حكومة سلام وتمام البيان
موقع إنباء الإخباري ـ
ناديا مهنا:
الرجل المناسب في المكان المناسب.. مقولة واضحة في معناها، عميقة في مضمونها، هي مقولة النجاح والتقدم في كل عمل إداري وسياسي، ووجودها والاقتداء بها مهم وأساسي، مهما اختلف الزمان والمكان ومهما كانت الأوضاع والأزمات، لضمان سيرورة التقدم والتطور. ولكن إن انعكست المقولة إلى وضع الرجل الغير المناسب في المكان المناسب، فما هي نتيجة هذا الانعكاس؟ وهل حل الأزمة يصلح بانعكاس المقولة؟
مقولة غابت عن أجواء تشكيل الحكومة وحضر صداها في أذهان الناس. أيام كثيرة مرت على لبنان بدون حكومة جعلت الوضع يزداد سوءا، وغدا يحتاج لولادة تجلب معها حلولا وانفراجات.
11 شهرا لولادة كانت متعسرة في أشهرها الأولى، هي ولادة مقدسة لحكومة ولدت من رحم الأزمة، وبعد مضي الفترة اللازمة لتكوينها واكتمالها، شاء القدر أن تأتي المولودة في يوم خصص لعشاق جمعتهم الحياة معاً في حب ولد بينهما ويحتفل بذكراه في يوم يحمل تاريخ 14 شباط – فهو يوم عيد العشاق. وفي التاريخ نفسه استشهد الرئيس رفيق الحريري على أيادي سوداء غادرة، فأصبح هذا اليوم يجمع ذكرى العاشقين وذكرى فراق الرفيق. فبين الحب والأسى، تشكلت حكومة وأضافت ذكرى جديدة نأمل أن تجمع حب الوطن وفراق الأزمة. فبات يوم 14 شباط يوما احتفاليا بامتياز والكل يحتفل به بحسب ذكراه.
تشكلت الحكومة برئاسة تمام سلام، ويأتي سلام إلى سدة رئاسة السلطة التنفيذية في لبنان بعد أطول فترة تكليف عرفها لبنان، وكان رئيس الحكومة نال عند تكليفه 124 صوتا من أصوات نواب البرلمان اللبناني البالغ عددهم 128 نائبا. ويعتبر سلام رئيس حكومة توافقي في لبنان المنقسم، حيث يمر البلد بأزمة ويعيش أحداثاً أمنية وارهابية متنقلة من منطقة إلى أخرى. وتوالت المواقف السياسية المهنئة بإنجاز تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة برئاسة تمام سلام بعد انتظار طويل والحاجة الماسة إلى الخروج من الوضع الراهن. واعتبر سلام انه لقد ولدت حكومة: المصلحة الوطنية، التي هي حكومة جامعة تمثل الصيغة الأمثل للبنان لما يواجهه من تحديات. ولكن هل البلد بحاجة إلى سلام أم الى أكثر منه للانفراج؟
والعجب كل العجب، حينما وضعت التشكيلة واعلن عن أسماء الوزراء وعن الوزارات المكلفين عنها. فتبين أن الرجل الغير المناسب في المكان الذي يصلح للمناسب. صفت الحقائب وبدأ موزعو الحقائب يتفننون برمي وتسليم الوزارات لمن لا يفهم بها، فكل وزير يحمل اختصاصاً مغايراً للحقيبة وللوزارة التي تسلمها.
ففي لبنان ليس المطلوب من الوزير العمل التقني في الوزارة وتلبية حاجات الناس أو تطوير قطاع معين بل المطلوب منه العمل السياسي عبر ارضاء من وزّره ومواجهة الأفرقاء السياسيين المناوئين له.
فمثلاً، المحامي الناجح والمشرع اللبناني العريق بطرس حرب سيتولى وزارة الاتصالات، في حين وضعت هذه التشكيلة الحكومية رجل أمن ـ وهو اللواء أشرف ريفي ـ في منصب وزير العدل، ووكلت المحامي علي حسن خليل إدارة وزارة المال، وهكذا حصل مع غيره من الوزراء.
ومع هذا شهدنا حلحلة للأزمة واجراءات وتعاون أمني انقذ لبنان من مجازر وخسائر.
ولكن ما لبث أن بدأ خلاف جديد يتبلور، خلاف أصاب تعطيلا مؤقتاً رغم كل التنازلات التي شهدتها عملية تكوين وولادة الحكومة، وهو الاختلاف على صيغة البيان الوزاري وخاصة فيما يتعلق بكلمة “المقاومة”.
وجراء هذا الاختلاف، اعلن الرئيس تمام سلام تهديده بالاستقالة في حال عدم الاتفاق على صيغة البيان. اقرت الحكومة اللبنانية منتصف ليل الجمعة السبت الصيغة النهائية لبيانها الوزاري، بعد نقاش مطول حول البند المتعلق بسلاح حزب الله ودوره في “مقاومة” اسرائيل. وأمكن التوصل الى الصيغة “السحرية” الجديدة التي جمعت “مسؤولية الدولة في تحرير الارض” مع “حق المواطنين اللبنانيين في مقاومة الاحتلال”. ونص الاقتراح على انه “استنادا الى مسؤولية الدولة في المحافظة على سيادة لبنان واستقلاله ووحدة أراضيه وسلامة أبنائه، تؤكد الحكومة على واجب الدولة وسعيها لتحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من قرية الغجر بشتى الوسائل المشروعة، مع التأكيد على الحق للمواطنين اللبنانيين في المقاومة للاحتلال الاسرائيلي ورد اعتداءاته واسترجاع الارض المحتلة”.
ومع إنجاز البيان الوزاري ونيل ثقة المجلس، تبدأ رحلة الحكومة التي لن تدوم أكثر من شهرين. هي رحلة شبيهة برحلة البحث عن الكنز المفقود. فمسار الخارطة غير موحد، طريق العبور يشوبه الرؤية الضبابية وتحديات الوصول مزعومة للحصول على كنز الرئاسة.
فالحكومة أمام تحد كبير لا يستهان به وخاصة وأن كل فريق متمسك برئيس يرى فيه الرجل المناسب لمنصب الرئاسة، فكيف ستعيد الحكومة أجواء الاتفاق من جديد؟ هل عبر التنازلات ام بالضغوظات الدولية لتغيير مواقف الفرقاء؟ ام التمديد لسليمان؟ ام اختيار قائد الجيش العماد جون قهوجي؟ فهو فعلياً وبعيدأً عن التشكيك بقدرته وكفائته القيادية إلا أنه خبير بالأمور العسكرية البحتة، وغير متمكن أو ضليع بالأمور السياسية والدبلوماسية. فهل تصلح سدة الرئاسة لقائد عسكري؟ فالمعلوم أن عمل الرئاسة واسع وشامل النطاق والاختصاص يتخطى الامور العسكرية والأمنية. لبنان بحاجة اليوم إلى رئيس قوي ومتمكن لينشل البلد من قعر الأزمة إلى فسيح الانفراج.
وهكذا يستمر الوضع ويستمر معه الانتظار والتصرف وفق مجريات الأحداث. فهذا لبنان، بلد اعتاد شعبه على الانتظار ومعايشة الأحداث، ودفع فاتورة الخلاف في مواجهة الاعتداء. فالمقاومة حق بات يقيد بأحكام صادرة عن جهات ترفض ظهوره بالزي المحزّب