جيوش الطوق: لمصلحة من استهدافها؟
موقع إنباء الإخباري ـ
عليا رزق:
مع بزوغ شمس القرن العشرين وبداية تواري هلال الاستانة المتزامن واكتشاف النفط في عالمنا العربي، شهدت المنطقة كما نعلم حراكاً سُمّي في التاريخ الحديث بالحركات الاستقلالية في العالم العربي، فتشكلت دول واستقلت اخرى وتأسست جيوش وحكومات وظهرت ممالك وإمارات وحراس نفطٍ بالوكالة للمستعمر المنكفئ والمتحكم من بعيد.
وكان لتلك الأنظمة المستحدثة ضرورات الحماية والبقاء، فأنشئت الجيوش والقوى الامنية على قياس الحاجة لحماية السلطة وتثبيت الحكم في أغلب الأقطار “اللامستقلة “، وهذا لغرض ما في مخططات الدول التي كانت رابضة على ثرى بلادنا وصدور شعوبها بالقوة العسكرية الاستعمارية.
وقبل التفكير بمنح منطقتنا استقلالها، كانت الدول الاستعمارية قد شبعت من وضع الخطط لضمان دولة لقيطة ستولد في المنطقة ولادة غير شرعية، فكيف يمكن حمايتها، قبل إتمام عملية التشكيل الحديث، ليستطيعوا إنجابها وتحضير مسرح المنطقة لحمايتها.
وكل ما قرأنا في التاريخ عن مؤتمر (بال) السويسري للحركة الصهيونية في العام 1897 من القرن قبل الماضي، إلى وعد بلفور المشؤوم، إلى الحرب العالمية الأولى وإسقاط الدولة العثمانية، ومؤتمر يالطا وما جرى به من تقسيم مناطق نفوذ للدول الكبرى في ذلك الحين وإيجاد أمم متحدة بعد أن كانت عصبة امم، كل ذلك كان ليتمكنوا من وضع القوانين، والتحكم بالعالم كيف يشاؤون، فكانت ثورتهم العربية الكبرى عندما تحالف أمير مكة ـ بعد طرده من قبل آل سعود بعد سيطرتهم على الجزيرة العربية ـ مع الانجليز، لضمان مُلْك بائد لا محالة.
وها هو التاريخ يعيد نفسه، فكان تقسيم المنطقة لدول وأعلام ورايات مختلف ألوانها، وبتنا نتغنى باستقلالات لا معنى لها، وتم غسل أدمغة الكثيرين.
وكان حلم الوحدة يدغدغ أحلام وقلوب وعقول الكثيرين من الأحرار في أمتنا، لكن الثوب الّذي تم تفصيله للمنطقة، ضيق لا يتسع لكل تلك الدول. إلا إننا لم نفقد الأمل فيها وفي وطنيتها، بالرغم من سياسات دولها، باستثناء بعض الدول التي كانت فعلاً تسعى لوحدة الأمة.
وعندما قامت نواة هذه الوحدة في العام 1958 قاتلوها وتآمروا عليها إلى أن أجهضت بعد 3 سنوات من قيامها، إلا أن وحدة الجيشين فيهما، بقيت ولو بصورة رمزية، وبقي اسم الجيش في سوريا العروبة (الجيش الاول) وفي مصر العروبة (الجيش الثاني والجيش الثالث).
وبهذه الوحدة تحقق أول انتصار ـ ولو معنوياً ـ للامة، وعندما لم يتمكنوا من وضع ضباط على مقاسهم في تلك الجيوش، وذلك لوعي القيادة السياسية في البلدين، رأينا ما يجري من تآمر على المنطقة، لمصلحة الكيان العبري، فكانوا لا يخرجون بخطة إلا وتفشل، فيخرجون بخطة أخرى علهم يفلحون، ونجحوا في الكثير منها وفشلوا في أغلبها: أخرجوا المقاومة الفلسطينية من المعادلة، فكانت ولادة المقاومة الاسلامية في لبنان، وعدم القدرة على اختراق الجيش العربي السوري والجيش المصري، بعد أن هدموا أركان الجيش العراقي.
وعندما قامت الشعوب العربية بثورات نظيفة، ركبوا الموجة فوراً وجاؤوا بعملائهم، وكان ما كان في المنطقة، بعد أن أشعلوا لبنان بالاغتيالات، فقتلوا حليفهم رفيق الحريري ليستطيعوا تدمير الجيش العربي السوري المتماسك وإخراجه من لبنان بالصورة التي رأيناها. ورأينا الاصطفافات الجديدة للقوى السياسية اللبنانية، ومدى الحقد الذي ظهر على سوريا وجيشها لصالح دول العربان وكل العملاء في المنطقة.
وبعد أن تم لهم ما أرادوا في المنطقة بالسيطرة على الدول التي ثارت على أنظمتها، كان الجيشان العربيان الوحيدان المتماسكان في المنطقة، وليس لهم السيطرة الكاملة عليهما، هما الجيشين المصري والسوري، ومن ثم رأينا حجم الهجوم المُبَرْمَج عليهما، من قبل عبدة الريال والدولار.
ويبقى السؤال هنا، لمصحلة من استهداف الجيوش العربية ـ التي تعتبر الحصن الحصين لأوطانها والعامود الفقري لها ولحمايتها وحماية امنها واستقرارها ـ من قبل الارهاب الدولي؟ ولماذا تستهدف اليوم فقط جيوش دول الطوق دون سواها من جيوش العربان؟
سؤالٌ برسم كل من لا يؤمنون بنظرية المؤامرة، علّ في أحداث سيناء والقاهرة ودمشق وكل سوريا، ولبنان وجيشه، خير جواب.