خطر تكوّن الدويلات بدأ يفرض حلّاً للأزمة السورية
صحيفة الجمهورية اللبنانية ـ
طارق ترشيشي:
أظهرت خطابات كثيرة أُلقِيت على منبر الجمعية العمومية للأمم المتّحدة في الأيّام الأخيرة، أنّ الأزمة السورية باتت آيلة إلى حلّ سياسي تتعدّد السيناريوهات وتتناقض في شأنه تبعاً لمواقف أصحابها سواء أكانوا من المؤيّدين للنظام أو المعارضين له والداعمين للمعارضة.
وعلى هذه الخطابات والسيناريوهات، وعلى تطوّرات بدأ يشهدها ميدان المواجهة بين النظام ومعارضيه يبني مرجع لبناني كبير قراءة سياسية يستنتج من خلالها انّ الأزمة السورية باتت آيلة الى حلّ سياسي عاجلاً ام آجلاً، مستنداً الى جملة وقائع ميدانية في سوريا وجوارها يبدو أنّ “الخطابات الأممية” قد أخذت بها لتبني على الشيء مقتضاه.
أوّلاً- تركيا، التي رحّلت قيادة “الجيش السوري الحر”، أي العقيد رياض الأسعد ورفاقه الذين بادروا إلى الإعلان عن عودتهم من الأراضي التركية الى الاراضي السورية، ما يشير في رأي المرجع الى انّ تركيا بدأت تنأى بنفسها عن الأزمة السوريّة، مضافاً الى ذلك ما يشهده الداخل التركي.
فقبل اندلاع الأزمة السورية كان حزب “العدالة والتنمية” الحاكم ولا يزال على علاقة سيّئة مع الجيش التركي العلماني، وهناك اعتقالات واتّهامات بانقلابات، وتسريح مئات الضبّاط، إضافة الى انّ المعارضة المتمثلة بحزب الشعب وغيره، عادةً ما تتكوّن من الأقلّيات التي لا تجد سبيلاً لضمان حقوقها إلّا من خلال أحزاب، وهذه المعارضة يتصلّب موقفها تدريجاً ضدّ التدخّل التركي في الشأن السوري، خصوصاً بعد انغماس الحزب الحاكم وتورّطه في الأزمة السورية على نحو بات يهدّد الاقلّيات التركية عموماً، ويهدّد تركيا واستقرارها في المنطقة الجنوبية خصوصاً.
وفي هذا الإطار لا تُخفي أنقرة مخاوفها ممّا يحكى عن احتمال تكوّن دولة علوية في لواء الإسكندرون تجمع العلويّين البالغ عددهم 21 مليون نسمة الذين يؤيدون النظام السوري مضافاً اليهم بضعة ملايين من الشيعة وأقلّيات تركية أُخرى.
وما يؤرق القيادة التركية ايضاً هو “اللغم الكردي” حيث إنّ دمشق، وعلى رغم ظروفها الصعبة تمكّنت من تحريك هذا اللغم في وجه أنقرة، خصوصاً في ظلّ وجود زعيم حزب العمّال الكردستاني عبدالله أوجلان في السجن، وذلك ردّاً على التمرير التركي للسلاح والمسلّحين الى سوريا. وما يفسّر قلق انقرة من اللغم الكردي اعلان رئيس الحكومة رجب طيّب اردوغان استعداده للتفاوض مع اوجلان لإنهاء النزاع مع الاكراد، وقد ردّ اوجلان عليه عبر صحيفة “ميلليت” بلسان شقيقه محمد مؤكّداً استعداده للمساهمة في التسوية السلمية لهذا النزاع.
وقبل ذلك ولدى شعورها بالخطر بادرت أنقرة قبل اسابيع الى إيفاد وزير خارجيتها احمد داود اوغلو الى اقليم كردستان العراق لمقابلة رئيسه مسعود البرزاني، ولكن داود اوغلو ارتكب خطأ فادحاً بزيارته كركوك التي أثارت الخلاف بين البرزاني والرئيس العراقي جلال الطالباني، وبين الاقليم والحكومة المركزية العراقية، الأمر الذي عطّل الهدف التركي من هذه الزيارة وهو محاولة الوقيعة بين الاكراد في سوريا والعراق الملتصقين جغرافيّاً وحتى سياسيّا، ما دفع أنقرة الى مراجعة حساباتها السورية والعراقية في ضوء تصاعد المواجهات بينها وبين الاكراد في المنطقة الجنوبية التركية.
ثانيا: العراق: في الوسط العراقي حيث محافظتا الأنبار وصلاح الدين وغيرهما يقطن السنّة وعشائرهم ذات الامتداد الجغرافي والعائلي مع العشائر السورية في الجهة المقابلة، هناك مخاوف من تكوّن دولة سنّية تهدّد خريطة العراق.
ثالثاً- الأردن: هو من دون الأزمة السورية يبدو كمن “يقف على شوار” في ظلّ المعارضة الداخلية الاردنية والمتكوّنة من الاسلاميين، إضافة الى الفلسطينيين ـ الاردنيين، وقد بدأ يتهدّده خطر مُتأتٍّ من تبلور محاولة لإقامة دويلة للاسلاميين المتطرّفين في درعا السورية وجوارها وفي الامتداد الجغرافي الاردني، وهذا ما يفسّر الصدامات التي تحصل بين السلطات الأردنية ومجموعات من اللاجئين السوريّين في مخيّم الزعتري وغيره، فضلاً عن تصدّي هذه السلطات للسلفيّين المتسلّلين من الأُردن الى سوريا، ولذلك سارعت قطر الى تقديم مساعدة للحكومة الاردنية بقيمة مليار و250 مليون دولار لمنع الأردن من الانهيار اقتصاديّاً.
وفي ضوء هذه المعطيات يقول المرجع إنّ التحذير الذي كان أطلقه رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي قبل بضعة أشهر من احتمال حصول سايكس – بيكو جديد في المنطقة لم يكن للدفاع عن النظام السوري بمقدار ما كان نتاج معطيات توافرت لديه تشير الى الخطر الذي سيصيب المنطقة في حال بقاء الأزمة السورية بلا حلول، وكذلك فإنّ تحذير كثير من المتحدّثين في الامم المتحدة من أنّ الأزمة السورية باتت تهدّد المنطقة بخطر كبير إنّما يستند الى هذه الوقائع الميدانية الممتدة من تركيا الى العراق والاردن مروراً بما تشهده الساحة السورية.
ولذا فإنّ المرحلة المنظورة ستشهد مزيداً من التحرّك الدولي في اتّجاه حلّ سياسي للأزمة السورية يجنّب المنطقة خطر التفكك المحدق بها والذي قد يخرج عن سيطرة الجميع.