ربيع سوري حقيقي
كان الثالث من حزيران ربيعاً سوريا حقيقياً لا يُقارن بـ”المسخ العربي” الذي اجتاح المنطقة العربية منذ بدايات 2011 والذي امتاز بظهور واسع للتكفيريين – “الارهاب متعدد الجنسيات” – الذين عاثوا في الارض قتلاً وذبحا وتدميراً.
كان هذا العرس الديموقراطي انتصاراً استراتيجيا لسوريا لا يقل اهمية عن الانتصار العسكري في القصير ويبرود ولا يقل اهمية عن صمود الشعب السوري لأبشع انواع الهمجية والذي بالامس تحدى الموت والقتلة ليدلي بصوته في انتخابات ديموقراطية وشفافة لم تشهدها سوريا من قبل.
لماذا انتصاراً استراتيجياً؟
منذ بدايات الازمة كان هناك اصرار شديد على خلق حالة تقسيمية وفي الآونة الاخيرة طالب عبدالله غول بإقامة حكومة معارضة في الشمال السوري لخلق معادلة جديدة “حكومة مقابل حكومة”، لكن في ضوء هذا النجاح السوري وتحقيق الانتصارات على الجبهتين العسكرية والسياسية يمكننا القول بالفم الملآن ان مفهوم “الحكم الانتقالي” الذي خطط له الاميركيون مع عرب الجاهلية منذ بداية الحرب الجيوسياسية على سوريا لتقسيم سوريا قد سقط بالضربة القاضية.
من اكثر من احدى عشر مليون شخص يشكلون 73% من الذين يحق لهم التصويت نال الرئيس المنتخب بشار الاسد نسبة 88%، ما يعني انه حصل على تفويض كامل في قرار الحرب والسلم الذي بالتأكيد سينعكس على حجم ونوعية العمليات الميدانية. خلال الايام القادمة سنشهد عمليات هروب جماعية للارهابيين الاجانب ومصالحات تؤدي الى عودة بعضهم الى حضن الدولة.
قبل الانتخابات وبعدها شكك البعض ومنهم وزير الخارجية الاميركية جون كيري بشرعية الانتخابات وبادر الى القول بعدم الاعتراف بها ووصفت المتحدثة باسم الخارجية الاميركية الانتخابات الرئاسية في سوريا انها “عار”، كما ان المعارضة الخارجية وصفتها بالتمثيلية. لكن السؤال في هذا السياق، من لديه الحق في تحديد شرعيتها أو عدمه او يعطيها الوصف الدقيق الذي تستحقه؟ بالطبع ليس الولايات المتحدة ولا المعارضة ولا جماعة 14 آذار بكل خيباتهم، بل الشعب السوري صاحب القول الفصل. وإن يكن من تصريحات، نرى ان الموقف الاميركي سيتغير خلال فترة وجيزة علما ان مصادر موثوقة اكدت لمركزنا ان كيري تفاجأ بالحضور الشعبي. كما ان الموقف التركي الاخير (اعلان جبهة النصرة منظمة ارهابية) استباقاً للانتخابات مؤشر قوي على انعطافة تركية سنشهد نتائجها خلال اسابيع، ولا بد من الاشارة الى الدور الهام لمقررات المؤتمر الرابع لمجموعة سيكا المكون من 26 دولة على رأسهم الصين وروسيا (مؤتمر التفاعل وإجراءات بناء الثقة في آسيا – CICA) في شنغهاي يوم 21 مايو/ايار والذي حضرته تركيا كعضو ممثلة بالرئيس التركي عبدالله غول وكذلك قطر كعضو جديد. بالمناسبة فقد حضرت الجمهورية الاسلامية كمراقب. شدد المؤتمر على مواجهة الارهاب التكفيري واعلان حرب على التطرف الديني السلفي (الوهابي) وطالب اعضاء المجموعة كما جاء في البيان الختامي اعلان حرب كونية على الارهاب (سنسلط الضوء في دراسة معمقة على هذه الحرب الكونية على الارهاب الوهابي في “شهر امني”).
قبل وبعد الانتخابات مباشرة ظهر عدد لا بأس به من اعضاء المعارضة الخارجية على محطات تلفزيونية معروفة التوجه للتشكيك بنزاهة الانتخابات وعدم شرعيتها وادلوا بتصريحات تؤكد شعورهم بالاحباط ومنهم من صب جام غضبه على إدارة اوباما. كما ان بعض مؤسسات اعلامية اميركية كبرى مؤيدة لاسرائيل قالت ان المشاركة الواسعة جاءت نتيجة الخوف من انتقام اجهزة امن بشار الاسد. لنسلم جدلاً بصحة الادعاءات الاعلامية، كيف لهم ان يفسروا الاحتفالات؟ الملفت ان كل المؤسسات الاعلامية استندت على ما قالته امرأة واحدة، مجهولة. هناك حالة من الهستيريا الاعلامية. مراقبون من 30 دولة اكدوا نزاهة وشفافية الانتخابات. بغض النظر عن ما يقال ويكتب هنا وهناك ومحاولات وصفها بحالة “تخوف”، سيشهد العالم سوريا الجديدة “سوريا ما بعد الانتخابات” اكدها كيري ضمنيا خلال زيارته الى لبنان وعلى المعاندين غباءاً العيش مع الامر الواقع الجديد.
كما حط رحاله في لبنان فجأة، غادر فجأة. هل يُعقل انه قطع آلاف الاميال ليصرح عن المعونة المالية للاجئين السوريين؟ جون كيري جاء ليقولها امام اللبنانيين والعرب ان حزب الله قوة كبرى لا يمكن تجاهلها، ولا يمكن تجاوزه في أي عملية سياسية ونقطة على السطر. النداء الذي وجهه كيري لروسيا وايران وحزب الله وضع حزب الله في مصاف الدول الكبرى واعتراف اميركي بدور حزب الله الجيوستراتيجي في المنطقة ما يؤكد ضمنياً اعترافا اميركيا ببشار الاسد ورسالة الى جماعة 14 آذار مفادها “دبروا حالكم”.
الاسابيع القادمة سنشهد تحولات كبرى على صعيد العلاقة مع سوريا وعلى صعيد الحرب على “الارهاب التكفيري متعدد الجنسيات”. سوريا انتصرت.
رضا حرب – المركز الدولي للدراسات الامنية والجيوسياسية – موقع قناة العالم