رصد تحرك لأخطر إرهابيّي «كتائب عبدالله عزام» في الجنوب
منتصف الأسبوع الماضي، ظهرت تحركات لأحد كبار الإرهابيين الذين يتابع المستوى الأمني اللبناني تعقبهم بهدف إلقاء القبض عليهم، وإنجاز ما تبقى من عملية الإطباق على من تبقّى من أعضاء خلايا التكفير الإرهابي المسؤولين عن عمليات التفجيرات الانتحارية التي كانت ضربت لبنان خلال الأشهر الماضية.
وعلمت «البناء» من مصادر موثوقة ومتقاطعة أنّ وقائع القصة بدأت في ليل الأربعاء الماضي، عندما تمّ رصد تواصل هاتفي للإرهابي الخطر المطلوب «محمد م. م.»، يؤكد وجوده في منطقة جنوب لبنان. ويعدّ هذا الأخير أحد أخطر القياديين اللوجستيين لـ»كتائب عبد الله عزام» الناشطة في لبنان، والمسؤول عن تجنيد خلايا إرهابية من بين صفوف النازحين السوريين وأيضاً من بين صفوف لاجئي المخيمات الفلسطينية، لاستخدامهم في تنفيذ عمليات تفجيرات انتحارية ضدّ الجيش اللبناني وفي العاصمة بيروت، وبشكل خاص في الضاحية الجنوبية.
ومن خلال متابعة مسار ظهوره عبر الرصد الخلوي مترافقة مع جملة عمليات فنية على صلة بمطابقة صوته مع أرشيف الأجهزة الأمنية، تبيّن أن «محمد م. م.» تواجد ليل الأربعاء الماضي بشكل مفاجئ في مدينة النبطية في جنوب لبنان، ومكث فيها لعدة ساعات، ومن ثمّ اختفى عن جهاز المتابعة لفترة من الوقت، ليتمّ اكتشافه لاحقاً انه خرج منها عن طريق مغدوشة على الأغلب إلى مخيم عين الحلوة.
وبحسب معلومات أمنية متقاطعة فإنّ الإرهابي «محمد م. م» هو أحد القلة من قادة كتائب عبد الله عزام الخطرين والعاملين في الساحة اللبنانية، الذين لم تنجح بعد حملة التعقب الأمنية اللبنانية المستمرة بخاصة منذ اعتقال نعيم عباس، من إلقاء القبض عليهم. وبحسب المعلومات فإنّ محمد م. م. كان استخدم خلال فترة ماضية أحد المنازل السرية في أحد أحياء مدينة صيدا، ولكنه أخلاه بعد تراكم عمليات القبض على أترابه الإرهابيين. وتؤكد معلومات متعاقبة بخصوصه تراكمت خلال الفترة الأخيرة، أن «محمد. م. م.» يعمل من أجل تنفيذ عمليات إرهابية انتقامية ضدّ تجمّعات شيعية لبنانية وضدّ الجيش اللبناني وهو يحاول عبر مسعاه هذا إعادة تشكيل خلايا انتحارية صغيرة، مؤلفة حصراً من نازحين سوريين يقيمون في مناطق شيعية أو من لاجئين فلسطينيين يستطيعون التنقل داخل المناطق اللبنانية المختلفة.
وطوال فترة الأشهر الأخيرة كانت ضاعت آثار محمد م. م.، ولم يظهر له أي أثر في كلّ المناطق اللبنانية على رغم أن المعلومات المسرّبة عنه والمحذرة من انه يعدّ لعمل إرهابي، لم تتوقف.
ولقد شكلت واقعة رصد وجوده عبر التنصت الفني في مدينة النبطية ليل الأربعاء الماضي أبرز تطوّر مادي أكد للمستويات الأمنية في لبنان أن محمد م. م. لم يهرب إلى سورية أو حتى إلى أفغانستان كما شاع لفترة، بل هو لا يزال موجوداً في لبنان ويتحرك بشكل خفي بحثاً عن أشخاص يجنّدهم لمصلحة تنفيذ عملية إرهابية.
وتشي حقيقة رصده في النبطية، بإمكانية أن يكون محمد قد اختار هدفاً له داخل هذه المدينة، لا سيما أنّ المعلومات المتوافرة عنه تؤكد أنه من قادة «كتائب عبد الله عزام» اللوجستيين الذين لا تشتمل مهمتهم فقط على تجنيد الانتحاريين وتأمين المتفجرات لهم، بل أيضاً انتقاء الأهداف المنتقاة، ومعاينتها شخصياً وبعيون أمنية، كتدبير يسبق ساعة الصفر لتنفيذ العملية.
وتتطابق مواصفات محمد م. م. الآنفة على مستوى نوعية المهام التي يقوم بها داخل «كتائب عبد الله عزام» في بعض أجزائها، مع تلك التي كان يقوم بها نعيم عباس الذي تمّ إلقاء القبض عليه قبل أشهر على أيدي مخابرات الجيش، خلال حضوره إلى منطقة الطريق الجديدة في بيروت للإشراف على ركن مجموعة سيارات مفخخة كمقدمة لتفجيرها ضدّ أهداف في الضاحية الجنوبية ومن بينها سيارة كانت معدّة لإرسالها إلى مبنى تلفزيون «المنار» في منطقة الجناح.
ولكن الفارق الجوهري بين محمد م. م. ونعيم عباس أن الأخير كان يعمل لمصلحة عدة جماعات إرهابية في نفس الوقت، في حين أن الأول أي محمد م. م. هو عضو ملتزم بـ«كتائب عبدالله عزام».
ولا تستبعد مصادر أمنية مطلة على ملف محمد م. م. أن يكون وجوده في النبطية ليل الأربعاء الماضي دليلاً على وجود خطة لاستهداف المدينة، بخاصة أن قاعدة بيانات تحركات هؤلاء الإرهابيين قلما تؤشر إلى أنهم يقصدون تلك الناحية من لبنان، بل غالباً ما يتنقلون بين الشمال والجنوب حتى صيدا، وأحياناً يتوجهون عميقاً داخل الجنوب ولكن بمحاذاة الطريق الساحلي وليس نحو المناطق الداخلية فيه.
وتمّ طوال الأيام الماضية إخضاع تحرك محمد م. م. في منطقة النبطية، لتحليل دقيق من قبل جهات لبنانية عدة لمعرفة ما إذا كان وجوده في تلك المنطقة له صلة بتحضير «كتائب عبد الله عزام» لعملية أمنية كبيرة هناك، قد لا يكون هدفها فقط استهداف مدنيين بل أيضاً القيام بعملية اغتيالات ضدّ مسؤولين في حزب الله وحركة أمل.
كما يتمّ على نطاق واسع في الكواليس الأمنية النظر بقلق لظهور الإرهابي محمد م. م. في الجنوب، بخاصة بعد تراكم معلومات موثوقة تؤكد أنه لا تزال هناك في لبنان عدة سيارات مفخخة لم يعثر عليها، وهي من بقايا الخلايا التي تمّ تفكيكها بعد الجهد الأمني الأخير للأجهزة الأمنية اللبنانية. وهناك خشية من أن يكون محمد م. م. هو أحد مشغلي هذه السيارات المتوقع أنها قد تستخدم في عمليات انتحارية.
وترى هذه الجهات أن دخول محمد م. م. إلى مخيم عين الحلوة يضع التفاهم الذي أبرم مؤخراً بين طيفي الفصائل والتحالف فوق الساحة الفلسطينية على المحك، كونه اشتمل على بند يفيد بأنّ هذه القوى الفلسطينية ستعمد إلى تسليم أي إرهابي مطلوب يدخل إلى المخيم لاستخدامه كملاذ آمن له. علماً أن المعلومات تؤكد أن محمد م. م. على صلة وثيقة بأحد قادة المجموعات الخمسة الإرهابية المتواجدة في حي التعمير داخل مخيم عين الحلوة.
يوسف المصري – صحيفة البناء اللبنانية