ديمقراطية المقاومة
موقع العهد الإخباري-
إيهاب شوقي:
يعد مصطلح الديمقراطية من أكثر المصطلحات التي تم استخدامها في سجالات الفرقاء، ومن أكثر المفاهيم التي تم التلاعب بها ولي عنقها واستخدامها كذرائع للابتزاز وتشويه الحقائق والدعايات.
ويكفي دلالة على ذلك، أن أكبر شيطان بالعالم وهو الولايات المتحدة، يرفع راية الديمقراطية ويجعل من نفسه مرجعية وحكما على الآخرين باعتباره قبلة الديمقراطية ونموذجها المثالي الواجب على الآخرين أن يحتذوا به!
وأصبح من المسلمات السياسية، أن أمريكا هي راعية الطغاة والديكتاتوريين في الوقت الذي تشن فيه حروبها ودعاياتها وعقوباتها باسم الديمقراطية وحصار الديكتاتورية.
وهنا لنا وقفة لازمة للانتصار لمفهوم الديمقراطية وتنقيته من الشوائب الأمريكية والتي حولت هذه القيمة العظيمة التي تتسق مع جميع المثل وجوهر الأديان، لذريعة استعمارية وبوقا للدعاية السوداء وحقا يراد به الأباطيل.
كما يجب القاء الضوء على ديمقراطية المقاومة العملية في وقت لا تتغنى بها ولا ترفعها راية رغم ممارسة جوهرها، وهي رسالة منا لاولئك الذين يتذرعون بالديمقراطية في مواقفهم المعارضة للمقاومة سواء من النخب السياسية أو من نشطاء المجتمع المدني ولا سيما المغرر بهم من غير الممولين والموظفين لدى السفارات.
وبداية، فإن الديمقراطية وسيلة وليست غاية، فهي وسيلة لتحقيق العدالة والكرامة والرفاه، حيث تعني حكم الشعب بالشعب في ترجمتها الحرفية.
ولعل الباحث المدقق يرى تناقضا منذ نشأة المصطلح في أثينا القديمة مع تطبيقه، حيث طبق حكم الشعب تطبيقا ظالما، فقد ترجم حكم الشعب عمليا إلى حكم النخب وتم تهميش العبيد والمستضعفين، وعلى مدى القرون التالية تم تحريف المصطلح والتلاعب به، تارة عبر حكم الأكثرية مع عدم العناية بالأقليات، وتارة باسم الديمقراطية الليبرالية والتي حولت المفهوم إلى الشكل على حساب المضمون، حيث فرضت نمطا تمثيليا للشعب لا يحتوي على ضمانات لعدالة التمثيل، وتولدت معه كل آفات العملية الديمقراطية من شراء للأصوات واستقواء ودعايات زائفة وتدخلات خارجية وتزوير، وكل ما نراه من مجالس وبرلمانات عاجزة ومرتهنة.
وقد نجحت أمريكا ومعها الغرب في فرض مفهوم أحادي للديمقراطية، وهو النمط الليبرالي، ووصمت كل من يخالفه بالديكتاتورية. ولعل كل سياسي أو ناشط مدني منصف لا بد من ان يكفر بالنموذج الأمريكي عندما يرى العنصرية المنتشرة في المجتمع الأمريكي وعبر مؤسساته الشرطية والرسمية، ناهيك عن حماية أمريكا ودفاعها المستميت عن النماذج الديكتاتورية والملكية في منطقتنا وفي العالم.
هذه الديمقراطية الانتقائية الأمريكية، ولدت مقاومة منذ المد الثوري العربي وصعود حركات التحرر الوطني بزعامة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، والذي تصدى فكريًا للأطروحة الديمقراطية الغربية المخادعة، وخرج على الشعوب العربية والعالم بأطروحة ديمقراطية هي المعبرة عن الجوهر الحقيقي للديمقراطية كقيمة لا كلافتة.
فقد كان تعريف الزعيم عبد الناصر للديمقراطية منطلقا من سؤاله لمن طالبوه بعودة الديمقراطية، حيث قال لهم: “هل يمكن أن نسمى حكومة الإقطاع، أو حكومة الطبقة الإقطاعية، أو الطبقة الرأسمالية المستغلة ديمقراطية؟ هل يمكن أن نسمي ملكية 5% من الناس لكل موارد البلاد ديمقراطية؟ هل يمكن أن نسمي سيادة طبقة قليلة على الشعب كله تنهب موارده ديمقراطية؟”.
وانطلق عبد الناصر ليوضح جوهر الديمقراطية وتعريفها من وجهة نظر التحرر الوطني والمقاومة، حيث صاغها كما يلي:
” لا يمكن أن توجد ديمقراطية بدون عدالة اجتماعية. هل يمكن أن توجد ديمقراطية مع الظلم الاجتماعى؟ إن الديمقراطية أساساً هي إقامة عدالة اجتماعية، وإنصاف الطبقة المظلومة من الطبقة الظالمة. الديمقراطية أساساً هي ألا يكون الحكم احتكاراً للإقطاع ولرأس المال المستغل، بل أن يكون الحكم لصالح الأمة كلها، أن يكون الحكم منصفاً للمظلوم من الظالم. الديمقراطية لا توجد بمجرد إصدار الدستور، أو قيام البرلمان. الديمقراطية لا يحددها الدستور، ولا يحددها البرلمان بل توجد بالقضاء على الإقطاع والقضاء على الاحتكار، والقضاء على سيطرة رأس المال. فلا حرية بلا مساواة، ولا ديمقراطية بدون مساواة، ولا مساواة مع الإقطاع، ولا مساواة مع الاستغلال، ولا مساواة مع سيطرة رأس المال.”
وعند النظر للثورة الإسلامية في إيران، فإن الإمام الخميني (قدس) كان يرى أن الاسلام هو أعظم الديمقراطيات، ولا حاجة لاستخدام المصطلح الغربي، وكان يرى أن هناك نوعين من الديمقراطية، الأول هو الديمقراطية المنشودة والايجابية، والثاني هو الديمقراطية غير المنشودة، وعلى حد تعبير الإمام هي الديمقراطية غير الحقيقية والمزورة، التي تأسست في الغرب، وكما يقول فإنها ليست بديمقراطية.
وقد أكد آية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي ذلك النهج بوضع مفهوم السيادة الشعبية، حيث أكد أن من أهم نتائج هذه الثورة هي هذا الاستقرار لنظام الديمقراطية الشعبية الدينية في البلاد، ودخول إرادة ورأي الشعب في بناء المستقبل، وقال نصًّا “قبل الثورة الإسلامية، لم يذق الشعب طعم الحُكم… ذاق الشعب طعم الديمقراطية في ظل الجمهورية الإسلامية. منذ انتصار الثورة الإسلامية وحتى اليوم،كان للشعب الدور في جميع المسائل المهمة، وفي جميع المسؤوليات الأساسية في البلاد… وُلد عند الشعب الإحساس بالقدرة على اتخاذ القرارات، إبداء الآراء، والعمل على إدارة مستقبل البلاد والمسؤوليات الكبرى فيه. هذه هي الديمقراطية الشعبية الدينية”.
وتأكيدا لمفهوم ديمقراطية المقاومة، ألمح السيد حسن نصر الله إلى الدولة العادلة وانتقد دوما زيف الديمقراطية الغربية. وفي مقاربته للوضع اللبناني الخاص يعكس ثقافة العدالة والاستقلال الوطني، وهو ما يقوله نصًّا:
” ما يجب أن نطمح إليه جميعًا هو صورة دولة عادلة ومقتدرة قادرة، هذا ما تحدّثنا عنه في برامجنا الانتخابية، وما تحدّثنا عنه في وثيقتنا السياسية التي تلوتها عام 2009، الدولة العادلة والقادرة. عندما أتحدّث عن الدولة العادلة لا أريد أن أتحدّث عن العدالة بالمعنى الفلسفي أو بالمعنى الأفلاطوني، أو أنّنا نتحدّث شعارات لا يمكن أن تتحقق وفي ذهننا دائمًا دائمًا كان صورة ومصاديق لدولة عادلة، وبالتالي يجب أن نعمل لتحقيق هذه المصاديق”.
ويضيف سماحته: “الدولة العادلة تعني الدولة التي تهتمّ بشعبها، بحياته، بجوعه، بفقره، بعوزه، ببطالته، بمياه شربه، بصحته، بتعليمه، هذه الدولة العادلة. وهنا الدولة العادلة هي التي تمارس الإنماء المتوازن بين كلّ المناطق لا تميّز منطقة عن منطقة، لا لسبب طائفي ولا لسبب حزبي ولا لسبب فئوي، ولا لسبب له علاقة بهذا الزعيم أو ذاك الزعيم. أموال الدولة هي ملك كل الشعب، ويجب أن تصل من خلال المشاريع الإنمائية إلى كلّ الشعب. الدولة العادلة هي دولة الإنماء المتوازن الذي كنّا وما زلنا نطالب به وسوف نبقى نعمل له”.
هذه صور تكاد تتطابق لمفهوم الديمقراطية في ثقافة المقاومة ومحورها، وهو الجوهر الحقيقي للديمقراطية ولكرامة الشعب وحكمه لنفسه لتحقيق مصالحه، في مقابل نماذج شكلية تصنع أصناما وانتهازيين ومستفيدين ونخبًا ارستقراطية تعمل لصالحها ولحماية مكتسباتها على حساب الشعب الذي تحكم باسمه وباسم الديمقراطية زيفا.