روسيا والجبهات الثلاث
جريدة البناء اللبنانية-
د. حسن مرهج:
يبدو واضحاً أنّ فصول الحرب الروسية الأوكرانية، ستتخذ مناحيَ جديدة ومعقدة، خاصة أنّ الولايات المتحدة، تسعى وبالوسائل كافة، لمنع انتصار روسيا ووضع حدّ للسياسات الروسية إقليمياً ودولياً، ويشاطر واشنطن هذه الاستراتيجية، الاتحاد الأوروبي وكذا حلف الناتو، إذ يعلمون جيداً، أنّ روسيا وترسانتها العسكرية، تتفوّق على مجمل ما يملكه الناتو بزعامة أميركا، كما أنّ الحرب الروسية في أوكرانيا، وإنْ كانت تسير وفق خطة روسية باردة، إلا أنّ واشنطن تدرك ومعها الغرب، أنّ مسألة انتصار روسيا في أوكرانيا، وتحييد استراتيجية الناتو تجاه روسيا، ما هي إلا مسألة وقت لا أكثر، وما يدعم ويعزز تلك التوجهات، بأنّ القيادة الروسية، تعمل وفق معادلة الالتفاف على السياسات الأميركية ضدّ روسيا، ومنع تمركز الناتو في المحيط الاستراتيجي لروسيا، وبذلك، يمكننا القول إنّ مساعي واشنطن قد أثمرت في بعض جزئياتها عبر دعم أوكرانيا بالأسلحة المتطورة، لكن في المقابل، لا تظنن أميركا والغرب عموماً والناتو، بأنّ روسيا ستظلّ صامتة تجاه التهديدات الغربية، وقد بدا ذلك واضحاً من خلال عمليات الجيش الروسي، والتي لم تكن أبداً ضدّ القوات الأوكرانية، بقدر ما هي حرب عسكرية ضد واشنطن وأوروبا وضمناً الناتو.
ضمن ما سبق، تقارير كثيرة تناولت الجهود الأميركية لتسليح أوكرانيا، لافتة إلى أنّ إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن قدّمت، منذ بداية الحرب الروسية في أوكرانيا، معلومات استخباراتية قيمة وأسلحة قوية. ذات التقارير لفتت إلى أنّ مجموع المساعدات العسكرية الأميركية إلى أوكرانيا خلال العام الأخير بلغ 16 مليار دولار، مع إعلان واشنطن أخيراً عن حزمة مساعدات جديدة بقيمة تتخطّى المليار دولار. وأشارت تلك التقارير إلى أنه من بين العناصر الرئيسة في هذه الحزمة، 18 منظومة إضافية من «هيمارس» الصاروخية، وهو ما يفوق ضعف عدد الترسانة في أوكرانيا.
ربطاً بذلك، فإنّ المسؤولون الأوكرانيون يتطلعون للحصول على أسلحة إضافية، ظناً منهم أنها ستتيح لهم القيام بهجمات مضادة تجاه القوات الروسية تكون أكثر قوة، وتتمثل بدبابات قتال حديثة تتوافق مع معايير حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وطائرات مقاتلة مثل مقاتلات «أف-16»، ونظام الصواريخ التكتيكية طويلة المدى لضرب مراكز الإمداد واللوجستيات في شبه جزيرة القرم.
وزير الدفاع الأوكراني، أوليكسي ريزنيكوف، قالها صراحةً، أنّ المساعدات الأميركية والأطلسية أمر لا مفرّ منه، بل وهو ضرورة أميركية وغربية، لمنع تمدّد روسيا، وتأطير سياساتها، ويلفت الوزير إلى أنّ أوكرانيا أثبتت، بمساعدة الولايات المتحدة و»الناتو»، أنّ مواجهة روسيا ممكنة. ويضيف: «لسنا خائفين من روسيا. ونطلب من حلفائنا في الغرب ألا يخافوا منها بعد الآن». ويروي ريزنيكوف تفاصيل مباحثاته مع الغرب في مطلع شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، عندما سافر من كييف إلى القاعدة الجوية الأميركية في رامشتاين ميزنباخ الألمانية، حيث كان يجتمع مسؤولون في «الناتو» لبحث الدعم العسكري لأوكرانيا، بعد فتح أوكرانيا جبهة ثانية، في عملية مفاجئة باتجاه المناطق التي تحتلّها روسيا في خاركيف.
بالتالي، بات واضحاً حجم الدعم الأميركي للنظام الأوكراني، وفي المقابل، بات واضحاً أنّ موسكو تعمل على ثلاث جبهات حرب افتراضية، تجتمع في الجغرافية الأوكرانية، وتتمثل في الولايات المتحدة والناتو والاتحاد الأوروبي، لكن في ذات السياق، فإنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يعتمد على مقاربات تتمثل في الرهان على تعب الجمهور الأوكراني من الحرب، وتراجع التزام الغرب تجاه أوكرانيا، مع حفاظ جيشه على الخطوط الأمامية في الجبهة، وتعطيل الصراع بشكل متزايد لإمدادات الطاقة والغذاء العالمية. وعلى الرغم من العقوبات الأميركية والأطلسية المفروضة على روسيا، إلا أنّ القيادة الروسية تمكنت من المحافظة على سياق الحرب، وجملة تحقيق الأهداف الروسية في أوكرانيا، والأهمّ أنّ عمليات التراجع التكتيكي التي يقوم بها الجيش الروسي في بعض المناطق في أوكرانيا، إنما تأتي في سياق إرباك المنظومة الأطلسية ككلّ، بدليل انضمام أربع دول إلى الاتحاد الروسي، وكذا فتح جبهات جديدة ضدّ القوات الأوكرانية، للعمل على إرباك القيادة الأميركية والأطلسية، التي تدير فصول الحرب.
ختاماً، لا بدّ من التذكير بأنّ روسيا تعمل في فضائها الجيواستراتيجي، وهي بذلك صاحبة اليد الطولى في هذا الفضاء، وبذات التوقيت، فإنّ واشنطن وخلفها أوروبا والأطلسي، يدركون بأنّ استمرار دعم أوكرانيا، لن يحقق لهم أيّ نتائج، بل على العكس، عليهم أن يتذكروا غضب ووحشية الدب الروسي.
كلّ ذلك ترجمه مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية، حين قال، «علينا الحذر من الغضب الروسي، وإيجاد حلول أكثر دبلوماسية مع روسيا، فنحن لا يمكننا التعامل مع الجنود الروس، والذين يحاربون وفق عقيدة راسخة وثابتة، علينا إعادة تقييم الموقف في أوكرانيا، وعلينا الحذر من برودة فلاديمير بوتين».