رئيسي يعدل في سياسات سلفه: لن نربط اقتصادنا بإرادة الأجانب
موقع العهد الإخباري-
د. علي دربج:
من اللحظة الأولى التي أعلن فيها الرئيس الايراني المنتخب السيّد ابراهيم رئيسي، ترشيح نفسه لتولي رئاسة الجمهورية الاسلامية الايرانية، كان يعي أن التركة التي ورثها عن سلفه الرئيس الشيخ حسن روحاني ثقيلة، وأن مهمة إخراج بلاده من المشاكل والأزمات التي ترزح تحتها طهران لن تكون سهلة، في ظل الحصار الظالم والعقوبات المفروضة عليها، من قبل الولايات المتحدة والغرب.
عمليًا، يرث الرئيس ابراهيم رئيسي مجموعة من التحديات، بما في ذلك الموجة الخامسة من جائحة الفيروس التاجي (كورونا)، والاحتجاجات على نقص المياه الناجم عن الجفاف الشديد الذي يضرب منطقة جنوب غرب ايران، فضلًا عن الضغط الكبير على شبكة الكهرباء نتيجة درجات الحرارة شديدة الارتفاع (غير المسبوقة) ما أدى الى مشكلة انقطاع في التيار الكهربائي، وسوء الادارة، والتقلب الاقتصادي المستمر المرتبط جزئيًا بالمفاوضات النووية المتوقفة، حيث يتوقع صندوق النقد الدولي أن ينمو الناتج الاقتصادي بنسبة 2.5 بالمائة، خلال 2021-2022، وهو أبطأ مما كان عليه في العام السابق. ومع ذلك، فإن هذا المعدل أقوى بكثير مما كان عليه خلال ذروة حملة عقوبات “الضغط الأقصى” لإدارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب.
في الوقت نفسه، لا زال التضخم مرتفعًا بِعناد بحسب مركز الاحصاء في ايران، مما أدى إلى تآكل القوة الشرائية للإيرانيين، فضلًا عن ارتفاع الأسعار الاستهلاكية، وازدياد معدلات البطالة، فيما انخفض الريال بشكل مطرد مقابل الدولار مع توقف المحادثات النووية بين إيران والقوى الست الكبرى.
يعي الرئيس ابراهيم رئيسي أن التخفيف من العقوبات الأميركية المتعلقة بالملف النووي، يمكن أن يقطع شوطًا طويلاً نحو استقرار الاقتصاد، إذ سيسمح تخفيف العقوبات لإيران بتصدير المزيد من النفط بأسعار أعلى، والاستفادة من احتياطيات النقد الأجنبي المجمدة في الخارج والتي تبلغ حوالي 100 مليار دولار، إضافة الى توسيع علاقاتها التجارية، والارتباط بالنظام المالي الدولي من جديد.
كما أن إعادة بناء الروابط المالية لإيران مع الخارج، من شأنه أن يخفف من الضغوط التضخمية ويوفر المزيد من مجال التنفس المالي لرئيسي في وقت مبكر من رئاسته. لكن أجندة رئيسي الاقتصادية، قد تكون بخلاف توقعات الكثيرين، إذ انه قد يركز على تعزيز القدرات المحلية، بدلاً من دمج الاقتصاد الإيراني مع الشركات والمؤسسات المالية الغربية.
وبالرغم من حاجة ايران الى رفع العقوبات لتخفيف الضغط عن الداخل الايراني، الا أن رؤية الرئيس ابراهيم رئيسي لمفاوضات الملف النووي لم تزل غير واضحة اجمالًا وتتسم بالضبابية، حيث من المرجح أن يختلف موقفه عن سياسة سلفه الشيخ حسن روحاني في هذا الملف الحساس.
نظريًا، دعم الرئيس ابراهيم رئيسي إحياء الاتفاق النووي علنًا، طالما أنه يندرج ضمن المبادئ التوجيهية التي وضعها الإمام السيد علي خامنئي. لكن أوجه التشابه بين ابراهيم رئيسي والشيخ روحاني في الصفقة تنتهي عند هذا الحد. فروحاني، اعتبر أن اتفاق عام 2015، قد يكون الرافعة لإنقاذ ايران من معاناتها، حيث انه سيفتح الاقتصاد بطرق رئيسية أمام الغرب ويخلق “فصلًا جديدًا” في العلاقات الدولية لإيران، بينما يتبنى ابراهيم رئيسي وجهة نظر مختلفة، حيث سيركز كما هو ظاهر، على تعامل الدول المنخرطة في المفاوضات النووية، مع ايران، مجادلاً بأن تخفيف العقوبات سيكون مفيدًا لكن لا ينبغي لإيران الاعتماد عليه. وفي هذا الاطار قال رئيسي في مؤتمره الصحفي بعد الانتخابات: “لن نربط مصالح الشعب الإيراني بالاتفاق النووي”، مؤكداً تفضيل السيد علي خامنئي لـ “تحييد” آثار العقوبات بدلاً من الاعتماد على الغرب لإزالتها”. كما شدد ابراهيم رئيسي على أن “الاتفاق النووي، بغض النظر عن وضعه، لن يشكل جوهر جدول أعماله السياسي”.
في الواقع، لم يقدم رئيسي مزيدًا من التفاصيل حول موقفه من المحادثات النووية، مما خلق حالة من عدم اليقين بشأن استراتيجيته التفاوضية وفريقه. فأحد خياراته المحتملة لمنصب الخارجية حسين امير عبد اللهيان، وهو مفاوض مخضرم، يحسب على الدبلوماسيين المحسوبين على الحرس الثوري و”يتمتع بالكفاءة والقدرة على المناورة التفاوضية والدهاء الدبلوماسي الكبير بحسب عارفيه”. زد على ذلك، ان موقف ابراهيم رئيسي وحلفائه، بالإضافة إلى التعليقات الأخيرة من السيد الخامنئي حول المباحثات النووية، أدى إلى زيادة القلق في الولايات المتحدة وأوروبا من أن رئيسي سيقدم ظروفًا جديدة لا يمكن تحملها عند استئناف المفاوضات.
إضافة الى ذلك، من المتوقع أن يواجه ابراهيم رئيسي تحديات أخرى على مستوى السياسة الخارجية. فمن المتعارف عليه أن دور الرئيس الايراني في السياسة الخارجية مقيد، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بالسياسة الإقليمية. ومع أن الرئيس لديه مقعد على طاولة صنع القرار الخارجي، لكنه لا يعد صانع القرار النهائي، وعليه فإن التغيير في الإدارة ربما لن يؤثر بشكل حاد على سياسة إيران الإقليمية. ومع ذلك، تبرز قضيتان على أنهما تحدّيان مبكّران لرئيسي، لا سيّما انهما سيرتدّان على السياسة الداخلية.
تمثل الأزمة المتطورة في أفغانستان تحديًا مباشرًا لرئيسي. قد يؤدي استيلاء “طالبان” على معظم البلاد إلى تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين إلى إيران، وتفاقم تهريب المخدرات، وتهديد الأقلية الشيعية في أفغانستان. حتى الان، تركت إيران خياراتها مفتوحة، فمن جهة استضافت وفداً من “طالبان” في تموز الماضي، ومن جهة أخرى عززت الانتشار العسكري على طول الحدود الأفغانية. وأيًا كانت التطورات الافغانية، فإن التداعيات السلبية الآتية من أفغانستان، قد تؤدي إلى تشتيت انتباه ابراهيم رئيسي عن أهدافه الأساسية نوعًا ما، أو قد تقلب أولوياته الأخرى.
أما المعضلة الأكبر التي ستواجه رئيسي فهي التعامل مع “اسرائيل”، خصوصًا لجهة الهجمات الإلكترونية المستقبلية المحتملة وغيرها من أشكال التخريب الذي تمارسه ضد البنية التحتية الإيرانية المدنية والنووية. وكما هو الحال مع التحديات السياسية والاقتصادية المحلية التي ستعترض طريق رئيسي، فإنه لن يكون قادرًا على إلقاء اللوم على المعتدلين بمصداقية لفشلهم في حماية المصالح الإيرانية، لا سيما وان انتخابه (اي رئيسي)، عزّز سيطرة المحافظين على جميع أدوات الحكومة المدنية، مستفيدين من فوزهم بالاغلبية البرلمانية في شباط 2020، وهذا الامر سيجعلهم شركاء في القرار، على الرغم من انهم حاولوا دائمًا، تصويب اداء الشيخ روحاني ونهج حكومته، وخاضوا معارك برلمانية لهذه الغاية، تمثلت باقرار العديد من مشاريع القوانين، ولم يكتفوا فقط بإلقاء اللوم على روحاني بجميع المشاكل التي تعصف بالبلاد.
في المحصلة، هناك فرقان جديران بالملاحظة بين الشيخ روحاني وابراهيم رئيسي؛ أولاً، إذا تم تنفيذ الاتفاق النووي، فسيكون لرئيسي موقف مختلف عما فعله روحاني بشأن الاستثمار الأجنبي والمشاركة مع الغرب. في السابق قام روحاني بجولة في أوروبا لجذب الاستثمار وخاض معارك داخلية لإصلاح وتهيئة الارضية المناسبة في إيران لهذه الغاية.
اما ابراهيم رئيسي فمن المرجح أن يكون قليل الاهتمام بتعزيز العلاقات الاقتصادية الغربية، ومن المحتمل أن يستثمر الفوائد الاقتصادية للصفقة في تعزيز استقلال البلاد وقدرتها على الصمود ضد العقوبات المستقبلية، ففي 3 آب الجاري، تعهد بعدم ربط الاقتصاد بـ “إرادة الأجانب”.
ثانيًا، ليس من المستبعد أن يكون لرئيسي موقف مختلف تجاه الحقوق الاجتماعية والسياسية في الوطن. فالاستياء من سياسات روحاني لم يقتصر على المحافظين فقط، بالنسبة للعديد من الإصلاحيين الإيرانيين، كانت ولايتا روحاني مخيبتين للآمال. على الرغم من عدد كبير من وعود الحملة الانتخابية، لم يقدم روحاني الكثير في طريق التحرر الاجتماعي والسياسي، بل تدهورت الاوضاع خلال ولايته الاخيرة أكثر فأكثر. وعليه هل ينجح ابراهيم رئيسي من حيث أخفق روحاني؟ فلننتظر قليلا ونرَ، الأيام وحدها ستخبرنا ما يخبئه الرئيس الحالي للشعب الايراني والعالم…
*باحث ومحاضر جامعي