دراسة إسرائيلية: هكذا خطّط بيغن وشارون لاجتيـــاح لبنان
في 3 حزيران 1982 تعرّض شلومو أرغوف، السفير الاسرائيلي في لندن، لمحاولة اغتيال شكّلت الذريعة المباشرة لاجتياح لبنان تحت عنوان «سلامة الجليل». الهدف المعلن كان «تطهير» الجنوب اللبناني من الوجود العسكري الفلسطيني. لكن الأهداف الخفية سرعان ما تكشّفت، مع اندفاع قوات الاحتلال في اتجاه بيروت على خلفية السعي إلى إلحاق النظام اللبناني بالفلك الأمني الإسرائيلي.
الحقائق غير المعلنة لـ«حرب لبنان الأولى» لم تعد من الأسرار المكنوزة، إلا أن توثيقها لا يزال يحظى بأهمية تاريخية، خصوصاً عندما يصدر عن ضباط شاركوا في الحرب واستندوا في عملهم البحثي إلى معلومات سرية.
الدراسة التي أجراها كل من مئير مينتس وإيتان كلمار، وهما ضابطان سابقان، أعدّت قبل أكثر من عشرين عاماً، أثناء دراستهما في كلية الأمن القومي، وبقيت طيّ التحفظ من قبل الجيش طوال تلك الفترة، رغم أن أحد معدّيها قتل في غزة عام 1993. وأبرز ما تكشف عنه الدراسة، التي تحمل عنوان «جبل جليد الأكاذيب ـــ لبنان»، ونشرت صحيفة «هآرتس» ملخصاً لها أمس، هو الخديعة التي مارسها كل من رئيس الوزراء مناحيم بيغن ووزير الدفاع أرييل شارون ورئيس الأركان رفائيل إيتان، سواء في ما يتعلق بمبررات الحرب أو بأهدافها، إذ تبين الدراسة أن الثلاثة خططوا للحرب طوال أكثر من عام وأعدّوا مسبقاً لاحتلال بيروت وفرض انسحاب القوات السورية من لبنان وتنصيب سلطة سياسية «مريحة» لإسرائيل فيه.
وتعرض الدراسة بدايات التدخل الإسرائيلي في لبنان، فترى أن «مساعدة المسيحيين في شمال لبنان وجنوبه ازدادت مع وصول الليكود إلى السلطة، خصوصاً بعد استقالة وزير الدفاع عيزر وايزمن، وتحول كل من شارون وإيتان إلى أبرز شخصيتين في صناعة القرار، إلى جانب بيغن. ففي أيلول 1979، بعد عملية الليطاني بعام ونصف، لخص وايزمن الهدف الرئيسي لحرب إسرائيلية محتملة على لبنان بالآتي: كسر وجود المخربين في الجنوب ومنطقة الساحل»، محدداً هدفاً إضافياً في المقام الثاني هو «الطموح إلى ربط الجيب المسيحي الشمالي في منطقة جونية بمنطقة الجنوب على طول الساحل ومحاولة إنشاء إدارة مريحة لإسرائيل». وقد أمر وايزمن، في حينه، بإعداد خطة «أبناء الأخيار» لاحتلال جنوب لبنان، وخطتين إضافيتين هما «توهج» و«قانون العقاب» للرد على تدخل القوات السورية في المواجهات.
وتشير الدراسة إلى أنه على مدى نحو عامين منذئذ، لم يجرِ أي نقاش داخل الحكومة حول أهداف الحرب المفترضة على لبنان، الأمر الذي أوجد هامشاً كبيراً لدى قيادة الجيش لتعديل أهدافها وتوسيعها. وفي أيار 1981، أجرت هيئة أركان الجيش لعبة حرب سمّتها «هواء القمم»، استعرضت فيها ثلاثة خيارات لـ«القضاء على قوات سورية ومخربين في أرجاء مختلفة من لبنان بهدف إنتاج شروط لتسوية سياسية جديدة في لبنان تفضي الى تحسين وضع إسرائيل الأمني» أو «للتمكين من حرية العمل الجوي في لبنان وتوسيع الشريط الامني». ومع إدخال الصدام مع القوات السورية ضمن أهداف الحرب، أعدّت هيئة الأركان خطة جديدة محل «أبناء الأخيار» أطلق عليها اسم «أرز»، عُدّلت مع دخول شارون إلى وزارة الدفاع ليتحول اسمها إلى «صنوبر». وبحسب الدراسة، حدّد شارون، في 30 تشرين الأول 1981، أهداف الحرب بـ«القضاء على المخربين وعلى قواتهم ومقرات قياداتهم العسكرية والسياسية». وقال شارون لهيئة الأركان، وفقاً لما يذكره مينتس وكلمار: «وهذا يعني مسبقاً أن الأمر يشمل بيروت». وأراد شارون للخطة أن تكون «متدحرجة» بسبب الخوف من الموقف الأميركي، ولهذا طلب أن لا تُستغل القوات كلها فيها من البداية، لكن «ينبغي عدم الاكتفاء بخطط جزئية تحقق بعض الأهداف فقط. ينبغي تخطيط خطة تحقق جميع الأهداف، وهي تحقيق التواصل مع المسيحيين، وإحداث تهديد يفضي الى انسحاب السوريين، وإحداث وضع لا يستطيع معه المخربون في أي مكان الانسحاب من دون أن تتم معالجتهم بشكل جذري». وهكذا، «دخلت بيروت لأول مرة في إطار أهداف الحرب، كما حدّد وزير الدفاع تغيير ترتيبات الحكم في لبنان بأنه هدف ككل الأهداف». ويوضح معدّا الدراسة أن دخول بيروت بالنسبة إلى شارون كانت له دوافع إضافية، فيكشفان أنه قال أثناء اجتماع لإقرار خطط عسكرية تتعلق بالحرب «إن للتدمير المادي (للقيادات الفلسطينية) تأثيرات تتجاوز إحراز هدوء في الجليل الى إمكان محادثة السكان الفلسطينيين (…) للتوصل الى محادثات والى تسوية مع عرب يهودا والسامرة».
وتشير الدراسة إلى أن شارون عرض خطة «صنوبر» على الحكومة للمرة الأولى في 20 كانون الأول 1981 من دون أن يوضح كل أهدافها. وفي 4 أيار 1982، كشف عن بعضها في حديث مع ضباط في قيادة المنطقة الشمالية في الجيش، إذ قال لهم «ينبغي محاولة الفحص عن إمكان إنشاء واقع سياسي مختلف في لبنان، إذا أصبح الجيش الإسرائيلي في بيروت»، ملمّحاً إلى أن الجيش «سيضطر الى البقاء في بيروت لهذا الهدف ثلاثة أشهر الى ستة، على الأقل».
محمد بدير – صحيفة الأخبار اللبنانية