حصار غزة وازدواجية المعايير
صحيفة الوطن القطرية ـ
رأي الوطن:
لا تزال القضية الفلسطينية تقدم في كل يوم دليلًا دامغًا على ازدواجية المعايير التي تمارسها الدول الكبرى الحليفة للكيان الصهيوني الغاصب فيما يتعلق بالقضايا التي يزعمون أنهم يتبنونها مثل حقوق الإنسان وحق المقاومة ضد الاحتلال، والتفريق بينه وبين الإرهاب، بل وحتى مفهوم الاحتلال في مواجهة مفهوم تكامل المصالح بين الدول ذات السيادة.
ولعل الحصار الظالم على قطاع غزة من قبل قوة احتلال غاشمة، يفرز المزيد من المواقف الدولية ويعريها من أي مصداقية تحاول أن تستر بها عورة مواقفها، فقيام الاحتلال الصهيوني أمس بالقرصنة والعربدة على سفينة (إيستيل) واختطاف المتضامنين الأوروبيين من على متنها، حيث لم نسمع من ما تسمى بقوى المجتمع الدولي وخاصة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ذلك الصريخ والنعيق الذي تطلقه هذه القوى في القضايا التي لاتكون اسرائيل طرفا فيها، وطبعا لم نر ولن نرى إجراءات عقابية ضد القرصنة والجريمة الاسرائيلية بحق الإنسانية، ما يكشف ازدواجية المعايير في سياسة هذه الدول من ناحية، ومن ناحية أخرى يفضح مصداقيتها تجاه ما ترفعه من شعارات مزعومة تحمل اسم مبادئ إنسانية قيِّمة وهي “حقوق الإنسان، والحرية، وحماية المدنيين”، حيث الكلمات المشفوعة بالإجراءات العقابية التي تنطلق في مواجهة الدول العربية والإسلامية وتدبيج القرارات في مجلس الأمن الدولي لتبرير الاحتلال، واستخدام القوة لإسقاط الأنظمة وضرب استقرار الدول العربية والإسلامية وإثارة الفتن الطائفية والمذهبية.
فالسفينة (إيستيل) التي ترفع العلم الفنلندي وتحمل مواد غذائية وأدوية تعبر عن تضامن من على متنها من المواطنين الأوروبيين وشعورهم بالمعاناة التي يكابدها سكان قطاع غزة جراء جريمة الحرب التي يرتكبها الكيان الصهيوني بحق الفلسطينيين في قطاع غزة بمحاصرتهم وتضييق الخناق عليهم، ولما كانت تحمل ذلك جرت القرصنة عليها تحت سمع وبصر القوى التي تتشدق كذبًا وزورًا بالدفاع عن حقوق الإنسان، في حين أن هذه القوى التي تساهم في قتل الشعب الفلسطيني بطرق مختلفة بتأييد الحصار وإمداد الكيان الصهيوني بالمال والسلاح والدعم السياسي والدبلوماسي، منخرطة بصورة مباشرة في قتل شعوب عربية في أكثر من دولة، فلا يزال الشعب السوري يدفع فاتورة الكذب والزور المضمنة مبادئ حقوق الإنسان والعدالة والحرية، وسياسة النفاق الواضحة حيث تمنع سفن المساعدات الإنسانية المتواضعة، في حين يسمح للسفن المحملة بمختلف الأسلحة لقتل الشعب السوري وعقد صفقات السلاح من أجل الهدف ذاته، وحين يتعلق الأمر بالكيان الصهيوني وبجرائم حربه ضد الشعب الفلسطيني الأعزل تخرس الألسنة، وحين يتعلق الأمر بحكومة عربية ملزمة قانونًا بالدفاع عن وطنها وحماية مواطنيها من الإرهاب العابر للحدود تقام الدنيا ولا تُقعد.
ما من شك أن الكيان الصهيوني يشعر بارتياح عميق بالنظر للمواقف الدولية الموالية والمدافعة، وللصمت العربي المطبق المكتفي بالتفرج على جرائم الحرب الصهيونية بحق الأشقاء الفلسطينيين؛ لأن هذا يخدم مخطط الصهاينة المعلن لالتهام الأرض الفلسطينية، وبسط نفوذ منفرد على كامل الشرق الأوسط باعتبار أن هذا الكيان المسخ هو الكيان النووي الوحيد في المنطقة، بالإضافة إلى الردع الدبلوماسي الذي يوفره لهم الوسطاء المخلصون للمبادئ الصهيونية، فالخوف من أي إدانة أو خطوة عقابية بحق المحتل الصهيوني على جرائم حربه المتوالية، قد ولَّى إلى غير رجعة، ما دام المرشحون الأميركيون يتزلفون رضا الكيان الصهيوني وصوت اللوبي الصهيوني، وما دام العرب يتزلفون للأميركيين لمساعدة بعضهم على بعضهم وتدمير بلدانهم الواحد تلو الآخر.