دور وسائل التواصل في دعم أوكرانيا: مزاد خيري لشراء الطائرات!
موقع العهد الإخباري-
د. علي دربج:
في الوقت الذي يعمد فيه القائمون على وسائل التواصل الاجتماعي الى حذف أو الغاء أو حظر أي منشور أو تغريدة أو خبر أو صورة شخصية لقيادات معادية للغرب و”اسرائيل” وحجب كلمة “المقاومة” مثلا، واتهام كل من يعبر عن رفضه للجرائم الصهيونية في لبنان أو فلسطين بانتهاك ما يسمى “المعايير المجتمعية” أو التحريض على العنف والكراهية، تنخرط تلك المنصات في الأزمة الاوكرانية، ليس فقط من خلال ترويجها لدعاية كييف أو تبني روايتها العسكرية وحجبها كل ما هو روسي، بل الاهم، انها تحولت الى صناديق أو مزادات علنية خيرية، لجمع التبرعات المالية والعسكرية لأوكرانيا، بما فيها الطائرات المقاتلة!
أكثر من ذلك، أفسحت وسائل التواصل المجال أمام القادة الأوكرانيين لاستخدام صفحاتها لتوجيه النداءات الى شعوب دول العالم خصوصًا الغربية منها، وحثها على تقديم الاسلحة لكييف وكل ما يحتاجه الجيش الاوكراني من عتاد حربي، خصوصًا الطائرات بدون طيار، وذلك في أوضح ممارسة لسياسة “الكيل بمكيالين” وازدواجية المعايير التي تعتمدها تلك المواقع تجاه قضايا أخرى (هل تسمح هذه الوسائل للمدنيين الفلسطينيين مثلا، بطلب سترات واقية من الرصاص عبر صفحاتها للحماية من بطش جنود الاحتلال العشوائي؟ الجواب معروف سلفا).
كيف ساهمت وسائل التواصل في حصول أوكرانيا على تبرعات لشراء الاسلحة؟
غني عن التعريف أن أوكرانيا تتلقى شحنات كبيرة من الأسلحة الثقيلة من الولايات المتحدة وحكومات أخرى، لكنها مع ذلك، استفادت كثيرًا من حملاتها عبر الإنترنت، وخلقت جوًا من التعاطف الغربي الواسع مع “مزاعم أوكرانيا وادعائها المظلومية”، أنتج في النهاية تبرعات قيمة ويعتد بها للجهود الحربية لكييف.
فالشعب الأمريكي، مثلا، لم يقل حماسة عن حكومته، في مد يد العون لأوكرانيا على الصعيد التسليحي. إذ ان المبادرات الفردية وإن كانت لا تصل الى مستوى حجم شحنات الأسلحة التي ترعاها إدارة الرئيس جو بايدن، غير انها تعتبر لافتة من حيث نوعية الاسلحة التي يقدمها بعض الامريكيين للجيش الأوكراني لا سيما رجال الاعمال، الذين توجه عدد منهم الى كييف، حاملين معهم هدايا من عشرات الطائرات بدون طيار، وهي دفعة صغيرة من أصل سيل من المساعدات العسكرية لأوكرانيا.
من هنا، وفي خطوة يراد منها كسسب ودّ وتأييد الشعوب الغربية، يواظب المسؤولون الاوكرانيون والشركات الخاصة، على توجيه نداءات مباشرة عبر الإنترنت إلى المواطنين الأجانب المتعاطفين، بالتزامن مع الضغط الذي يمارسونه على الحكومات للحصول على أسلحة ثقيلة أيضا.
وفي هذا الاطار تنقل وسائل إعلام غربية شهادة أحد رواد الأعمال الأمريكيين، من ولاية تينيسي طلب عدم الكشف عن هويته بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة “هؤلاء الناس لا يطلبون منا الحضور، بل يطلبون دعمنا فقط. وأقل ما يمكننا فعله هو دعمهم. ولذلك حملنا إليهم عددًا من الطائرات دون طيار”.
ما هو مقدار التبرعات المادية والعسكرية التي حصلت عليها أوكرانيا؟
تضمنت تلك التبرعات التي حصلت عليها أوكرانيا من خلال منصات وسائل التواصل مواد مزدوجة الاستخدام مثل الطائرات بدون طيار مخصصة للهواة (يجري تحويلها الى عسكرية)، ومعدات عسكرية مثل مناظير الرؤية الليلية، إضافة الى دروع واقية من الرصاص، وبنادق وذخيرة.
وليس بعيدًا عن ذلك، شهدت وسائل التواصل حملات كبيرة ولافتة للتبرعات لصالح أوكرانيا، وابرزها النداء الذي أطلقته السفارة الأوكرانية في براغ، حيث جمعت ما يقرب من 30 مليون دولار من 100000 متبرع بعد أقل من ثلاثة أسابيع من إطلاقها، بما في ذلك تبرعات من جميع أنحاء العالم، وفقًا لمسؤولين تشيكيين.
حينها كتبت السفارة على صفحتها على فيسبوك العبارات التالية: “ندعو الجميع إلى تقديم الدعم المالي لجامعي التبرعات للمساعدة الفورية في شراء المعدات العسكرية للجيش الأوكراني”.
وبالمثل ايضا، عرض موقع أوكراني آخر قائمة بالعتاد العسكري الذي يسعى الجيش الاوكراني عبر تبرعات ـ بما في ذلك في العملة المشفرة ـ من أجل شرائه، وهو يشمل أجهزة تصوير حراري، طائرات بدون طيار، هواتف الأقمار الصناعية. الجدير بالذكر أن الحكومة التشيكية، التي تستفيد أيضًا من مبيعات أسلحتها، أعلنت إنها ستقدم موافقة سريعة على المشتريات.
ماذا عن التبرعات لشراء مقاتلات حربية؟
في الحقيقة، لم تكتف أوكرانيا باستغلالها وسائل التواصل الاجتماعي لتوفير الأسلحة والمعدات العسكرية ــ المثير للاستغراب، ان “فايسبوك” يمنع شريحة محددة من الأفراد خصوصا كل من يناصر الشعوب المضطهدة، من عرض مجرد شعار لسلاح بدعوى عدم ملاءمته للمعايير ـ غير أن كييف، اتخذت خطوات جريئة وغير مسبوقة وغير مألوفة في هذا الإطار حيث أطلقت شركة أوكرانية نداءً ــ بموافقة الحكومة ــ لجمع تبرعات جماعية لشراء طائرة مقاتلة.
ولهذه الغاية ناشد طيار مقاتل أوكراني باللغة الإنجليزية المواطنين الغربيين قائلا على صفحات احدى وسائل التواصل: “اشترِ لي طائرة مقاتلة، سيساعدني ذلك في حماية سمائي المليئة بالطائرات الروسية”.
وأوضح الموقع أنه يمكن الحصول على طائرة مقاتلة من طراز MiG-29 أو Su من واحدة من عدة دول بتكلفة أقل بكثير من 20 مليون دولار لطائرة جديدة.
وفي هذا السياق أشار متحدث باسم الشركة بعد أسبوع من بدء الحملة الى أنهم جمعوا نحو 140 ألف دولار وأقروا بأن النداء يستهدف أصحاب الملايين.
هل تسهّل الدول لمواطنيها تصديرهم الطائرات لاوكرانيا؟
عمليًا، تتساهل الكثير من الدول مع قضية شراء الأسلحة من قبل الأفراد والشركات وتصديرها الى اوكرانيا. ففي امريكا يتطلب إرسال أسلحة إلى أوكرانيا تراخيص تصدير، لكن وزارة التجارة الامريكية، تسرّع في الحصول على موافقات لتصدير الأسلحة والذخيرة التي يرسلها الأمريكيون، إذ تواجه التبرعات للانواع ذات الاستخدام المزدوج، مثل الطائرات بدون طيار المخصصة للهوايات، عقبات قليلة.
الجدير بالذكر، أن طائرات الهواية بدون طيار من طراز Kapper – المعروفة باسم First Person View، التي تستخدم للتصوير المدني، لا تنتمي الى سلالة الطائرات المقاتلة. لكن يبدو أن هذا الطراز يغطي فراغا نوعا ما بحسب القيادات الاوكرانية، الى حين وصول المزيد من الإمدادات من الطائرات بدون طيار العسكرية.
ماذا عن استفادة اوكرانيا من الطائرات بدون طيار؟
استفاد الجيش الاوكراني بشكل كبير، من الطائرات المسيّرة التي جلبها الأمريكيون لهم. فبالإضافة إلى حملها للقنابل اليدوية، تستخدم هذه الطائرات التي تكلف 1000 دولار وما فوق، وتصل سرعتها إلى 70 ميلاً في الساعة، من قبل القوات الأوكرانية للمراقبة الأمامية للوحدات الروسية، فضلا عن استهداف المدفعية وتحديد الأشخاص في المباني أو الغابات المدمرة، وذلك باستخدام كاميرات الأشعة تحت الحمراء.
كما أن هذه الطائرات تعدّ جزءًا من حملة تمويل جماعي متعددة الأوجه تقدر بملايين الدولارات، والتي تم جمعها من خلال التبرعات، هذا إضافة الى أصناف أخرى من الأسلحة الصغيرة والمعدات العسكرية الأخرى التي أرسلها الامريكيون “مكافأة للجيش الأوكراني”.
الغريب في الامر، أن تفاعل الأمريكيين مع دعوات اوكرانيا وتقديم السلاح اليها، وصل الى حد تأسيس منظمات خيرية للسماح للناس بالتبرع لشراء طائرات بدون طيار لأوكرانيا، حيث كشف رجل أعمال امريكي آخر، قائلا انهم “يتصلون بي من أماكن مختلفة ومن كتائب مختلفة ويقولون لي هل يمكنك إرسال المزيد؟”.
في المحصلة، إن وسائل التواصل الاجتماعي كانت قريبة جدًا من الجبهة في اوكرانيا، وما زالت أقرب بكثير مما كانت عليه في معظم الحروب التاريخية، لكنها للأسف أظهرت عدم مصداقيتها، وانحيازها العلني الأعمى لطرف دون الآخر، وحجبها كل معارض لوجهة النظر الغربية والاسرائيلية خصوصا في ما يخص القضايا التحررية والحروب العدوانية لـ”اسرائيل” وأمريكا!