دوافع انطلاق القاذفات الروسية من إيران.. ماذا بعدها؟
وجّهت القاذفات الروسية الاستراتيجية، الثلاثاء، ضربات جوية نوعية للتنظيمات الارهابية في سوريا.. حدث يحصل في كل يوم منذ دخول موسكو على خط الازمة السورية عسكريًا، إلا أن المفاجئ وغير المسبوق في هذه الضربات بدء انطلاق هذه الطائرات من قاعدة همدان الإيرانية.. واستخدام القوات الروسية لمجموعة من الطائرات القاذفة بعيدة المدى من طراز “تو-22 إم3″، بالإضافة إلى قاذفات مقاتلة من طراز “سو – 34”.
تأتي هذه الخطوة ضمن التنسيق الروسي الإيراني في مكافحة الإرهاب والآخذ في التصاعد، إلا أن الدوافع الأساسية التي أسفرت عن استخدام قواعد إيرانية لانطلاق الطائرات الحربية الروسية تحمل بالدرجة الأولى طابعا عسكريا.
السبب الأول الذي دفع روسيا إلى إشراك قاعدة همدان لتنفيذ العمليات ضد الإرهابيين في سوريا، يكمن في أن استخدام البنية التحتية العسكرية الإيرانية يتيح الفرصة لتقليص زمن تحليق الطائرات الحربية الروسية بنسبة 55 – 60%.
فقد كان سلاح الجو الروسي يستخدم سابقًا لتنفيذ ضرباته في سوريا بواسطة قاذفات “تو-22 إم3 ” مطارات تقع في جمهورية أوسيتيا الشمالية جنوب روسيا، لأن قاعدة حميميم السورية ليست مناسبة لاستقبال هذا النوع من القاذفات التي تعد من الأضخم في العالم.
وتبعد تلك المطارات، مثلاً، عن تدمر السورية 2000 كيلومتر تقريبًا، وذلك في وقت تبلغ فيه المسافة بين هذه المدينة وقاعدة همدان الايرانية 900 كيلومتر فقط.
هذا الأمر بات يقلّص الفترة الممتدة بين لحظة رصد الهدف ولحظة توجيه الضربة إليه، ما سيؤدي بدوره إلى زيادة احتمال تدميره بشكل كامل، لا سيما في حال دار الحديث عن الأهداف المتحركة مثل قوافل المسلحين والأسلحة أو صهاريج النفط.
كذلك يمَكّن تقليص زمن تحليق الطائرات الحربية من تقليل حجم الوقود المستخدم، الأمر الذي يتيح فرصة لزيادة عدد القنابل والصواريخ التي تحملها القاذفات.
من جهة أخرى، يشير الخبراء العسكريون إلى أن استخدام قاعدة همدان الإيرانية يضمن مزيدًا من الأمن للطائرات الروسية أثناء قيامها بعمليات الإقلاع والهبوط، مقارنة بقاعدة حميميم، التي تقع، خلافًا لهمدان، قريبًا من مسرح الأعمال القتالية ومواقع الإرهابيين.
التطورات الميداينة الأخيرة في حلب كانت أحد أسباب لجوء القوات الروسية لاستخدام البنية التحتية العسكرية الإيرانية، حيث تدور معارك عنيفة في ظل تكثيف الإرهابيين هجماتهم من أجل فك الحصار المفروض على المدينة من قبل الجيش السوري وحلفائه، الأمر الذي يجري بالتزامن مع استمرار عمليات توريد الأسلحة لعناصر تنظيمي “داعش” و”جبهة النصرة” عبر الحدود التركية.
الغارات الروسية انطلاقًا من قاعدة همدان.. خطوة أولى
بحسب مصادر “العهد”، فإن التعاون الروسي الإيراني يشمل إستخدام متبادل للقواعد الجوية الضرورية في البلدين ولكليهما لضرب المجموعات الإرهابية في سوريا، وإنطلاق القاذفات الروسية من مطار همدان في إيران هي خطوة أولى تليها خطوات تم التوافق عليها خلال قمة باكو بين البلدين.
أما الخطوة الثانية، فهي إنطلاق صليات من صواريخ “كاليبر” الجوالة من بحر قزوين ومن شرق البحر الأبيض المتوسط، حيث تجري القطع البحري الروسية مناورات قتالية تحاكي تلك الضربات، القادمة قريبًا جدًا.
وتضيف المصادر أن إيران أعطت الإذن بإطلاق هذه الصواريخ من على أراضيها، ولن يكون من المستغرب تحليق الكاليبر الروسي فوق الأراضي التركية، ذلك ان قمة باكو سهلت أمر إطلاق تلك الصواريخ من مياه بحر قزوين ومن فوقها!
وبالرغم من أن الإتفاق الروسي الأميركي ساري المفعول، إلا أن مسألة التعاون في ضربات مشتركة روسية أميركية يبقى نظريا ولا مقاربة واقعية حتى الآن لتنفيذ هكذا ضربات مشتركة طالما لم يتم التفاهم على من هم معارضة ومن هم مجموعات ارهابية… ولن يتم التفاهم على هذا الامر.
من هنا تؤكد مصادر “العهد” أن خطوة الجانبين الروسي والإيراني كانت موفقة في إختيار الوقت المناسب للأخذ بزمام المبادرة لحسم الوضع الميداني في حلب وأريافها قبل إنطلاق الجولة القادمة من المفاوضات السياسية التي قد تحدد مسار حل الأزمة السورية.. وقد بات من المؤكد أن موسكو وطهران لن تقبلا بإستئناف العملية السياسية المقررة من قبل مبعوث الامين العام للأمم المتحدة، ستيفان ديميستورا، آخر الشهر الحالي دون فرض معادلات على الأرض في معركة حلب المصيرية.
العبادي وافق على فتح الأجواء العراقية أمام سلاح الجو الروسي بـ”شروط”
وفي إطار المواقف الإقليمية المؤيدة للخطوة الروسية، أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، الثلاثاء، عن فتح الأجواء العراقية أمام سلاح الجو الروسي بـ”شروط”، مؤكدًا أن بغداد لم تتسلم طلبًا رسميًا من موسكو بمرور أنواع من الصواريخ.
وقال العبادي خلال مؤتمر صحفي عقده في بغداد “فتحنا أجواءنا أمام الروس بشروط”، لافتا إلى أن الجانب العراقي لم يتسلم طلبًا رسميًا من روسيا بمرور أنواع من الصواريخ عبر أجواء البلاد.
وكانت وكالة “انترفاكس” الروسية نقلت عن مصدر عسكري دبلوماسي روسي قوله، الاثنين، إن وزارة الدفاع “وجهت، الأسبوع الماضي، طلبات إلى كل من العراق وإيران لاستخدام مجاليهما الجويين لتحليق الصواريخ المجنحة”.
مجلس الاتحاد الروسي: تركيا قد تقدم قاعدة إنجرليك لطائراتنا الحربية
إلى ذلك، أعلن برلماني روسي أن تركيا قد تمنح قاعدة إنجرليك الجوية لاستخدامها من قبل الطيران الحربي الروسي في عملياتها ضد الإرهابيين في سوريا.
وفي تصريح صحفي، أوضح عضو لجنة الشؤون الدولية في مجلس الاتحاد، إيغور موروزوف، الثلاثاء، أن القرار بهذا الشأن يمكن أن يتخذ على خلفية موافقة كل من سوريا وإيران على استخدام سلاح الجو الروسي لقاعدتيهما، حميميم (في سوريا) وهمدان (في إيران).
من جانبه، لم يستبعد فيكتور أوزيروف، رئيس لجنة الدفاع والأمن في مجلس الاتحاد، إقدام أنقرة على هذه الخطوة بعد المحادثات التي أجراها، الأسبوع الماضي، الرئيسان، الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان، والتي أعلن الرئيس التركي خلالها عن استعداد بلاده لدعم روسيا في جهودها الرامية إلى مكافحة الإرهاب في سوريا.
وأشار أوزيروف إلى أنه ليس من المؤكد أن روسيا بحاجة إلى استخدام قاعدة إنجرليك، لكن “هذا القرار سيكون ممكنا اعتباره دليلاً على “استعداد واقعي وليس كلامي لتركيا للتعاون مع روسيا في مواجهة الإرهاب في سوريا”.
واشنطن انتقدت الخطوة الروسية رغم إخطارها بالغارات من قبل موسكو
أما واشنطن، فقد انتقدت استخدام روسيا قاعدة جوية في إيران لتنفيذ ضربات في سوريا، في وقت أكد فيه مسؤول عسكري أميركي أن واشنطن و”التحالف الدولي” علما سابقًا بالضربات التي نفذتها قاذفات روسية.
ووصفت الخارجية الأميركية استخدام قاذفات روسية قاعدة جوية في همدان بالمؤسف، وقالت إنه لم يكن مفاجئًا، مضيفة في بيان لها أن “الخطوة الروسية تضعف فرض تحقيق وقف الأعمال القتالية بسوريا، وربما تعد انتهاكًا للقرار الدولي 2231 الذي اعتمد الاتفاق النووي المبرم بين الغرب وإيران صيف العام الماضي”، وقالت إنه ليس هناك بعدُ اتفاق مع الروس للتعاون عسكريا في سوريا.
بدوره، قال الكولونيل كريس غارفر، المتحدث باسم القوات المسلحة الأمريكية، إن روسيا أخطرت “التحالف” الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم “داعش” في العراق وسوريا بشن طائراتها المقاتلة مهمة قتالية من قواعد في إيران، مشيرًا إلى أن الإخطار الروسي جاء قبل بدء الضربات بوقت قصير قبل العملية وأنه كان كافيًا لاتخاذ اجراءات سلامة الأجواء.
وقال غارفر “لقد أخبرونا بأنهم قادمون وتأكدنا نحن من سلامة الأجواء بينما عبرت قاذفات القنابل في المنطقة في طريقها إلى أهدافها والعودة مرة أخرى. ولم يؤثر ذلك على عملياتنا في العراق أو سوريا خلال تلك العمليات.”
تجدر الإشارة إلى وجود التزام بين موسكو وواشنطن بمذكرة تفاهم يخطر بموجبها كل طرف الطرف الآخر بأية طلعات جوية لطائراتها خلال عملياتهما المنفصلة للحيلولة دون وقوع صدام بين طائراتهما في سماء سوريا.
الصين تعزز علاقاتها العسكرية بسوريا
وفي السياق، يسعى التنين الصيني مؤخرًا إلى دور أكبر في سوريا، فقد أرسلت بكين مبعوثين لها إلى سوريا للمساعدة في التوصل إلى قرار دبلوماسي لوقف العنف الدائر هناك، كما استضافت عددًا من المعارضين.. وكان المبعوث الصيني إلى سوريا قد امتدح، في ابريل/ نيسان، الدور الروسي في سوريا.
وأعلنت الصين عن رغبتها في تعزيز علاقاتها العسكرية مع سوريا، حيث التقى غوان يوفاي، مدير مكتب التعاون العسكري الدولي التابع للجنة المركزية العسكرية الصينية، مع وزير الدفاع السوري فهد جاسم الفريج في دمشق، بحسب وكالة الأنباء الصينية الرسمية شينخوا.
وقال غوان إن الصين كانت تلعب دائمًا دورًا ايجابيًا في محاولة التوصل إلى حل دبلوماسي للموقف في سوريا، “القوات المسلحة في الصين وسوريا كانتا دائمًا على علاقة طيبة، والقوات المسلحة الصينية ترغب في تعزيز التبادل والتعاون مع القوات المسلحة السورية.”
واضاف غوان أن الطرفين تباحثا بشأن تدريب الأفراد “وتوصلا إلى توافق” على أن تقدم القوات المسلحة الصينية المساعدات الإنسانية.
المصدر: موقع العهد