إلى صفوف الجيش للقضاء على ما تبقى من الإرهابيين. نعم، إنه القتال من أجل الوطن، ولأجله تهون الحياة.
بعد أيام قليلة تحدى سكان حمص القديمة الخوف، وأتوا ليتفقدوا تلك البيوت التي تجمع في داخلها عمراً مضى وذكريات لن تعود. حشود كثيرة وتحدٍّ واضح، لا يسعك إلا أن تقول إن هذا الشعب عظيم جداً، قاهر للموت، ومتحدٍّ للصعاب، فها هم يشمّرون عن سواعدهم، يزيلون التراب عن كل شيء، ويبدأون في ترميم ما تهدم.
لم يمر وقت طويل حتى قام رئيس الحكومة الحلقي بتخصيص الأموال لإعادة الإعمار، لكن المفاجاة غير المرتقبة، والتي تلاها استياء سكان حمص القديمة، هو أن الأولوية كانت من نصيب دور العبادة وليس بيوت المواطنين ومحلاتهم ومكاتبهم.
لا أعرف حقا ما الذي يجعل بيوت العبادة متقدمة على مكان يؤوي أطفالاً ونساءً ورجالاً عانوا كثيراً ودمرت بيوتهم، ولمَ تتقدم بيوت العبادة على أمكنة رزق المواطنين، التي لم يتبقّ منها شيء يذكر. وماذا عن المدارس والمخابز والجامعات؟
ألا يحتاج من اؤتمن على الدين إعادة حسابات نتيجة ما حصل، ونتيجة الفكر التكفيري الذي بات منتشراً ونتيجة المفهوم الخاطئ للإسلام الحقيقي؟
أم إننا لا نتعلم من أخطائنا؟؟؟
لا عليكم، فأبناء حمص، كحجارتها السوداء صامدون، قرروا إعادة بناء كل ما دمر الإرهاب، وبدأوا فعلاً بإعادة الإعمار.
اقترب موعد الانتخابات الرئاسية وسط رفض امريكا وحلفائها، ولا ننسى طلب تقديم سوريا للمحكمة الجنائية وسط موافقة عربية. لكن وكما هو متوقع، أتى الرد بالفيتو الثنائي الصيني والروسي ليسقط مشروع قرار كان الغرض منه تعطيل الانتخابات وتعطيل سير سوريا نحو الخروج من الأزمة. الطريف في الموضوع أن أمريكا وحلفاءها باركت الانتخابات المصرية رغم أنها ادّعت سابقا أن ما حصل في مصر كان انقلاباً وأن مرسي كان رئيساً شرعياً لمصر.
يتوارد إلى أذهاننا سؤال: لمَ توافق أمريكا هنا وترفض هناك؟ وهل تشكل سوريا خطراً على تلك القوى حتى تعمل على تدميرها بواسطة تسليح من يعارضها وتقديم القرار تلو الآخر في مجلس الامن دون أن توفق في هذا، وتقديم مشاريع القرارات الواحد تلو الآخر، وانتهاءً برفض الانتخابات ومحاولة التشويش عليها بواسطة قرارات وضعت أمريكا وحلفاءها في موقف من يمارس الدكتاتورية بحجة أنه يريد الديموقراطية للشعب السوري.
وهنا توالت القرارات المتشابهة، بإيعاز أمريكي طبعاً، في محاولة بائسة من الإدارة الأميركية لمنع الانتخابات السورية في السفارات على أراضيها واراضي حلفائها واتباعها الذيول.
فهل يقول هذا إن أمريكا وحلفاءها يخافون كلمة الشعب السوري، لأنه يعارض ما قام الإعلام بعرضه على مدار ثلاث سنوات؟ كيف لبلد يتغنى بالديموقراطية ـ ويحارب البلدان بحجة نشرها ـ بممارسة تلك السياسة القمعية، حيث يُمنع المواطن السوري من أن يدلي بصوته في تلك الانتخابات؟ هل يحق لأميركا أن تنصّب نفسها مكان المواطنين السوريين واتخاذ القرار عنهم بعدم الاشتراك بالانتخابات؟ أليس هذا سطواً على رأي الشعب السوري الذي يقطن أراضيهم وتزويراً للإرادة الشعبية؟
ربما كانت تتوقع أمريكا ان يكون المشهد شبيهاً بالمشهد على الساحة اللبنانية، الذي أربكها وأصابها بالصدمة، فكيف تفسر الآن للشعب الامريكي هذا الزحف البشري المنقطع النظير، وهل يُعقل أن ينتخب “المقتول” ” قاتله”؟؟ وبهذه الكثافه ؟؟
ألم يكن هذا المشهد إجابة كافية لأولئك الذين لا يزالون مصرين على رأيهم بأن الانتخابات غير شرعية وأن الدولة تقوم بقتل مواطنيها ؟؟
حشود تجمعت لساعات في جو حارّ، حتى أن بعضاً منهم فقد الوعي وهو ينتظر دوره للإدلاء بصوته. ألا يقول هذا شيئا؟
نعم فلقد قال الشعب كلمته بهذا الموقف، فكيف تستطيع الدولة أن تصادر رأي من لا يقطن في أراضيها؟
أتى المشهد مدوياً، واحتل المواقع الإخبارية الأجنبية، ناسفاً كل ما قيل من قبل، فلقد وقفت واشنطن عاجزة، لا تستطيع تفسير المشهد بغير ما تقول، إن هذا الشعب هو من يقرر، ولا أحد، لا أحد غيره، وها هو يقول كلمته بكل وضوح وبشكل لا يدع للشك مكاناً في القلوب، فلقد أتى مكمّلاً لمشهد دولة تحدّت وصمدت بواسطة جيشها وقيادتها ورئيسها الدكتور الرئيس بشار الأسد.
وكذلك كان المشهد في الأردن، رغم قرار إبعاد السفير السوري لتعدّيه على الدول الجارة، وكلنا نعرف من تكون.
المشهد السوري الداخلي لم يختلف عن هذا، فلقد كدت أختنق من الحشود التي أتت من الصباح الباكر للانتخاب. تزاحم المواطنون السوريون، العجوز البالغ من العمر 109 سنوات، والقادم على كرسي متحرك، والقادم مع أنبوب الأوكسجين، ولا ننسى أيضاً ان المواطنين الذين مُنعوا من الانتخاب في مكان أقامتهم تكبّدوا عناء السفر، وتكاليفه، لاثبات موقف، فلقد توافدت الطائرات من الدول العربية والغربية لنقل المواطنين السوريين.
لم توفق أمريكا وحلفاؤها وذيولها في تآمرهم على القرار السوري، فها هو بلد الياسمين، سوريا التي تآمرت عليها كل قوى الظلام وأرادت النيل منها، لم يستطع أحد أن يسكت صوتها.
ربما لم تسألوني، لكني سأقول لكم إن المرشحين كافة أشخاص وطنيون، يتنفسون من عبق الياسمين ويرتوون من بردى، يرون أن السيادة هي خط احمر، لكنني اخترت ذلك الذي أدار ظهره لأولمرت، ذلك الذي أمدّ المقاومة في حرب 2006 وانتصر، وارتقى ببلدي حتى كادت تنافس أجمل بلاد العالم، وصمد حين تكالبت كل القوى عليه من الأشقاء قبل الغرب، وكان واحداً منا، من الجنود، اخترت ذلك الذي حيّر ساسة العالم، وأثبت أن سوريا عصية عليهم.
هل عرفتم من أقصد؟
إنه الدكتور بشار حافظ الأسد