“حزب الله” في سوريا.. عام مضى!
صحيفة السفر اللبنانية ـ
علي هاشم:
عام مضى و”حزب الله” في سوريا… سريعة مرت الأيام والأحداث، حتى أن كثيرين لم يعودوا يميزون بين اليوم الذي سبق تدخل “حزب الله” وهذا اليوم، وإن كان مَن على الأرض – ممن يقاتلون ويقتلون من النظام والمعارضة – يعلمون علم اليقين أن دخول الحزب إلى المعركة كسر السائد حينها، وقلب الميمنة على الميسرة، وأن النظام، الذي كان في آذار وشباط العام 2013 يدافع عن أسوار دمشق ويعيش إرهاصات اليوم الذي يلي، أصبح في نيسان العام 2014 مطمئنا إلى أن الأيام الصعبة أضحت خلفه، وأنه اليوم معني بالدرجة الأولى بالتفكير في كيفية الوصول إلى تسوية تنهي ثلاث سنوات من القتال، وتضع حداً لعداد القتل الذي قارب الـ150 ألف شخص.
نعود إلى “حزب الله”، وماذا فعل الحزب في عام كامل من المشاركة في سوريا. هو سؤال لا شك بأن له الكثير من الأجوبة، إذا ما كانت الإجابات متروكة للمشاعر والتحليلات. المعارض له وجهة نظر، والمؤيد كذلك، ولكن إذا ما سألنا ماذا فعل “حزب الله” عسكرياً – أو لنكن أكثر دقة ماذا فعلت حرب سوريا بالحزب عسكرياً – يصبح لزاماً علينا أن نستطلع آراء من يعنيهم الأمر بالدرجة الأولى.
قبل شهر تقريباً، قال مسؤول عسكري إسرائيلي، رفض الإفصاح عن اسمه، في تصريح نقلته صحيفة “إسرائيل اليوم” في عدد 21 آذار الماضي، إن الخبرة القتالية التي لا تقدر بثمن التي حصل عليها الحزب في سوريا “هي محل قلق لإسرائيل”، لأنّ أي حرب برية مقبلة ستكون “بشعة للغاية”.
كلام هذا الضابط ليس سوى تقييم من التقييمات العديدة لليوم الذي يلي سورياً على جبهة “حزب الله”. كثرٌ هم الذين كتبوا عن هذا الجانب، لا سيما أولئك الذين درسوا تجربة الحزب وتطوره خلال السنوات الماضية، من حركة مقاومة لبضع مئات إلى جيش من عشرات الآلاف.
بدورنا نحاول أيضا أن نستطلع رأي بعض الخبراء العسكريين مباشرة، أو غير مباشرة، لفهم الواقع العسكري للمقاومة الإسلامية في لبنان، خارج إطار الموقف السياسي مما يحدث في سوريا، وخارج إطار الموقف من مشاركة “حزب الله” في سوريا، أو المصلحة والمبررات لحصول هذه المشاركة، الكلام هنا عسكري محض.
“الوقت ما زال مبكراً لكي نفهم بماذا خرج حزب الله من الحرب في سوريا” يقول أندرو إكسوم، المتخصص في شؤون “حزب الله” والذي أعد أطروحة الدكتوراه الخاصة به عن الحزب. ويضيف إسكوم لـ”السفير” ان “التجربة القتالية التي يكتسبها الحزب من خلال القتال هائلة، ولكن لا بد من الأخذ في الاعتبار ان حزب الله خسر خلال هذه المعركة بعضاً من القادة الميدانيين من أصحاب الخبرة، والذين يصعب تعويضهم”.
يقول آخر بيان صادر عن “المرصد السوري لحقوق الإنسان” المعارض، في الأول من نيسان الحالي، إن “حزب الله” خسر، خلال عام من القتال، 364 من مقاتليه. و”المرصد” حتى اللحظة هو الجهة التوثيقية الوحيدة التي قدمت أرقاماً واضحة، بغض النظر عن دقتها، فالأمر في نهاية المطاف يحتاج إلى تأكيد من جانب “حزب الله”، وإن كان لدى الحزب سياسة واضحة في الإعلان عن عناصره الذين يقضون في سوريا من خلال نعيهم، والقول “استشهد خلال قيامه بواجبه الجهادي”. لذا، فإن جردة سريعة لكل من نعاهم حزب الله خلال العام الماضي ستعطي صورة واضحة عن الخسائر البشرية لديه، والتي تبدو حتى اللحظة أقل بكثير من الأرقام التي كانت تروّج لها بعض وسائل الإعلام الموالية للمعارضة السورية. هنا لا بد من الإشارة إلى ان ثلث شهداء الحزب، بحسب الأرقام التقريبية، سقطوا في القصير، أي في أول معركة هجومية في تاريخ “حزب الله” في سوريا.
“في القصير أعتقد أن حزب الله فعل ما كنا لنفعله نحن كأميركيين في أفغانستان والعراق في مواجهة المسلحين، أي القتال المباشر” يوضح إكسوم، الذي خاض حربي أفغانستان والعراق كقائد مجموعة، وتولى حتى العام 2013 مسؤولية ملف لبنان في البنتاغون. ويضيف “حزب الله في القصير قاد القتال بدل السوريين. هو لم يقاتل إلى جانبهم ولا معهم ولا عبرهم. نجحوا حينها لكنهم تعرضوا لخسائر. اليوم أعتقد أن حزب الله يحاول القتال بطريقة مختلفة، من خلال القتال إلى جانب السوريين ومعهم ومن خلالهم”.
مصدر مقرب من “حزب الله” أكد لـ”السفير” أن الحزب اليوم في سوريا ليس هو ذاته “حزب الله” القديم. ويقول “صحيح أن بعض الإخوة من أصحاب الخبرة استشهدوا خلال المعركة، لكن الجيل الجديد في المقاومة يكتسب خبرات كبيرة من خلال المعارك العنيفة التي يخوضونها في أوضاع مناخية وجغرافية مختلفة، وباستعمال تكتيكات متنوعة”. ويضيف “المقاتلون أصبحوا قادرين على العمل في جميع الظروف، وكذلك فإنهم اكتسبوا خبرات الحرب الكلاسيكية إلى جانب استخدامهم قدراتهم الاستثنائية المعروفة في حرب العصابات، وهذا اتضح جلياً في معركة يبرود التي قُتل فيها عدد كبير من الإرهابيين في عمليات خاصة”.
سألنا مصدرنا عما إذا كان “حزب الله” يوازن بين وجوده في سوريا وجهوزيته على الحدود مع فلسطين المحتلة، فيرد “حزب الله اليوم ليس حزب الله في العام 2006. حينها كان عديد الحزب آلافاً وليس عشرات الآلاف كما هي الحال اليوم. معظم هؤلاء اليوم في لبنان. من في سوريا اليوم على أعلى تقدير بالآلاف… ودون الخمسة آلاف”.
في هذا الإطار يقول جان لوب سمعان، الباحث في قسم الشرق الأوسط في جامعة حلف شمال الأطلسي، لـ”السفير”، إنه بغض النظر عن عدم لمسه تغييراً حقيقياً في طريقة قتال “حزب الله” بسبب عملياته في سوريا، إلا أنه لا يرى أي تراجع على صعيد الجاهزية في جنوب لبنان. ويقول “الإسرائيليون مهتمون أكثر بترسانة حزب الله وصواريخه المتوسطة والقصيرة المدى في الجنوب، ما دامت هذه الترسانة هنا، ومن يشغلون هذه الصواريخ ويملك خبرة العمل عليها هنا، أستطيع القول إن التوازن العسكري قائم بين حزب الله وإسرائيل”.
في كانون الثاني الماضي، كتب الباحث في “مركز محاربة الإرهاب” في الولايات المتحدة جيفري وايت دراسة حول مشاركة “حزب الله” في سوريا، وخرج بخلاصات جاء فيها أن “حزب الله اكتسب خبرات في القيادة والسيطرة على الصعيد العملياتي والتكتيكي، وهو يربي جيلا جديدا من القادة والمقاتلين بخبرة قتالية كبيرة”. ويضيف “عمليات الحزب في سوريا زادت من قدرة مقاتليه ووحداته القتالية، ورفعت من مستوى انسجامهم وعملهم الجماعي وقدرتهم على الصمود، وهي أيضاً حسّنت من مستوى الأفراد والمجموعات الصغيرة والمهارات التكتيكية، وقدرة الحزب على جمع المعلومات التكتيكية والاستخباراتية”.
إذاً فـ”حزب الله” في سوريا وبعدها هو “حزب الله” جديد. خلطة تجمع بين عقلية حرب العصابات وقدرات الجيوش النظامية. هنا نعود مجدداً إلى إندرو إكسوم الذي خرج بخلاصة غريبة لكن ربما تستحق الإشارة: “هناك بعض الغرابة هنا… حزب الله بدأ كفصيل يتبنى حرب العصابات وقاتل إسرائيل بهذا التكتيك”. ثم يشرح أن إسرائيل نفسها قبل إنشاء دولتها خاضت حروب عصابات، لكنها بعد ذلك تحولت إلى جيش يواجه حرباً كهذه في جنوب لبنان: “حزب الله اليوم يمر بتجربة التحوّل ذاتها”.