خريطة تفصيلية لجبهة الحرب المقبلة من جرود عرسال
صحيفة السفير اللبنانية:
لبنان في الأسابيع القليلة المقبلة، لن يجد من يتذكر فراغ قصره الجمهوري، إذا صحّت توقعات الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله بذوبان «جنرال» الثلج، وتدحرج كرات اللهب عبر الشرق باتجاه العمق البقاعي المجاور للحدود اللبنانية ـــ السورية.
وحتماً لو أراد السيد نصرالله أن يكون لخطابه بعد تعبوي، على مستوى حزبه وجمهوره، لكان استخدم أسلوباً مختلفاً، غير أنه خاطب جميع اللبنانيين أن يكونوا مستعدين لمواجهة «استحقاق داهم وقادم»، واعداً بالتحدث عنه تفصيليا في «وقت آخر».
في الطرف المقابل لسلسلة جبال لبنان الشرقية، تتموضع مجموعات إرهابية مسلحة يصل عددها الى نحو ثلاثة آلاف مقاتل، وذلك في نقاط ومواقع استراتيجية، وعند مفاصل حيوية في الاتجاهين اللبناني والسوري، وهي تمتلك ترسانة من الأسلحة، بينها دبابات ومدافع بعيدة ومتوسطة المدى وصواريخ أرض جو محمولة على الأكتاف وصواريخ مضادة للدروع، فضلاً عن مناظير ليلية، وأجهزة اتصال حديثة.
ومن يطل على حساب «الدولة الإسلامية» («داعش») في «إمارة دمشق» على «تويتر» في اليومين الماضيين، يستطيع أن يكوّن انطباعاً عما يمتلكه هذا التنظيم من قدرات في منطقة القلمون، حيث تجري ورشة بنى تحتية تشارك فيها جرافات وشاحنات وعشرات لا بل مئات المقاتلين (برغم الطقس العاصف والمثلج) لإنشاء شبكة طرق ترابية جديدة مستقلة عن الشبكات القديمة، تتميز بطبيعة عسكرية، بحيث تؤمن التواصل بين جميع المواقع من جهة، ولا يمكن لمواقع الجيش السوري و «حزب الله» أن ترصدها بالعين المجردة من جهة ثانية، إلا اذا تم استهدافها عن طريق الجو!
ونشر «داعش» ايضا صوراً تبين استمرار إمساكه بمعبر الزمراني غير الشرعي القريب من الحدود اللبنانية ـ السورية في منطقة القلمون (جرود بلدة قاره)، برغم تعرضه لعشرات الغارات الجوية من الطيران الحربي السوري، فضلا عن صور تُنشر للمرة الأولى لأعمال «المحكمة الإسلامية في القلمون» أثناء انعقادها.
كما أن تنظيم «النصرة» الأكثر نفوذاً في منطقة القلمون بقيادة أبي مالك التلي، يملك شبكة بنى تحتية تشمل عدداً من المغاور والأنفاق الاستراتيجية، وبعضها أمكن لمعظم أهالي العسكريين اللبنانيين الأسرى لدى «النصرة» أن يرصدوها بالعين المجردة خلال «الرحلات السياحية» التي يتولى تنظيمها لهم دورياً الشيخ مصطفى الحجيري (أبو طاقية)، وآخرها لذوي الرقيب أول الأسير بيار جعجع في جرود عرسال، وكانت لهم محطات في مغاور اسمنتية محصنة لا تستطيع أن تخرقها إلا أحدث الصواريخ الموجهة عبر الطيران المروحي.
هدنة «داعش» و«النصرة»
وبرغم بعض الاشتباكات التي شهدتها منطقة القلمون، وخصوصا بين «داعش» و «جيش الإسلام» بقيادة زهران علوش المدعوم سعودياً، وبينها تبني الأخير تفجير محكمة «الدولة الإسلامية» ومكتبها الأمني في بلدة عرسال (..) في نهاية كانون الثاني الماضي، إلا أن المنطقة تشهد حالة من الهدنة بين الفصائل، وخصوصا «النصرة» و «داعش»، لا مثيل لها على كل الأراضي التي يتواجد عليها الفصيلان في سوريا.
ويعود الفضل في ذلك، بحسب الخبراء المتابعين، لأبي مالك التلي الذي استخدم هوامشه لعدم الالتزام بقرار أمير «النصرة» أبو محمد الجولاني القاضي بإعلان الحرب الشاملة على «داعش» في مطلع شباط 2014، وهو قرار تُرجم في جميع الساحات المشتركة، باستثناء القلمون الغربي الممتد نحو الحدود اللبنانية والقلمون الشرقي الممتد باتجاه البادية السورية.
لا بل ان هناك معطيات عن سعي التلي لإقامة غرفة عمليات مشتركة مع بعض المجموعات في القلمون، انطلاقا من استشعاره عدم وجود منافسة جدية له في المنطقة، ولو أن «داعش» يحشد من خلال ممرات غير شرعية («كوريدورات») مفتوحة من ريف ادلب وحماه باتجاه ريف حمص، حتى أن عناصر لبنانية (معظمها من الشمال) تمكنت، عبر التوجه جواً الى تركيا، من دخول الرقة ودير الزور، ومن هناك تم تأمين انتقالها في الشهور الأخيرة الى القلمون، عبر صحراء تدمر فريف حمص.
ماذا يعني «استحقاق الثلج» في ضوء هذه المعطيات؟
لهذا الاستحقاق الوطني ركيزتان أساسيتان: سياسية وأمنية، وهما تندرجان تحت العنوان الذي دعا اليه الرئيس سعد الحريري وتبناه السيد نصرالله، أي الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الإرهاب، برغم أن الأول خطا خطوة الى الوراء باعتباره ان انتخاب رئيس جديد للجمهورية هو المدخل الى مثل هذه الاستراتيجية.
واذا كانت معركة القلمون شبه حتمية في مطلع الربيع المقبل، فإن المظلة الحامية للاستقرار اللبناني ليست خارجها، ولعل البداية من واشنطن، التي قررت في الأشهر الأخيرة فتح مستودعات جيشها من أجل تقديم أنواع جديدة من الأسلحة للجيش اللبناني، معظمها مرتبط بطبيعة معركة الحدود الشرقية، لا بل ثمة غض نظر من الأميركيين على وجود «حزب الله» الحدودي (وليس في العمق السوري)، خصوصا أنهم يدركون، كما معظم القيادات السياسية والأمنية والعسكرية اللبنانية، أن الجيش اللبناني وحده لن يكون قادرا، من دون الحزب، على تحمل أعباء المعركة الحدودية، لا سيما أن الخطة الأمنية في البقاع تأخرت أسابيع عدة بسبب النقص البشري واللوجستي.
ويشكل الإجماع اللبناني والعربي والدولي أفضل مظلة لهذه المعركة، لكن العبرة الأساس هي في الركيزة العسكرية، وثمة مسؤولية مركزية يتحملها الجيش وينتظر أن تزداد الأعباء. وحسناً فعلت القيادة العسكرية بأن أولت عناية خاصة للألوية والكتائب والأفواج المنتشرة في البقاع الشمالي، بدءاً بإعادة تشكيلها، ومن ثم مدّها بما تحتاجه من أسلحة وإعادة ربط المواقع بحيث يرفد كل واحد منها الآخر بالنار والدعم العسكري، فضلاً عن وجود وحدات في حالة جهوزية لمواجهة الحالات الطارئة وتحريك الطيران المروحي والحصول على «داتا» الاتصالات و «داتا» الصور الجوية يومياً (جهوزية فنية عالية)، بإمكانات لبنانية وأخرى دولية.
ردات فعل
أم خطوات استباقية؟
غير أن ذلك كله لا ينفي وجود ثغرات، اذ إن حفر طريق ترابية في خراج رأس بعلبك استوجب معركة ذهب ضحيتها عدد من العسكريين، فهل يستطيع الجيش تحمل كلفة قرار من نوع منع وصول المؤن والمازوت الى مخيم النازحين الواقع مباشرة بعد حاجز الجيش في جرد عرسال، بما يشكله من واجهة لبلوغ المؤن والمازوت للمجموعات المسلحة نفسها في الجرود؟ وماذا اذا بلغت الأمور حد تنفيذ هذه المجموعات عملية اجتياح واسعة النطاق على طول الحدود الشرقية؟
ولعل الواقع القائم هناك يطرح سؤالا لا مفر منه: هل ينبغي أن يكون لبنان حتماً في موقع ردة الفعل أم أن هناك خطوات استباقية يمكن القيام بها لمنع استمرار منطقة القلمون شوكة في الخاصرة اللبنانية ـــ السورية؟
الجواب عند «تيار المستقبل» أنه ليس في وارد القيام بأية خطوة أبعد من الحدود اللبنانية، وهو جاهر بموقفه على طاولة الحوار مع «حزب الله».. غير أن السيد نصرالله كان واضحاً في تركيزه على نقطتين مترابطتين، وهما ضرورة التنسيق بين الجيشين اللبناني والسوري وبين الحكومتين اللبنانية والسورية.
ومن راجع المؤسسة العسكرية في الآونة الأخيرة لمس استعدادها لمثل هذا التنسيق شرط توافر القرار السياسي، خصوصا أن الجيش السوري تدخل أكثر من مرة ميدانيا لتخفيف الضغط عن بعض مواقع الجيش اللبناني، لكن المسعى الذي قامت به شخصية لبنانية بعيداً عن الأضواء، سعياً الى وضع خطة مشتركة بين الجيشين وصل الى حائط مسدود بفعل انعدام الضوء الأخضر السياسي اللبناني، حتى أن المسألة طرحت في إحدى جلسات مجلس الوزراء وكان الجواب «المستقبلي» سلبياً.
هذا «الفيتو» على التواصل السياسي والعسكري مع الجانب السوري قد تكسره معطيات الأرض نفسها، خصوصا أن عودة الحريري الى بيروت تحمل في طياتها إشعاراً بأن الرجل سيكون رأس حربة معركة التصدي للإرهاب المحدق ببلده من داخله، وليس بـ «الريموت كونترول» من الخارج، كما كان يحصل منذ موقعة آب 2014 حتى الآن.
من يراقب في هذه الأيام المثلجة والعاصفة مواقع «داعش» و «النصرة» على ارتفاع 2000 الى 2500 متر في منطقة القلمون فسيجد أنها خالية من أي وجود عسكري، لكن من يضمن ذلك في بداية ربيع العام 2015؟