«حزب التيار» إلى عهدة باسيل… بصلاحيات مطلقة
يودِع العماد ميشال عون، قريباً جداً، وزارة الداخلية، النظام الداخلي لحزب التيار الوطني الحر، ليجري انتخاب منسقي الأقضية ورئيس الحزب ونائبيه مباشرة من القاعدة، بعدما قرر الوزير جبران باسيل أن يكون المؤسس الفعلي لحزب التيار الوطني الحر، والمرشح الأكثر جدية ليكون رئيسه المطلق الصلاحيات الأول. هنا قصة التأسيس
غسان سعود –
صحيفة الأخبار اللبنانية:
لم يكد العميد بول مطر يبلغ سن التقاعد، قبل نحو عامين، حتى عيّنه رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون مديراً لمكتبه، خلفاً لابنته كلودين. كانت الأخيرة ساعد الرابية، الأيسر، منذ عام ٢٠٠٥ حتى تفرغها لأسرتها الصغيرة بعد زواجها من قائد فوج المغاوير في الجيش العميد شامل روكز. خلص مطر سريعاً إلى أن جمود التيار الوطني الحر التنظيمي هو الملف الأخطر، بعيداً عن الملفات السياسية التي يتفرد عون وساعده، الأيمن، الوزير جبران باسيل بمتابعتها. سابقاً، كانت الحسابات الشخصية، في رأي الجنرال، وراء المطالبين بمأسسة التيار، لكن، هذه المرة، قرع جرس الإنذار شخص يثق الجنرال به.
وتلاقى مطر هنا، بطريقة غير مباشرة، مع نائب رئيس المجلس النيابي إيلي الفرزلي الذي كان يلحّ على عون بعدم التأخر أكثر في تأسيس حزب.
اقتنع سيد الرابية. بدا واضحاً أن الورشة أكثر جدية هذه المرة من كل سابقاتها، وأن حزباً يرأسه جبران باسيل قد يعلن في أية لحظة. أوعز عون إلى مطر ليحضّر، مع ابنته ميراي، نظاماً داخلياً للحزب. سابقاً، وفّرت «الظروف السياسية» المتشنّجة غطاء لظروف التيار الداخلية الأكثر تشنجاً، والتي حالت مرة تلو أخرى دون تمكن عون من فرض نظام داخلي للحزب كما يراه هو. أما اليوم، فلا الظرف السوري، ولا الظرف الأمني أو الظرف الرئاسي، حالت دون تشغيل المحركات. سابقاً كان الجنرال يحسب حساب ما يعرف بالهيئة التأسيسية للتيار التي تضم من تعاقبوا على المسؤوليات فيه بين ١٩٩٦ و٢٠٠٥: مقابل الكتلة المؤيدة للجنرال «على العمياني» داخل الهيئة، هناك «مجموعة لاعبين»، يتقدمهم آلان عون وسيمون أبي رميا وزياد أسود وزياد عبس ونعيم عون ورولان خوري ولواء شكور، بقوا موحدين في مطالبتهم بإنشاء حزب حقيقي رغم كل التهديد والترغيب العونيين. اليوم بات شكور خارج الخدمة، ويحسب أسود وأبي رميا حساب النيابة أولاً، ويعطي عبس الأولوية لترشحه إلى الانتخابات أيضاً، فيما نجح عون في تحييد خوري. لم يبقَ، إذاً، غير ابني شقيقته وشقيقه (آلان عون ونعيم عون)، وهما أذكى من خوض معركة تفضح تشتت الكتلة التي تماسكت حولهما عقداً كاملاً.
قدم مطر، بعد ستة أشهر، مسودة النظام الداخلي، وفيها «تجميعة» لصلاحيات الرئيس في الأحزاب الرئاسية في كل أصقاع العالم، مترجمة ومبوبة على نحو مميز. تحمس عون، ولكنه بدل تحويل النظام إلى وزارة الداخلية، أرسله من بريده الإلكتروني إلى بعض العونيين ليدوّنوا ملاحظاتهم عليه. لماذا؟ لا أحد يملك جواباً مقنعاً. إلا أن المسودة سرّبت، ودبت الحياة في عظام كانت الرابية تحسبها رميماً: غدوات ونقاشات ومجموعات على الـ«واتس أب» وثرثرة وشكاوى بالجملة والمفرق.
فجأة، دخل باسيل في خضم هذا الحراك، معلناً أن المسودة سيئة وتحتاج إلى تعديلات كثيرة. في التيار من يجزم بأن باسيل اقتنع بأن عمه، بكل مسيرته وتجربته وقدرته على التفاعل مع الرأي العام، كان في حاجة الى ماكينة انتخابية توصف بالحزب. سُرّ الوزير، هنا، بطمأنة بعض الناشطين له حول حجمه الضخم مقارنة بحجم الماكينة، واحترام كل منهما لحدود الآخر. وعلى نحو واضح، انتقل ملف التنظيم الحزبي، هو الآخر، من عون إلى باسيل الذي قدّم هذا الملف على الملف الحكومي والانتخابات الرئاسية وغيرها من ملفات الوزير الشاب. وبسرعة، تشكلت سبع لجان ممن يوصفون بـ«حطب التيار»، يتراوح عدد العونيين في كل منها بين 15 و25، ولكل لجنة أمين سر. وتكثفت، خلال ثلاثة أسابيع، الجلسات في وزارة الاتصالات، ومنزل باسيل في البياضة. تكدست الملاحظات في أطنان من الورق وآلاف من الرسائل الإلكترونية. سمع الوزير، برحابة صدر، ملاحظات بالجملة والمفرق يصعب على أي إنسان سماعها. إلا أن الأهم كان إجماع الشباب في مختلف اللجان، باستثناء لجنة النواب بفعل معارضة النائب آلان عون، على انتخاب باسيل رئيساً. والأهم من مضمون النقاشات هنا هو انطلاقها في البحث من مرحلة ما بعد العماد عون. فكل من كان يسأل عن صلاحيات الرئيس ونفوذه ودوره وعلاقاته السياسية، إنما كان يحسب حساب وجود رئيس آخر للتيار الوطني الحر غير عون.
قدّم باسيل ملف التنظيم الحزبي على الملف الحكومي والانتخابات الرئاسية وغيرها
ليلة تشكيل الحكومة، كان العماد عون يجري دردشة مع مناصريه عبر الفايسبوك، فيما كان اجتماع لبحث التوصيات النهائية بشأن تعديلات المسودة الأولى يعقد في منزل باسيل. كان معاليه جازماً أنه مع إجراء انتخابات في الحزب على كل المستويات وتكريس الديموقراطية والمحاسبة. ولكن، ما كادت الحكومة تعلن، حتى حلت أجواء سلبية جداً محل كل الأجواء الإيجابية السابقة، وخصوصاً وسط بعض ناشطي المتن والأشرفية. اتهم هؤلاء باسيل باجتياز الحدود المفترضة في كل من الأشرفية والمتن عبر إخراجه الوزير نقولا الصحناوي من اللعبة، وبالتالي عبس، وإحلاله وجهاً عونياً جديداً في المتن محل النائب ابراهيم كنعان. ومن بدا، لوهلة، أن عون نجح في تفريقهم عاد هو شخصياً ووحّدهم. تجهمت رسائل الـ«واتس أب»، وبات بعض الشباب يستصعبون مرور نهاية أسبوع من دون تناول العشاء مع طوني سليمان فرنجية، وبدأت التسريبات المتوترة عن كتابة فلان استقالته وعدم تجديد آخر لبطاقته الحزبية.
طوى عون الملف الحكومي، موكلاً إلى باسيل تكثيف جولاته الدبلوماسية في سياق معركة رئاسة الجمهورية له، فيما كثف اجتماعاته هو مع الناشطين العونيين لتوفير الإجماع مجدداً على انتخاب باسيل رئيساً لحزب التيار الوطني الحر. ينفي النواب العونيون أن يكون قد فاتحهم صراحة ومباشرة بهذا الموضوع، إلا أن الجنرال استدعى ناشطي الصف الثاني والثالث، خمسة أسابيع متتالية، كل يوم ثلاثاء، ثلات مجموعات، يضم كل منها ثلاثة أو أربعة أشخاص، ليأخذ، كعادته، بالمفرق ومستخدماً نفوذه الشخصي، ما يصعب أخذه بالجملة.
غدا واضحاً تموضع العونيين في ثلاث مجموعات: تضم الأولى مستشاري باسيل وقد انضم إليهم بعض الناشطين الجديين في مناطقهم والديناميكيين، إضافة إلى ناشطين لم يحظوا بفرصة التقرّب من باسيل سابقاً ويعتقدون أنها فرصتهم لدخول الجنة الباسيلية والتنعم بخيراتها. الثانية متشائمة، وتضم معظم النواب العونيين والمرشحين العونيين ماضياً ومستقبلاً للانتخابات. والثالثة مترددة، لكنها أقرب إلى الإيجابية منها إلى السلبية، الوجه القيادي فيها هو نعيم عون (ابن شقيق الجنرال) وتضم معظم مسؤولي الطلاب السابقين ومنسقي الأقضية ممن يؤمنون باستحالة أن تسوء الأمور تنظيمياً أكثر مما هي عليه اليوم.
خلصت لقاءات الجنرال الجانبية إلى اقتناعه بأنها اللحظة المناسبة للمضيّ قدماً بمشروع باسيل. وها هو مستشار الوزير سيزار أبو خليل يدعو عشرة ناشطين يمثلون معظم الناشطين العونيين إلى اجتماع في منزل الوزير يوم الجمعة ٤ نيسان. لم يوزع باسيل النظام الداخلي الجديد عليهم كما كانوا يتوقعون. قال إن التعديلات غير ملائمة. ومن دون أن يخرج من جيبه النظام الداخلي كما يريده هو، أخذ يملي على العميد مطر ملاحظات تقولب كل النقاشات من دون أن تتعارض بشكل كامل مع التوصيات. هو يقول: «أنا أريد حزباً ديموقراطياً تنتخب فيه القاعدة الرئيس ونائبيه، وتنتخب المناطق منسقيها، فلا يتهم الرئيس بتفضيل أحد على آخر في هذه القرية أو تلك. لكنه في الوقت نفسه حزب رئاسي بحيث يحق للرئيس المنتخب أن يعين الهيئة التنفيذية التي ستكون ذراعه التنظيمية والوزراء الذين سيكونون ذراعه السياسية. ولا يفترض بالمكتب السياسي والمجلس الوطني وغيره من أجهزة الحزب أن يعيقوا عمل الرئيس في نقاشات عبثية ترهق الحزب». ورداً على المطالبة الواسعة بتمثيل نواب الحزب ووزرائه الحاليين والسابقين في المكتب السياسي، قال باسيل إن ذلك سيحوله إلى تجمع للعاطلين من العمل والمتقاعدين. «ليست المواقع الحزبية تعويض نهاية خدمة لأحد». التصويت ــــ يتابع باسيل ــــ يتم برفع الأيدي. وليس للمجلس الوطني الحق في المطالبة بإقالة الرئيس إلا في حالة الخيانة العظمى. وحين تجرأ هاتف باسيل على مقاطعته، تسلّم منسق عام التيار بيار رفول الحديث، متوجهاً إلى العميد مطر بالقول: «نحن لسنا حزباً. ضع هذه في قلب النظام (الحزبي) بخط عريض: نحن لسنا حزباً، نحن تيار. كم بطاقة حزبية لديكم؟ ١٥ ألفاً كأقصى حد. هؤلاء لا يشكلون واحداً في المئة من الحالة العونية. لماذا يريدوننا أن نأخذ قرارنا بناءً على رغبة واحد في المئة من الجمهور ونتجاهل التسعة وتسعين؟». وأضاف باسيل: هناك بطاقتان؛ بطاقة للملتزمين وأخرى للمؤيدين. الملتزمون ينتخبون رئيس الحزب ونائبيه، ومنسق القضاء ومنسق بلدتهم، ويصوتون لمرشحهم الأفضل إلى الانتخابات النيابية. أما المؤيدون فيصوتون في الاستفتاء الحزبي لمرشحهم الأفضل إلى الانتخابات النيابية. وسيأخذ رئيس الحزب نتائج هذا التصويت في الاعتبار، عند اختيار مرشحي الحزب في مختلف المناطق. قبل أن ينهي باسيل السهرة مبكراً، واعداً مطر بزيارة قريبة لاثنين من الشباب لإنجاز التعديلات المطلوبة وتنقيح النظام النهائي. وهو ما حصل فعلاً.
وعليه، بعد ثماني سنوات على تسليم حزب التيار الوطني الحر وزارة الداخلية العلم والخبر بإنشائه، سيزور موفد من العماد عون الداخلية قريباً لتسليم النظام الداخلي الخاص بهذا الحزب. وسيبدأ العد العكسي لموعد انتخاب باسيل رئيساً.
الأصوات المعارضة خافتة جداً. منذ سنوات، هناك في التيار مجموعة واضحة المعالم يتقدمها باسيل، ومجموعة أخرى تلتبس معالمها أشبه بحربة لا رأس لها تتألف من الفريقين الثاني والثالث السابق ذكرهما. ويشاع الكثير عن حجمي المجموعتين. قضت النقاشات الأولية بإعطاء المجموعة الثانية باسيل رئاسة الحزب، مقابل أن يعطيها عون حزباً. دغدغت الفكرة مشاعر باسيل، إلا أنه آثر رفع التحدي: أعطيكم حزباً ورئاسته في حال أثبتّم ديموقراطياً أنفسكم، وتعطوني حزباً ورئاسته في حال أثبتّ ديموقراطياً نفسي. هو لم يشترط عدم ترشح لائحة ثلاثية مناوئة للائحته في الانتخابات الأولى. التزم بإضافة مادة تمنع التمديد لرئيس الحزب مهما كان الظرف، لكنه لم يحدد الدورات المتتالية التي يحق لرئيس الحزب أن يترشح فيها لينتخب رئيساً. قال عون عن باسيل الكثير، لكنه لم يجزم بأنه الصخرة التي ينوي تأسيس بيته عليها؛ يعود للعونيين فعلاً الجزم بهذا الخصوص.