حذار التداعيات الكبيرة إذا تكرّرت الخديعة في البلوك 9…
جريدة البناء اللبنانية-
أحمد بهجة:
أعلن وزير الطاقة الدكتور وليد فياض في الكلمة الرئيسيّة التي ألقاها بالأمس في افتتاح قمّة الطاقات العالميّة الرفيعة المستوى في لندن، أنّنا سنصل خلال 30 يوماً إلى اكتشاف بترولي مهمّ، وسوف نكون أمام نقطة تحوّل تاريخي في لبنان مع ظهور نتائج الحفر والتنقيب عن الغاز في البلوك رقم 9.
لا شكّ أنّ الوزير فياض يستند في كلامه إلى معطيات يملكها كمسؤول أوّل في هذا المجال، لا سيما أنّ آخر الدراسات تشير إلى نتائج واعدة جداً، لكن الحذر مطلوب دائماً، خاصة أنّنا سمعنا ورأينا من شركة توتال تصريحات وتصرّفات اعتبرها الكثيرون مريبة بعض الشيء، وتحديداً لجهة أنها تواجه صعوبات في الحفر وما إلى ذلك من أمور سارع الوزير فياض إلى حلها بطريقة سلسة وقانونية، قطعاً للطريق أمام أيّ خربطة في الاتفاقات التي على أساسها انطلقت أعمال الحفر.
هذا الأمر يفرض على جميع المسؤولين، وليس فقط على الوزير فياض، الاستنفار الكامل استعداداً لمواكبة إعلان نتائج الحفر في البلوك رقم 9 أواخر شهر تشرين الأوّل الحالي، وكذلك الاستعداد للمرحلة المقبلة المتعلقة بالتنقيب في البلوكات البحرية الأخرى الواعدة أيضاً، وهناك الكثير من التفاؤل في المعلومات المتداولة عن البلوك 8 وأيضاً عن البلوكين 5 و 6.
هنا يتطلب الأمر من السلطة السياسية اتخاذ القرار الجريء والخروج من الدائرة الضيقة التي لا يجوز على الإطلاق أن نبقى أسرى لها ولمصالحها، حيث يجدر بنا الاستعانة بشركات أخرى من دول صديقة لا تساهم في الحصار الاقتصادي والمالي على لبنان، مع العلم أنّ روسيا وإيران هما من أكبر الدول المنتجة للغاز في العالم، ولديهما من الخبرات والقدرات التي تمكنهما من مساعدة لبنان بشكل يجعل اللبنانيين مطمئنّين إلى عدم حصول أيّ خديعة كما حصل مثلاً في البلوك رقم 4.
ذلك أنه بمجرد شعور الشركات الأجنبية والدول التابعة لها هذه الشركات بأنّ لبنان جاهز وقادر على تنويع خياراته في مجال الاستكشاف والتنقيب والحفر والاستخراج، فإنّ سلوكها سوف ينضبط تلقائياً وستلتزم بما تنص عليه الاتفاقات الموقعة بينها وبين الحكومة اللبنانية بما يلبّي مصلحة لبنان، خاصة لجهة إعلان نتائج الحفر في غضون شهر تقريباً، بما في ذلك حقيقة كميات الغاز المكتشفة والقابلة للاستخراج…
ومن الطبيعي أن تكون السلطة السياسية الحالية قادرة على القيام بما تفرضه عليها هذه المسؤولية الوطنية، إذا وضع المسؤولون عنها مصالحهم الخاصة جانباً، لأنّ لبنان دفع ويدفع أثماناً غالية جداً نتيجة تولّي أشخاص معيّنين مسؤوليات عالية فيما هم لا يستطيعون أو لا يريدون مخالفة ما يُطلب منهم خارجياً حفاظاً على مصالحهم وارتباطاتهم حتى لو كان ذلك مضرّاً بمصالح لبنان العليا.
وعليه، فإنّ على القوى السياسية الحريصة على البلد أن تثبت هذا الحرص بالملموس، وتبادر سريعاً إلى التحاور والنقاش في ما بينها بغضّ النظر عن شكل هذا الحوار، للاتفاق على كيفية إخراج البلد من هذا النفق المظلم الذي وصل إليه بفعل السياسات الخاطئة المستمرة منذ أكثر من ثلاثة عقود.
أولى الخطوات المطلوبة على هذا الطريق، تتمثل في انتخاب رئيس للجمهورية يعيد الانتظام إلى عمل المؤسّسات، بحيث يصبح ممكناً إنهاء مرحلة تصريف الأعمال وتشكيل حكومة جديدة تكون منسجمة مع ما ورد آنفاً لجهة عدم التعارض بين مصالح رئيسها وأعضائها والمصالح العليا للبلد وناسه واقتصاده.
بعد ذلك تتولى الحكومة الجديدة بالتعاون مع رئيس الجمهورية وضع الأسس اللازمة للانطلاق في ورشة النهوض الاقتصادي والمالي بدءاً من استنهاض الإدارة العامة التي نراها اليوم مترهّلة ومعطلة بغالبية دوائرها ومؤسّساتها، وذلك من خلال ملء الشواغر الموجودة اليوم أو التي ستطرأ تباعاً…
هذه هي ببساطة وبحسن نوايا خريطة الطريق الممكن السير من خلالها للوصول إلى الخواتيم المرجوّة، أما الذين يتصرفون بمكر وخبث ويرفضون كلّ المقترحات الداخلية لمنع التوصل إلى أيّ حلّ، إنما يقدّمون خدمات للخارج الذي يرتبطون به، تارة بانتظار الاتفاق السعودي ـ الإيراني، وتارة أخرى بانتظار الاتفاق الإيراني ـ الأميركي، وتارة ثالثة بانتظار انتهاء أعمال الحفر جنوباً لمعرفة النتائج… كلّ ذلك لن يجدي نفعاً بل يؤدّي حكماً إلى إطالة أمد الشغور والفراغ، وبالتالي إطالة عمر الأزمة وجعلها تتفاقم سلباً أكثر فأكثر، لأنّ هناك ملفات لا تحتمل التأجيل والتسويف مثل قضية النازحين التي يجري استغلالها ضدّ مصلحة لبنان وسورية في آن معاً، بينما وجود سلطة كاملة الأوصاف في لبنان وبعيدة عن التأثر بالخارج يجعلها قادرة على اتخاذ القرار بالتواصل مع الحكومة السورية وإيجاد المخارج الممكنة لحلّ هذه القضية أو على الأقل للبدء بحلها تباعاً لأنّ الواضح أن لا حلّ جذرياً يمكن أن يتمّ دفعة واحدة.
المهمّ ختاماً أنّ لدينا إمكانيات كبيرة يمكننا الاستناد إليها لحلحلة أمورنا وإخراج بلدنا من هذه الأزمة التي تشدّ الخناق أكثر فأكثر على أعناق اللبنانيين، لكن ذلك شرطه أن يُغلّب كلّ المسؤولين المصلحة العامة على مصالهم الخاصة، ومَن لا يمكنه فعل ذلك ما عليه إلا التنحّي جانباً وترك المسؤولية لأهلها القادرين على تحمّلها مهما كانت التبعات والأثمان…