خطاب أوباما.. والارتباك الأميركي
مجلة الثبات اللبنانية ـ
ليلى نقولا الرحباني:
كانت الخطابات في الجمعية العامة للأمم المتحدة مناسبة ليُدلي كل رئيس بدلوه في القضايا الملتهبة على الساحة العالمية، خصوصاً قضايا الشرق الأوسط الذي بات المشهد الأكثر دموية وعنفاً منذ ما سماه الغرب “ربيعاً عربياً”، وبعد استقدام التطرف والتكفير من كل أنحاء العالم ولغاية اليوم.
ولعل الخطاب الذي يمكن أن يحظى بالكثير من التوقف عنده، كان خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي عكس بوضوح المآل التي وصلت إليها السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط، بعد الإرباك والخيارات الخاطئة التي اتخذتها في كثير من الملفات الشائكة المطروحة وهي على الشكل التالي:
– في موضوع الحرب الدائرة في سورية:
كان خطاب الرئيس أوباما في الموضوع السوري الأكثر تضارباً، فهو بعد مقدمة طويلة تساءل فيها عن دور القوة في الصراعات، وعن دور الأمم المتحدة والقانون الدولي، عاد ودافع عن حق الأميركيين بشنّ حملة عسكرية على دمشق خارج إطار الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وأكد على صوابية التهديد باللجوء إلى القوة، وتحدث عن أن الولايات المتحدة على استعداد لاستخدام كافة الوسائل، بما فيها العسكرية، لضمان مصالحها في منطقة الشرق الأوسط، وأعاد التأكيد على وجوب استصدار قرار يسمح باللجوء إلى خيار القوة في حال لم تلتزم دمشق بالالتزامات المترتبة عليها في الموضوع الكيميائي، وفي الفقرة نفسها عاد وأكد أن واشنطن كانت دائماً تؤيد التسوية الديبلوماسية للأزمة السورية، وهي كانت تتشاور مع موسكو في هذا الموضوع، وأنه “لا يؤمن بأن استخدام القوة – سواء من هؤلاء داخل سورية، أو من القوى الخارجية – سيؤدي إلى سلام مستدام”.
وفي الوقت الذي اعتبر فيه الرئيس الأميركي أن “الشعب السوري يقرر من يحكمه وليس نحن أو أي دولة أخرى”، عاد وناقض هذا الأمر في الجملة التي تلته بتأكيده أن التصور بأن سورية يمكن أن تعود إلى وضع ما قبل الحرب هو “خيال”، داعياً إلى تخلي الرئيس السوري بشار الأسد عن السلطة، وهدد بأن إصرار روسيا وإيران على التمسك بالأسد في السلطة سيؤدي إلى ما يخشونه: زيادة مساحة العنف التي تقوي المتطرفين.
وفي ما يبدو أنه ضربة للمطالبين أو المراهنين على تدخل أميركي واسع في سورية، حدد أوباما سياسته الشرق الأوسطية، متعهداً بضمان أمن حلفائه، وحفظ أمن الطاقة، وأكد التزام الولايات المتحدة الأميركية بدعم الديمقراطية، لكن ليس بالقوة العسكرية، وأكد أن الهدفين الأساسييين لدبلوماسية الولايات المتحدة الأميركية اليوم هما: الملف النووي الإيراني، و”الصراع الفلسطيني الإسرائيلي”، وهنا يبدو من الخطاب المكتوب الذي وزعه البيت الأبيض، أن أوباما اكتفى بتحديد الأولويات تلك، وحيث لم يكن إزاحة بشار الأسد من السلطة من ضمنها، مكتفياً بالإشارة إلى أن الولايات المتحدة لن تقبل بأن تطور أي دولة السلاح الكيمائي، وستحارب الإرهاب.
– في الموضوع الإيراني:
كانت لافتة الإيجابية الكبيرة تجاه الإيرانيين في خطاب أوباما، فقد تحدث بالتوازي عن أخطاء إيرانية وأميركية تاريخية ساهمت في إرث من عدم الثقة بينهما، وتنازل أوباما عن كثير من الشروط التي كانت موضوعة سابقاً، ومدَّ اليد للإيرانيين بحديثه عن عدم الرغبة في تغيير النظام في إيران، والتأكيد على أن الولايات المتحدة تريد ضمان حصول الشعب الإيراني على حقه في الطاقة النووية السلمية، ومن دون شروط سوى الانخراط في معاهدة منع الانتشار النووي.. والشفافية، ولعل الموقف الجديد واللافت، والذي يشير إلى تبدل لم يكن يتصوره أحد، هو حديث أوباما عن فتوى مرشد الثورة الإسلامية في إيران السيد علي الخامنئي بتحريم الاستخدام الحربي للطاقة النووية، ليؤكد فيه على صدق النوايا الإيرانية، وذلك دون أن تبذل القيادة الإيرانية الجديدة جهداً كبيراً لإقناعه، بل إن رغبة الأميركيين بلقاء بين أوباما والرئيس روحاني رُفضت من قبل الإيرانيين، كما تحدث مسؤول أميركي.
أما في الموضوع المصري، فقد أقرّ أوباما بأن القيادة الجديدة استجابت لمطالب الملايين من الناس الذين اعتبروا أن الثورة قد اتخذت مساراً خاطئاً، وفي هذا اعتراف بشرعية الحكم الجديد، بالرغم من أن أوباما اعتبر أن هذه السلطة الانتقالية اتخذت خطوات غير ديمقراطية كفرض قانون الطوارئ.
وهكذا، بالفعل وكما ذكر أوباما في خطابه أنه تمّ انتقاد الولايات المتحدة من جميع الجهات، فقد عكس خطابه إرباكاً كبيراً في السياسة الخارجية، كما عكس القبول الأميركي بنتائج الكباش الدولي في القضية السورية، وعكس التطورات الراهنة على الساحة الدولية، خصوصاً على صعيد القضايا الشائكة في الشرق الأوسط