داعش: الحل العسكري أم حرب أفكار؟
موقع العهد الإخباري ـ
حسام مطر:
في خطاب الليلة الثالثة من محرم، تناول الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله الظاهرة التكفيرية متحدثاً عن مخاطرها وأسبابها وآلية مواجهتها. ورأى سماحته أن الأصل في نشوء الظاهرة التكفيرية يعود للأصل الثقافي الذي يغذيها ويمدها بالدوافع المطلوبة، وهذا الجذر هو الفكر الوهابي. فيما اعتبر سماحته أن العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية هي ظروف أو عوامل ثانوية. وبناء عليه، أعطى السيد نصر الله المعالجة الثقافية لظاهرة التكفير الأولوية بهدف تقليص قدرة داعش ومثيلاتها على تحصيل التأييد الشعبي وجذب مقاتلين جدد، وهذا من شأنه لاحقاً توفير إمكانية للمعالجة الأمنية – العسكرية.
بمعنى ما، يرى سماحة السيد أن هذه المواجهة إنما ترتكز على “حرب أفكار” وعلى “كسب العقول والقلوب”. يجب عزل هذا الفكر المتطرف وتهميشه بما يجعله مكشوفاً أمام الاستهداف. من الصعب هزيمة هذه الجماعات ما دام الفكر التكفيري يجري رعايته ونشره وتلقينه وتدريسه، لأنك مهما قتلت من هذه الجماعات فإنها تمتلك القدرة على تجنيد المزيد. كما أن الحل العسكري من دون معالجة الفكر التكفيري وتهميشه سيؤدي الى تمتين التضامن الاجتماعي داخل وفي محيط هذه الجماعات. إلا أنه عند الحديث عن الدوافع العقائدية عند هذه الجماعات التكفيرية يجب الالتفات الى نقطتين أساسيتين:
أولاً، يجب الإقرار أن الدوافع داخل هذه الجماعات متداخلة. بمعنى آخر هؤلاء الأفراد يريدون النصر، يريدون أولاً إقامة الخلافة، أي تجسيد مشروعهم الفكري المقدس الذي يشكل نواة هويتهم. قد يصح أن جملة من هؤلاء الأفراد محكومون لحالة “روحانية” مرتفعة تجعل من “الشهادة” حلمهم الأول، ولكن هذا ليس حال المنظمة التي ينتمون إليها. أي أن داعش تسعى بداية لإعلاء رايتها أي راية الإسلام كما تفهمه، وإن كان طموح جملة من مقاتليها الشهادة على المستوى الفردي.
ثانياً، يجب التمييز بين نواة هذه المجموعات والمنتسبين الجدد. تعاني داعش من حركة استنزاف في مقاتليها سواء بسبب الخسائر التي تتعرض لها أو بسبب توسعها المطرد فوق جغرافية مترامية. وعلى الأرجح أن الاستنزاف يطال نخبة المقاتلين كونهم من يتولون العمليات الخاصة. نواة داعش بالتأكيد تمتلك مستوى تعبئة إيديولوجي متقدم، إلا أن المنتسبين الجدد لم يحظوا بعد بالتثقيف والتعبئة الضرورية نظراً لأولوية العمل العسكري خلال هذه المرحلة المنهِكة. ولذا يُلاحظ مثلاً في سوريا، أن أغلب العمليات الانتحارية لم يقم بها سوريون بل أجانب ومن كان من الانتحاريين السوريين فهو ممن انتسب لداعش منذ تجربتها في العراق على عهد الزرقاوي.
الإشكالية أن حزب الله وحلفاءه لا يمكنهم الـتأُثير بالشكل الكافي لتهميش الفكر التكفيري، ولذا تحدث سماحة السيد عن أولوية ومسؤولية النظام السعودي. وهنا تبرز إشكالية أخرى، أن النظام السعودي لا مشكلة لديه مع هذه الجماعات ما دامت تمارس التكفير بعيداً عنه، بل إنه يستثمر بشكل أو آخر فيها. صحيح أن تمدد داعش بهذا الشكل الواسع أثار قلق السعوديين، إلا إنهم معنيون فقط بدفعه عن حدودهم وليس بتغيير مجمل منطلقاته الفكرية. إن محاولة السعودية معالجة الفكر الوهابي، ولو بصورة جزئية، سيضع النظام أمام تحدٍّ داخلي جدي.
هنا من المفيد الإشارة الى ما كتبه رافاييل كوهين من مؤسسة راند الذي يخالف النظرة السائدة في السنوات الأخيرة والتي تفيد أنه لهزيمة قوة إرهابية أو حركة تمرد لا بد من اعتماد إستراتيجية تتركز حول “كسب العقول والقلوب” داخل المجتمع الذي تدور داخله المواجهة، بما يمنع عن هذا اللاعب الموارد المقاتلين الاحتضان والمعلومات. إذ إنه بحسب كوهين توجد عدة ثغرات داخل هذه النظرية أبرزها: أولاً انه من الصعب إقناع السكان في لحظة القتال بالابتعاد عن القوة الإرهابية او حركة التمرد نتيجة الحماسة والمشاعر المتأججة وأيضاً بسبب الخوف من قوة الحركة تلك بما يجعل حتى الحوافز الاقتصادية غير مجدية تماماً.
ثانياً، يضيف كوهين، أن قوة هذه الحركة لا تحتاج إلا لتأييد شريحة محددة من السكان وهذا ما يتضح من تجربة داعش. في الواقع حتى مكافحة داعش بالمدى المنظور لا تحتاج الى تأييد شعبي واسع، إلا في المرحلة التالية للصراع اي مرحلة إعادة بناء الدولة. “كسب العقول والقلوب” لها تأثير محدود على مخرجات الصراع العسكري، فهذا الكسب ليس سبباً للانتصار على قوة الإرهاب حركة التمرد بل كنتيجة للانتصار. حين يرى السكان أن الحرب وضعت أوزارها وأن إعادة الإعمار انطلقت يصبح من الممكن نيل دعمهم.
بناء على ما سبق، في المدى المنظور ستتقدم المعالجة الأمنية – العسكرية ولو بحدود درء الخطر الداعشي عن مناطق محددة وليس القضاء عليه بانتظار أن تكتمل الظروف السياسية – الإستراتيجية لخلق إجماع إقليمي – دولي لسحق داعش ومثيلاتها، كما حصل مع القاعدة، وندخل حقبة “الخلايا والفكر الداعشي” بدل التنظيم الموحد المركزي.