روسيا والعدوان على سوريا
وكالة أخبار الشرق الجديد:
غالب قنديل
أثيرت نقاشات عديدة وطرحت تعليقات كثيرة حول الأداء الروسي في مواجهة التهديد بعدوان أميركي على سوريا خصوصا بعد عبارة الوزير سيرغي لافروف التي يقال انها أغضبت الرئيس فلاديمير بوتين بينما اعتبرها بعض المحللين بحق هدية مجانية للولايات المتحدة عندما قال في مؤتمر صحافي “إن روسيا لن تدخل حربا من أجل أحد “ردا على سؤال ملح من صحافي خلال المؤتمر.
اولا الأكيد في حصيلة التطورات ان روسيا والصين أحكمتا إغلاق مجلس الأمن الدولي في مجابهة محاولات الإدارة الأميركية المتكررة منذ خريف عام 2011 لانتزاع تفويض بالحرب على سوريا من خلال استخدام حق الفيتو بصورة حازمة تكررت غير مرة ورسمت سابقة مهمة في الواقع الدولي منذ قيام منظومة الهيمنة الأحادية الأميركية في العالم طيلة العقدين اللذين اعقبا انهيار الاتحاد السوفيتي وحيث انبثقت قيادة الولايات المتحدة لتحالف عالمي في غزو أفغانستان والعراق في ظل هيمنتها المبرمة على الأمم المتحدة مستخدمة طغيان قوتها العسكرية على المسرح العالمي.
انطلق نهوض القوة الروسية دوليا وبدينامية متسارعة في السنوات الأخيرة ويمكن التأريخ لمساره الصاعد منذ انتصار المقاومة اللبنانية في حرب تموز 2006 بالشراكة مع سوريا وإيران على عدوان نفذه الجيش الإسرائيلي واستند لتحالف عالمي قادته الولايات المتحدة وسايره سائر أطراف ما يسمى بالمجتمع الدولي بمن فيهم روسيا والصين وما سمي لاحقا بمجموعة البريكس من خلال بيان قمة بطرسبوغ الشهير الذي أجاز لإسرائيل عدوانها يوم 14 تموز 2006 أي بعد يومين من الطلقات الأولى وقد راجعت موسكو وبكين مواقفهما خلال الحرب في ضوء انتصارات المقاومة على الأرض ومع تحول ميزان القوى وثبات الموقفين السوري والإيراني و صدرت مؤخرا تقارير وتقديرات استراتيجية عديدة تظهر تصميم روسيا والصين استنادا إلى الصمود السوري في وجه العدوان الذي تقوده الولايات المتحدة على إرساء قواعد جديدة في العلاقات الدولية تنهي الهيمنة الأحادية وهو ما تجسد بفرض شراكة سياسية روسية أميركية في التعامل مع الأحداث السورية من خلال ما عرف بمبادرات جنيف التي عطلها الأميركيون بالقوة في لعبة خداع ومخاتلة مكشوفة.
ثانيا قرار الرئيس الأميركي بشن العدوان على سوريا بتحالف عالمي من خارج مجلس الأمن شكل انقلابا على التفاهمات الأميركية الروسية التي اتاحها صمود سوريا وهو صفعة كبيرة لآمال القيادة الروسية بصدد نظام عالمي جديد ومتوازن يقوم على تعزيز الاحتكام للقانون الدولي ويرد الاعتبار للأمم المتحدة ولدورها الحيادي في حل النزاعات وفي المساعدة على تعزيز السلم العالمي وفقا للمفهوم الذي تدافع عنه روسيا والصين.
وجه الرئيس باراك أوباما بقراره رسالة لشركائه الدوليين وفي مقدمتهم روسيا لا تعني سوى التصميم على العودة بعقارب الساعة إلى زمن غزو العراق وإطاحة كل ما ظنته القيادة الروسية خضوعا أميركيا للتوازنات العالمية الجديدة وتكيفا مع حضور القوة الروسية الرادعة للوحش الإمبراطوري الفالت على مدى الكرة الأرضية .
كان يمكن بالطبع للوزير لافروف ان يختار عبارة اخرى أكثر لباقة وكان يمكنه الجزم برفض الانجرار إلى حرب كونية وتحميل مسؤولية هذا الخطر للسلوك الأميركي العدواني والداعم للإرهاب في سوريا ودعوة العالم لمنع المغامرة الأميركية بإشعال حريق كبير في الشرق وفي العالم من خلال العدوان على سوريا .
ثالثا حشدت روسيا أسطولها قرب سواحل سوريا في رسالة قوة للغطرسة الأميركية ولحلف العدوان الذي تقوده الولايات المتحدة ومما لاشك فيه أيضا ان القيادة الروسية اكدت تصميمها على تنفيذ التزاماتها الدفاعية مع الدولة السورية التي تقاتل بسلاح روسي وتستعد لردع المعتدين بهذا السلاح وبالخبرات الروسية التقنية والعلمية التي وطنها الضباط والخبراء السوريون وأضافوا عليها الكثير مع شركائهم في المقاومة اللبنانية وإيران وكذلك مما لاشك فيه ان سوريا لم تطلب من احد ان يقاتل بالنيابة عن شعبها وجيشها وهي مع شركائها في منظومة المقاومة المشرقية أظهرت الحزم الكافي لإثارة البلبلة والذعر في معسكر العدوان وخصوصا في الكيان الصهيوني كما ولدت مأزقا أميركيا صعبا حتى الساعة.
يبقى أن الحقيقة التي لابد من إثباتها بعد اختبار القوة الأخير أي منذ إعلان أوباما قرار العدوان على سوريا حتى اضطرابه وتضعضع حلف العدوان هي ان إقامة نظام عالمي جديد هي هدف ما يزال بعيد المنال وأن قوة التعطيل الروسية والصينة في مجلس الأمن ما تزال تعبيرا سلبيا عن توازن لم تنضج ثماره بعد حيث يتطلب الأمر مبادرات أشد جراة وحزما أكبر في السياسة الروسية والصينية على المسرح العالمي وسيبقى مخاض المقاومة السورية والمشرقية لقوى العدوان والاستعمار هو القابلة التي يمكن ان يولد على يديها ذاك النظام الجديد ويمكن لروسيا والصين ان تساهما في توفير التضحيات المطلوبة بمبادرات أشد إقداما وشجاعة وطبعا لن تقف سوريا مكتوفة بانتظارتلك المبادرات وهي التي تحرص على التنويه بمواقف روسيا والصين وشركائها الآخرين في العالم ممن يتصدون للعدوانية الأميركية.
رابعا برهنت الأحداث على أن الإمبراطورية الأميركية لم تتعلم من التجارب وهي ما تزال جاهزة لارتكاب الحماقات التي تقوض السلم العالمي وعلى من يريدون حماية هذا السلم ان يختصروا الطريق بما يتعدى تعطيل استعمال الأمم المتحدة لتغطية العدوان والاكتفاء بتنفيذ موجبات الدعم والإسناد للقوى المشرقية الحرة التي تتصدى للمعتدين على سوريا فالمفارقة المؤلمة هي ان الولايات المتحدة تغامر بحرب عالمية ضد سوريا من أجل إسرائيل وعصابات التكفير والإرهاب وتلقي بكل ثقلها السياسي والعسكري مع حلفائها الغربيين وعملائها في المنطقة بينما تتردد القوى العالمية الصاعدة في رفع مستوى التحدي لردع المعتدين.