حزب الله وتجربة مواجهة الإرهاب
هادي قبيسي –
موقع سلاب نيوز:
خاضت الدول الكبرى حروبها الصعبة والطويلة ضد القاعدة في أفغانستان والعراق، وقد عانت الجيوش الغربية، وخاصة الجيش الأمريكي الأمرين في هذه المواجهات، وتكلفت مئات المليارات في تطوير نظم القتال وعقائده، إلا أن النتيجة لم تكون واضحة، لم يكن هناك معارك حاسمة وواضحة في هذا الصراع، ولم يستطع الجيش الأمريكي وحلفاؤه أن يرفع راية النصر الحاسمة.
كانت القاعدة تقاتل عدواً أجنبياً، وكانت القاعدة وأخواتها ضعيفة التسليح والتوجيه السياسي والدعم الأمني والمعلوماتي، وقليلة التجربة والخبرة، وكذلك كانت تعاني من أزمة مركزية في التعامل مع المدنيين، فخسرت الدعم المحلي، واستطاعت أمريكا استحداث ثغرات في البيئة الأكثر التصاقاً بالقاعدة، بعد أن جاء دايفيد بترايوس بخطته الجديدة عام 2006، وتمكن من خلق علاقة مع القبائل العراقية في الأنبار وتم تكوين الصحوات التي قضت على تواجد القاعدة بشكل كبير.
الحال هنا مختلفة تماماً، القتال هنا ضمن النطاق الإقليمي، والقاعدة والتيارات التكفيرية مسلحة بشكل كبير ومتطور، وتنال الدعم من عدد كبير من الدول، ولديها تجارب العراق وأفغانستان، وحلت جزءاً كبيراً من مشكلتها مع السكان المحليين، وطورت أساليب القتال بعد أن تلقت تدريباً جيداً، وكذلك أصبحت أكثر تنظيماً وحركتها الميدانية أكثر مرونة وفعالية وتنسيقاً، أضف إلى ذلك أنها اكتسبت معنويات لا تقدر بثمن بعد اكتساحها لجزء كبير من الجغرافيا السورية في بداية الصراع.
دخلت المقاومة على خط الصراع الدائر عند تخوم الحدود اللبنانية، بدءاً من ريف القصير ثم القصير ولاحقاً يبرود وفليطة ورنكوس، وقدمت تجربة كبيرة جداً على المستوى العسكري، فأجادت التعامل مع السكان المحليين، كما أجادت التعامل مع المقاتلين عند استسلامهم وجرحهم وأسرهم، وحاصرت المدن وطوقتها، ثم اقتحمتها واسقطتها رغم المقاومة الشرسة والعنيفة، أو أسقطتها بفعل الحصار كما في يبرود، وكان اللافت في هذا السياق عدد العمليات الأمنية التي استهدفت مقرات القيادة طوال الفترة الماضية، وتجدر الإشارة إلى أن هذا القتال وقع في أرض خارج النطاق اللبناني، وتختلف من النواحي الجغرافية والديموغرافية عن الأرض اللبنانية، وكذلك إلى أنها التجربة الأولى في المواجهة مع الإرهاب التكفيري.
الحرب الأمنية كان لها مساحة خاصة في الصراع، فمع بدء العمليات الإنتحارية باستهداف المناطق التابعة لجمهور المقاومة ومحاولتها الفاشلة لاستهداف مقراتها، بدأت حرب أمنية واستخباراتية كان المراد لها أن تعدل كفة هزيمة الإرهاب في الصراع العسكري. لاحقت المقاومة في الشوارع والطرقات السيارات المفخخة وقبضت على العديد منها، دون أن يتم الإعلان إلا عن عدد قليل من تلك الإنجازات، وكذلك استطاعت أن تنشر عدداً ضخماً من الجهاز الأمني في كل شارع وزقاق، وعند كل مفترق، وأن تنشر استحكامات ضخمة عند الأماكن المحتملة الإستهداف، والأهم ملاحقة واعتقال واغتيال العقول المخططة والمدبرة وخبراء التفخيخ سواءً كانوا في لبنان أو في فيلا معزولة في القلمون.
هذه التجربة المميزة والتي قد تنفتح على إنجازات أكثر أهمية في المستقبل، تعد تجربة رائدة في الحرب العالمية على الإرهاب التكفيري، وستكون الدول التي تمول وتدعم هذا الإرهاب في حربه على المقاومة يوماً ما على باب المقاومة تطلب منها المعلومات والخبرات والتجارب، وستكون هذه الخبرات سنداً للدولة اللبنانية عند اي محاولة ارهابية تخريبية في المستقبل، وإن نجاح المقاومة في هذه التجربة الجديدة، ينبغي أن يستثمر في اتجاهين : الأول إلحاق مكافحة الإرهاب التكفيري بالاستراتيجية الدفاعية، والثاني تقديم هذه الخبرة لكل الدول والجهات التي تعاني من هذا الوباء.